ثمة مشكلة لدى quot;حماسquot; أسمها مشكلة الأنفصام في الشخصية. هذه حال مرضية لا أكثر ولا أقل ليس معروفا أذا كان في الأستطاع معالجتها. تريد quot;حماسquot; الذهاب ألى القاهرة وألأستعانة بها للتصالح مع السلطة الوطنية الفلسطينية. هل تدرك quot;حماسquot; ماذا يعني التوجه ألى القاهرة وما يترتب على المصالحة أم تريد المصالحة من أجل المصالحة من دون الأتفاق على برنامج سياسي واضح يؤدي ألى فك الحصار عن غزة؟
في حال كان الفلسطينيون، بغض النظر عن الجهة التي ينتمون أليها، يسعون ألى كسب أحترام العالم، عليهم قبل كل شيء الأبتعاد عن المزايدات التي تصدر عن هذه الجهة أو تلك. من هذا المنطلق، ما يفترض قوله لquot;حماسquot; بالفم الملآن أنه يؤمل منها التصرف بحكمة وعقلانية والتركيز على مشاريع تخدم الشعب الفلسطيني بدل زيادة بؤسه. هناك أمور أهم ما فيها ما ترمز أليه. مجرد الذهاب ألى القاهرة ومجردالتفاوض مع مصر واللجوء ألى مصر، من أجل البحث في مستقبل العلاقات مع السلطة الوطنية ومستقبل معبر رفح، له رمزيته. مصر هي في النهاية أكبر دولة عربية. مصر هي الدولة العربية الأولى التي وقعت مهاهدة سلام مع أسرائيل في العام 1979. مصر هي من أدركت قبل غيرها ان لا حل عسكريا للصراع في المنطقة. مصر تعرف ألى أين تأخذ الشعارات من نوع quot;لا صوت يعلو فوق صوت المعركةquot;. أنها تعرف خصوصا الويلات التي جلبتها تلك الشعارات على المواطن المصري العادي. مصر خاضت حروبا مع أسرائيل ودفعت غاليا من دم أبنائها. لم تصل ألى ما وصلت أليه ألاّ بعد تجارب طويلة وصعبة جعلتها تستوعب معنى الحروب ومآسيها.
ذهب وفد quot;حماسquot; ألى القاهرة من أجل التوصل ألى صيغة تؤمن للحركة السيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، على أن تكون السيطرة من الجانب الآخر لمصر. بكلام أوضح، تطرح quot;حماسquot; صيغة تتجاهل الواقع على الأرض أو الأتفاقات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة وأسرائيل والمجتمع الدولي، على رأسه ألأتحاد الأوروبي، من جهة أخرى. وألأهم من ذلك، لا يبدو أن quot;حماسquot; تريد quot; أن تأخذ في الأعتبار وضع مصر وألتزامات مصر، من منطلق أنها دولة تنتمي ألى المجتمع الدولي ومؤسساته وتحترم القانون الدولي. ولهذا السبب عاد الوفد الحماسي من القاهرة خالي الوفاض. قد لا تجد quot;حماسquot; مشكلة في ذلك نظرا ألى أن همها محصور في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس في الأنتهاء من الأحتلال وأقامة دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشريف!
هل تدرك quot;حماسquot; معنى اللجوء ألى مصر، وهل في أستطاعتها أستيعاب رمزية الخطوة التي أقدمت عليها وأبعادها... أم تعتقد أن أرسال وفد ألى القاهرة والمطالبة من هناك بالدخول في مفاوضات من دون شروط مع الرئاسة الفلسطينية والسلطة الوطنية يغطي حال الأفلاس التي تعاني منها؟ منذ متى صار الهروب ألى أمام سياسة؟ كان أفضل تعبير عن الأفلاس الحماسي تدمير الحدود بين القطاع ومصر ردا على الحصار الأسرائيلي الظالم الذي يتعرض له أهل غزة. بدل البحث في كيفية التخلص من الحصار بشكل نهائي والعمل على ضبط الأوضاع الداخلية في غزة، كان تدمير للحدود وأنتقال الفلسطينيين بمئات الآلاف ألى رفح المصرية وألى العريش. هذا ليس سوى علاج موقت لتفادي البحث في أساس المشكلة يوما أو يومين أو ثلاثة أو أسبوعا في أحسن الأحوال. ولكن ماذا بعد تدمير الحدود وأغلاق المتاجر في العريش وفي الجهة المصرية من الحدود أثر نفاد المواد الغذائية؟
ليس عيبا السعي ألى الأستفادة من التجربة المصرية. في مرحلة ما، لا مفر من العودة ألى أرض الواقع. أذا كان في نية quot;حماسquot; أقامة كيان تحت سيطرتها في غزة، سيكون ذلك ممكنا شرط التوقف عن أطلاق الصواريخ quot;العبثيةquot; في أتجاه أسرائيل. لقد أنسحبت أسرائيل من القطاع الذي تمنت دائما التخلص منه من دون تنسيق مع الجانب الفلسطيني بهدف واضح. تريد التفرغ لأبتلاع جزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. من يطلق صواريخ من غزة يخدم مخططات الأحتلال الأسرائيلي لا أكثر وذلك لسببين. الأول أن الأستراتيجية الأسرائيلية قائمة على فكرة عدم وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. أما السبب الآخر فهو أن حصار غزة يكرس وجود كيانين سياسيين منفصلين وسلطتين فلسطينيتين على غرار ما كان الوضع عليه في العام 1967.
