مع قرب أنتهاء زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز للدوحة، يتبين أن هناك ذهنية جديدة تتحكم بالعلاقات بين الدول العربية الخليجية. تقوم هذه الذهنية على أحترام الخصوصية الموجودة لدى كل منها. أنه تطور مهم يعكس فهما مختلفا لطبيعة العلاقات بين دول مجلس التعاون يشير ألى مقدار من النضج جسدته العقلانية التي أتسمت بها قمة الدوحة الأخيرة التي شارك فيها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتحدث في جلستها الأفتتاحية الرئيس الأيراني محمود أحمدي نجاد.
يشكل القبول بالآخر، كما هو، العنصر الجديد الذي طرأ على العلاقات القائمة بين الأعضاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. جاء الدليل الأول على ترسيخ هذا المفهوم قمة الدوحة التي أستضافها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في ديسمبر ndash;كانون الأول الماضي. وفرت تلك القمة دليلا على أن التطور في العلاقات بين السعودية وقطر quot;دائم وليس موسمياquot;على حد تعبير الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري.
كان هناك كلام كثير على هامش القمة الخليجية عن أن الدوحة، بصفة كونها العاصمة المضيفة، أعتمدت التهدئة موقتا من أجل أنجاح القمة، ألى أن تبين الآن بعد نحو أربعة أشهر من أختتام أعمال القمة أن الخطوط العريضة التي أتفق عليها الجانبان ما زالت تتحكم بعملية تطوير العلاقات بينهما بعد شبه قطيعة أستمرت ما يزيد على خمس سنوات. يؤكد ذلك، ألتزام قناة quot;الجزيرةquot; القطرية سلوكا معينا في التعاطي مع السعودية يبتعد عن أثارة الحساسيات ويقترب ألى حد ما من الموضوعية... عندما يتعلّق الأمر بالمملكة.
كيف وصلت الأمور بين الدوحة والرياض ألى ما وصلت أليه وألى صيغة التفاهم الحالية التي يمكن أن تكون قابلة للتطوير والتحسين بعيدا عن أي نوع من الأملاءات؟ من يعود قليلا ألى خلف، يرى أن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري تابع عن كثب فتح صفحة جديدة في ملف العلاقات بين البلدين منذ نحو سنة، أي منذ أنعقاد القمة العربية في الرياض في مارس- آذار من العام 2007. في تلك القمة، وضع العاهل السعودي وأمير دولة قطر الأسس التي يفترض أن تتطور على أساسها العلاقات بين الدوحة والرياض. لم تكن الأسس كافية. كان مطلوبا أيجاد حد أدنى من الثقة المتبادلة. لم تمض ثلاثة أشهر على قمة الرياض حتى زار الشيخ حمد بن جاسم المملكة حيث ألتقى الأمير سلطان. وبعد مضي ثلاثة أشهر أخرى، أي في سبتمبر من العام 2007، زار أمير قطر السعودية وألتقى الملك عبدالله. مهدت تلك الزيارة لحضور العاهل السعودي القمة الخليجية في الدوحة في ديسمبر من العام نفسه. تأكد بعد القمة الخليجية أن العلاقات بين العاصمتين ستعود ألى طبيعتها وأن السفير السعودي في الدوحة عائد قريبا ألى مقر عمله بعد غياب طويل عنه. وها هي السعودية تعين سفيرا جديدا في الدوحة نقلته أليها من دمشق. كان غياب السفير السعودي عن الدوحة أفضل تعبير عن التدهور المستمر في العلاقة بين البلدين في وقت تمر المنطقة في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها في غاية التعقيد.
متى عرضنا مواضيع الخلاف بين السعودية وقطر، نجد أنها كثيرة. يمكن حتى القول أن في أستطاعة الجانبين الأختلاف على كل شيء وأن يستمر ذلك ألى أن يقضي الله أمرا، وذلك بدءا بالنظرة ألى الأعلام ودوره وأنتهاء بالموقف من النظام السوري وأدواته في لبنان... بما في ذلك أدوات الأدوات التي تستخدمها دمشق وطهران لتقويض الجمهورية اللبنانية العضو المؤسس في جامعة الدول العربية!
تبين في آخر المطاف أن دول مجلس التعاون في مركب واحد وأن الأخطار التي تهدد المنطقة تهدد كل دولة من دولها. ما قد يكون أهم من ذلك، أنه تبين أيضا أن لا فائدة من أستمرار الخلافات ولا مفر من التعاطي مع الواقع كما هو، هذا الواقع المتمثل بأن لكل دولة خصوصيتها وأن ما كان معمولا به في الماضي لم يعد قائما في مطلع القرن الواحد والعشرين. فوق ذلك كله، أكتشفت دول مجلس التعاون أن ما يجمع بينها بشكل خاص، وفي هذه المرحلة بالذات، ضرورة التفاهم على كيفية التعاطي مع أيران نظرا ألى أن لا مصلحة لعرب الخليج في أي صدام معها أو في صدام أميركي- ايراني. ولهذا السبب كان هناك تفهم للكلام الذي صدر عن حمد بن جاسم في ختام القمة الخليجية الأخيرة. قال رئيس الوزراء القطري لدى سؤاله وقتذاك عن العلاقة بأيران أن هناك quot;تحالفا وثيقا مع أميركا. كل دول مجلس التعاون صريحة في هذا المجال، لكن ذلك لا يمنع أقامة علاقات مع أيران حين تمد أيران يدها بصدق. أيران جارة. أذا كنا نستطيع تطوير العلاقة معها فهذا يصب في مصلحة الأستقرار في الخليج. يجب ألا تكون علاقتنا مع طرف على حساب العلاقة مع طرف آخرquot;.
الأستقرار هي كلمة السر. الجميع يبحث عن الأستقرار. البحث عن الأستقرار مع وجود الهاجس الأيراني سهّلا أستمرار التحسن في العلاقات بين الدوحة والرياض مع محافظة كل من الطرفين على ما يميزه عن الآخر وهو ما لم يكن مقبولا به في الماضي القريب. يبدو أن ما حصل كان تطورا في الذهنية أكثر مما هو تحسين للعلاقات بالمعنى المتعارف عليه. ما لا بدّ من الأعتراف به في الوقت ذاته أن الأسس وضعت لنوع جديد من العلاقات بين عضوين في مجلس التعاون تقوم على فكرة أن ليس هناك من هو في دائرة نفوذ الآخر.