من يضع شروطا من أجل عقد جلسة لمجلس النواب تخصص لأنتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، أنما يسعى ألى الأستمرار في المحاولة الأنقلابية التي يتعرض لها البلد. بدأت هذه المحاولة بقرار مشؤوم أتخذه الرئيس بشار الأسد وقضى بالتمديد للرئيس أميل لحود وعهد الشؤم الذي بدأ في العام 1998. كل ما حصل من أحداث منذ تلك اللحظة يندرج في سياق المحاولة الأنقلابية التي لم يقتنع النظام السوري حتى اللحظة أنه لن يكون قادرا على تنفيذ مراحلها النهائية غير مدرك أن الخطأ لا يعالج بخطأ أكبر منه... وأن هناك حياة لهذا النظام، أو على الأصح، لما يمكن أن يبقى منه بعد الخروج من لبنان.
بكلام واضح كل الوضوح، يفترض في النظام السوري الذي يقف حاليا وراء المحاولات الهادفة ألى تعطيل أنتخابات الرئاسة في حال لم ينتخب رئيس سوري للبنان من طينة أميل لحود، أن يعي أن الرئيس اللبناني حقا، أي رئيس من الرابع عشر من آذار، كنسيب لحود تحديدا، هو الضمانة الأفضل لمستقبل العلاقات اللبنانية- السورية. مثل هذا الرئيس ضمانة لمستقبل العلاقات بين البلدين والشعبين بغض النظر عما ستؤدي أليه المحكمة الدولية التي ستنظر في الجرائم التي بدأت بأغتيال الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما والتي يبدو أنها لن تنتهي بأغتيال النائب وليد عيدو بعدما تبين أن لدى النظام السوري أصرارا على الأستمرار في الأنقلاب ألى النهاية... علما بأنه ليس معروفا كيف ستكون هذه النهاية ونهاية من ستكون بسبب هذا الأصرار.
من أجل لبنان وسوريا واللبنانيين والسوريين، من الأفضل أن يتوقف النظام السوري عن متابعة السير في الأنقلاب وتنفيذ مرحلة جديدة منه عن طريق فرض شروط لأنتخاب رئيس جديد للجمهورية. كل ما في الأمر أن من الطبيعي أن ينعقد مجلس النواب قبل الفترة القانونية المحددة من أنتهاء ولاية الرئيس وأن ينتخب النواب رئيسا جديدا باكثرية الثلثين في الدورة الأولى وبأكثرية بسيطة أي النصف زائد واحد في الدورات الأخرى التي تلي الدورة الأولى. أذا لم يحضر النائب ألى مجلس النواب للمشاركة في جلسة أنتخاب رئيس جديد للجمهورية، يكون تخلّى بذلك عن دوره ومهمته وواجبه الوطني لا أكثر ولا أقلّ. أن أي رئيس مستقل للبنان من الرجال الكبار مثل أمين الجميل أو نسيب لحود يشكل أكبر خدمة لسوريا من أجل أخراجها من العزلة التي أدخلها فيها نظام بشّار الأسد الذي يبدو أنه لا يستوعب معنى أن يكون هناك لبنانيون أحرارا يستطيع التشبه بهم والأستفادة من خبراتهم وأتصالاتهم وعلاقاتهم الأقليمية والدولية...
هل فات وقت هذا الكلام الذي يصب في مصلحة سوريا ولبنان في آن؟ ربما فات الموعد بعدما أرتكب النظام السوري كل الأخطاء التي أرتكبها، بما في ذلك حصر تعامله بالصغار الصغار في مستوى النائب ميشال عون أو الوزير السابق وئاب وهّام. كيف يستطيع نظام يقول أنه عربي أن يصير أسير صغار من هذا المستوى بدل أن يصعد ألى مستوى الكبار في لبنان وأن يتخلص من أشرف اللبنانيين على رأسهم رفيق الحريري؟ كيف يستطيع نظام يقول أنه عربي وأنه يدافع عن الحقوق العربية أن يضع نفسه تحت رحمة quot;حزب اللهquot; ذي المرجعية الإيرانية، اللهم ألا أذا كان يريد أن يضع نفسه في خدمة البرنامج النووي الإيراني وأن يكون وسيلة لمساعدة النظام الإيراني في التوصل ألى صفقة مع quot;الشيطان الأكبرquot; الأميركي على حساب كل ما هو عربي في المنطقة ؟
في أستطاعة النظام السوري العودة ألى رشده قبل فوات الأوان وذلك عن طريق المساعدة في أستعادة لبنان حريته وسيادته وأستقلاله. لا يوجد لبناني حر لا يريد الخير لسوريا والسوريين. كل لبناني حر يؤمن بأن أزدهار سوريا من أزدهار لبنان وأزدهار لبنان من أزدهار سوريا وأن تعطيل الحياة وسط بيروت بواسطة quot;حزب اللهquot; وادواته المستأجرة ليس سوى خدمة لأسرائيل وأستكمال للحرب الإسرائيلية على لبنان لا أكثر ولا أقل. هل هذا ما يسعى أليه النظام السوري من منطلق أن ألأنتصار على لبنان بديل من الأنتصار على أسرائيل وأن أقامة مخيم البؤس والبؤساء وسط بيروت يعوض عن أستعادة الجولان وعن أقفال جبهة الجنوب اللبناني في وجه quot;الحرس الثوريquot; الإيراني وصواريخه؟
أن اللبنانيين الأحرار الذين شاركوا في ثورة الأرز التي دفع ثمنها، من دمهم، أشرف العرب والسوريين واللبنانيين، على رأسهم رفيق الحريري، ليسوا في حاجة ألى شهادة في الوطنية والعروبة من أحد، خصوصا من الذين وظفوا أنفسهم في خدمة أسرائيل عن طريق تعطيل الحياة السياسية والأقتصادية في لبنان من أجل عقد صفقة مع الأدارة الأميركية... أو مع أسرائيل على حسابه. كل ما يحتاجه هؤلاء هو تذكير النظام السوري بأن لبنان الحر السيد المستقل أفضل حليف له في السراء والضراء في حال كان يريد بالفعل أستعادة الجولان والعمل من أجل رفاه الشعب السوري. الخطوة الأولى في هذا المجال تكون في البدء في التعاطي مع الكبار في لبنان وليس مع الصغار أو التابعين لهذا الطرف أو ذاك، ألا أذا كان النظام السوري نفسه صار تحت رحمة النظام الإيراني ومجرد ملحق به.
أمام النظام السوري فرصة أخيرة ليقول للعالم أنه ليس أسير النظام الإيراني. تتمثل هذه الفرصة في الأبتعاد عن تعطيل الأنتخابات الرئاسية في لبنان. أنها خطوة أولى تساعده في فك عزلته والعودة ألى المجتمع الدولي... علما أن عليه أن يثبت في نهاية المطاف أنه بريء من دم رفيق الحريري والشهداء الآخرين الذين رووا ثورة الأرز بدمهم من أجل أن يكون السوريون واللبنانيون أحراراً بالفعل!