بدل اللف والدوران والأستعانة بمصر مع ما يترتب على ذلك من مسؤوليات، يمكن لquot;حماسquot; أختصار الطريق ألى فك الحصار عن القطاع. أمام الحركة التي أستطاعت أن تشكل الحكومة الأولى لتنظيم quot;الأخوان المسلمينquot; في العالم العربي، وذلك منذ تأسيسه في العام 1928 الأعلان عن أقامة كيان في غزة. لن يكون من يعترض على مثل هذا الكيان سوى أهل غزة الذين سيتوجب على quot;حماسquot; أن تحكمهم بالحديد والنار والميليشيات المسلحة كما تفعل الآن. ألكيان المستقل هو الخيار الأول. أما ألخيار الآخر، فيكون في ألعودة ألى أحضان السلطة الوطنية الفلسطينية من دون شروط ومفاوضات ولا من يحزنون. وفي الحالين، سيترتب على الحركة الأسلامية التوقف عن أطلاق الصواريخ. تكمن أهمية خيار العودة ألى أحضان السلطة في أن ذلك سيساعد الفلسطينيين عموما في الحصول على دعم المجتمع الدولي الذي يدرك أن لدى الرئاسة الفلسطينية وحكومة الدكتور سلام فياض برنامجا سياسيا واضحا يدحض طرح الأحتلال الذي لا يريد تسوية معقولة ومقبولة.
في كل الأحوال، من المفيد الأخذ برأي مصر ذات التجربة الغنية في التفاوض مع أسرائيل. هذا ليس عيبا. ولكن ما قد يكون مفيدا أكثر الأستفادة من التجربة المصرية، الأبتعاد عن الأوهام. كل الشعارات التي تطلقها quot;حماسquot; وهم بوهم بدليل الحال التي وصل أليها أهل غزة. كل ما في الأمر أن الحركة تحوّلت أداة تستخدمها قوى أقليمية ليكون الشعب الفلسطيني وقودا في معارك لا علاقة له بها. أستُخدم هذا الشعب في الماضي في الأردن ولا يزال يُستخدم في لبنان. الآن صار يُستخدم وقودا لمعارك الآخرين في فلسطين نفسها... الفضل في ذلك يعود ألى الحكومة الأولى لquot;الأخوان المسلمينquot;التي لم تستطع ألخروج من أسر أيديولوجية بائسة وعقيمة في آن لا تشبه سوى أيدولوجية اليسار الفلسطيني الذي ظن في السبعينات من القرن الماضي أن الدعم السوفياتي كفيل بتحرير فلسطين. هل من يريد أن يتعلم شيئا من الماضي القريب؟ هل من يريد الأعتراف بأن المشروع السياسي الذي ينادي به quot;الأخوانquot; سقط ... وكان سقوطه في غزة عظيما بفضل ممارسات quot;حماسquot; في القطاع. كرست هذه الممارسات الطلاق مع الواقع وحولت الشعب الفلسطيني ألى quot;شعب متسولquot;! أنها بكل بساطة نهاية ما يسمى الأسلام السياسي كما يراه quot;الأخوان المسلمونquot;... سقط الأسلام السياسي في غزة. أنه أفلاس ليس بعده أفلاس يفع ثمنه الشعب الفلسطيني للأسف الشديد.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية