لا يحتاج من يراقب ما يشهده لبنان وفلسطين والعراق إلى عبقرية كي يتأكّد من أن المنطقة تغلي. تغلي ألى حدّ أن من يتحدّث عن حروب قد تقع هذا الصيف أو في نهايته، أنما يسيء التقدير نظراً ألى أن الحروب تبدو وكأنها بدأت وأن على نار خفيفة. إذا لم يكن ما يشهده الشرق الأوسط حالياً بداية حروب، كيف تكون أذا بدايات الحروب والمؤشرات ألى هذه البدايات؟
في حال كان على المرء أن يكون أكثر دقة وواقعية، يتبادر إلى الذهن أولاً ما يشهده مخيّم نهر البارد في شمال لبنان حيث معارك مستمرة منذ العشرين من أيّار ndash; مايو الماضي بين الجيش اللبناني وعصابة quot;فتح ndash;الأسلامquot; السورية.أنها حرب حقيقية يشنها النظام السوري ووليّ نعمته الأيراني على لبنان واللبنانيين. وادت هذه الحرب حتى الآن إلى سقوط ما يزيد على ثمانين شهيداً في صفوف الجيش اللبناني. الهدف واضح كلّ الوضوح وهو يتلخص بالعودة إلى استخدام لبنان quot;ساحةquot; لأبتزاز العرب وكي يثبت النظام الأيراني أنه قوة أقليمية على تماس مع أسرائيل , وأنّ لا حلول ولا تسويات في المنطقة من دون أخذ مصالحه في الأعتبار. وبكلام أوضح تريد أيران أن تثبت أنها ورثت العرب وهم لا يزالوا أحياء يرزقون وأنها قادرة حتى على التكلم بأسمهم في شأن كل ما له علاقة بالشرق الأوسط من قريب أو بعيد بدءاً بالقضية الفلسطينية وأنتهاء بمصير لبنان وتركيبته المستقبلية مروراً بالعراق ومستقبله وتحديد مناطق النفوذ فيه وكيفية أقتسام ثرواته.
ما يشهده لبنان بمثابة مجموعة من الحروب بكلّ معنى الكلمة. هناك حرب على الجيش اللبناني رمز وحدة لبنان. هناك حرب على الحكومة اللبنانية رمز السيادة والحرية والأستقلال. هذه الحكومة التي تمتلك كامل الشرعية بموجب الدستور اللبناني، هذه الحكومة التي تعبّر عن وجود قرار لبناني غير مرتبط سوى بمصلحة لبنان بدليل أقرارها المحكمة الدولية التي ستنظر في الجرائم المرتكبة في حق لبنان واللبنانيين، تلك المحكمة التي لا يستطيع النظام السوري حتى السماع بأسمها لشدة ما هو بريء من هذه الجرائم.
هناك أيضاً حرب على مجلس النواب اللبناني الذي أقفل رئيسه أبوابه أستجابة لطلب المحور الأيراني ndash; السوري وذلك بعدما تحول رئيس المجلس إلى لاجئ سياسي لدى quot;حزب اللهquot; لا أكثر. ولما لم تؤد هذه الحرب على المجلس إلى النتائج المرجوة، أستمرّت عملية تصفية النواب وكان آخرهم الشهيد وليد عيدو الذي دانه النظام السوري بتهمة أنه لبناني وعربي صادق!
اكثر من ذلك، أن الأدوات السورية الأخرى، على رأسها فخامة رئيس الجمهورية الممدة ولايته بواسطة الأرهاب والترهيب، تسعى إلى منع أنتخاب نائبين بديلين من الشهيدين بيار أمين الجميّل ووليد عيدو على أمل القضاء على الأكثرية الحرة في مجلس النواب. والمضحك وسط كل ما يجري، مواقف ذلك المهرج برتبة جنرال الذي يسعى إلى تغطية عملية منع أجراء أنتخابات فرعية في المتن وبيروت خشية أنكشاف وضعه المسيحي على حقيقته. لو كان ميشال عون يمتلك حدّاً أدنى من الشجاعة لكان سهّل عملية الأنتخابات في المتن بدل الأختباء خلف أميل لحّود للهرب من الأنتخابات وأستكمال الدور الذي لا يتقن غيره، دور الأداة المستأجرة التي امتهنت تغطية الجرائم، كلّ أنواع الجرائم.
ما يشهده جنوب لبنان جزء لا يتجزأ من بدايات الحروب التي تبدو المنطقة مقبلة عليها. المطلوب تفكيك شبكة الأمان التي تحمي لبنان من كلّ الجهات ومن مختلف الزاوايا. لذلك يبدو الجيش مستهدفا وعبره الحكومة اللبنانية التي تمثل مرجعية المحكمة الدولية لبنانياً. المطلوب أن يتحول لبنان جزءاً لا يتجزّأ من المحور الأيراني ndash; السوري. ولذلك، ليس مستبعداً أقدام أميل لحّود على تشكيل حكومة أخرى، حكومة تشارك في الحرب على لبنان وتكون أمتداداً لquot;فتح ndash; الأسلامquot; في الشمال وللأعتداء على الأملاك الخاصة في وسط بيروت بواسطة quot;حزب اللهquot; واداته المسمّاة quot;الجنرالquot; والعصابات التي تطلق صواريخ quot;كاتيوشاquot; من الجنوب أو تعتدي على القوة الدولية المعززة... أو تغتال نواباً وشخصيات كما حصل مع وليد عيدو أخيراً.
الحرب في لبنان بدأت فعلاً. أنها مجموعة حروب على البلد الصغير. أنها شبيهة بالحرب التي تتعرض لها فلسطين من أجل أنهاء القضية. وقد حققت quot;حماسquot; خطوة أساسية في هذا المجال عندما نفّذت أنقلابها في غزة وحولتها قاعدة تابعة للمحور الأيراني ndash; السوري مستفيدة من أن أسرائيل غير مهتمة بغزة، أقله في الوقت الحاضر. أين مشكلة أسرائيل حين لا تعود هناك وحدة حال بين الضفة الغربية وغزة وحين تصبح quot;حماسquot; بمسلحيها المقنّعين واجهة الشعب الفلسطيني وأطلالته على العالم؟
في أساس الحرب على لبنان وعلى فلسطين ما يحصل في العراق حيث يجد الأميركيون نفسهم في مأزق بعما أكتشفوا متأخرين أنهم في مواجهة مع المحور الأيراني ndash; السوري الذي يحرك الميليشيات الشيعية من جهة ويتحكّم بمجموعات quot;القاعدةquot; الأرهابية السنية من جهة أخرى. في العراق أيضاً، تدور حروب على نار خفيفة بدأ البريطانيون والأميركيون يشعرون، ولو متأخرين، بمدى خطورتها وصارت صحف لندن تتحدّث عن قوات أيرانية تعمل داخل الأراضي العراقية ومتفجرات وأسلحة ينقلها الأيرانيون إلى داخل العراق.
هل يمكن للوضع في المنطقة أن يستمر على حاله؟ من الصعب التكهن بما ستؤول أليه الأوضاع في الشرق الأوسط خلال الأسابيع المقبلة. لكن كلّ ما يمكن قوله في ضوء ما يجري في لبنان وفلسطين والعراق، أن المحور الأيراني ndash; السوري يسعى إلى احتلال مواقع هجومية حيثما يستطيع، وكأن الأنفجار الكبير يمكن أن يحصل في أي لحظة. من يتمعّن في مجريات الأحداث يكتشف أن هناك حروباً صغيرة أدت حتى الآن إلى خلخلة الوضع العربي. ماذا بعد الخلخة؟ هل ستكون حرب كبيرة. مرّة أخرى، لا بدّ من تكرار أن الوضع الأقليمي لا يمكن أن يستمر على حاله. اللهمّ ألاّ أذا كان في نية الأدارة الأميركية الأستسلام أمام الحور الأيراني ndash; السوري وترك الشرق الأوسط في عهدته... وعهدة الأحتلال الأسرائيلي!