مرّ على المسلمين والعرب طغاة كثر وولاة دحرجوا الرؤوس ومنهم الحجاج والسفاح ومروان بن عبد الملك وبشر بن مروان وليس آخرهم صدام، لقد عرفنا وقرأنا عن مئات القادة الطغاة الذين اذاقوا المسلمين شرورا وبطشا، وولغوا بدماء معارضيهم حتى الثمالة.. وفي كل الازمان الماضية كانت هناك تهمة جاهزة لمن يخرج عنهم وعن اساليبهم العنيفة ومظالمهم، ومنذ نشوء الدول الاسلامية كانت التهمة الزندقة، ولقد قتل باسمها الكثير من العلماء والمفكرين والادباء وطوردوا ببلدان العالم، وقطعت رؤوسهم، ومثل باجسادهم ومنهم الحلاج وابن المقفع وعلماء وادباء كثر، اما بعد زوال الزمن الاسلامي وتغير البلدان الى الدول الحديثة ( شكلا) التي صار بعضها ملكية او جمهورية او سلطنة او امارة، قبعت في داخلها ذات الافكار الرافضة لفكرة المعارضة، وتبدلت اسماء التهم من الزندقة الى الشيوعية والكفر او خيانة الوطن، واصبح التطور العصري عند العرب باسماء وعناوين الدول فقط وبقي الجوهر كما هو، الحكام والملوك يتحكمون بشعوبهم ويتهم ابناء الشعب بعضهم بعضا تقربا للسلاطين والملوك والحكام وبقيت التقاليد العشائرية والولاءات المذهبية، وبقي التزام الانسان الى الحزب او التنظيم او السلطة كالانتماء للعشيرة، يحافظ على سمعتها من النقد حتى وان كانت مخطئة، مثلما يدافع كل فرد عن اي مظهر من مظاهر التخلف عند مذهبه لانه ينتمي اليه.. كل التطور الذي مرت به البشرية لم يمس المجتمعات العربية الا في بعض المظاهر الشكلية التي ادخلتها التجارة عليه، فلازال شرف البنت المتمثل ببكارتها هو شرف العائلة الرفيع، وهو السمعة التي يكررونها على ابنائهم دائما، اما من يسرق ويقتل ويعمل كل الموبقات فلا تتلوث سمعة العائلة به ابدا حتى لو ارتكب ابشع المجازر كما فعلها طغاة العرب الذين لازالوا يفتخرون بهم من حكام وولاة وخلفاء وقادة، وعجبت من انسان يحترم معنى الحياة البشرية يسمي صدام شهيدا رغم ابادته الالاف من ابناء جلدته.
لازال الانسان العربي لا يعرف معنى الاستقلال السياسي بالرأي ولابد وان يوضع المرء في خانة من الخانات التي اعتاد على ان يراها بديلا للقبائل والطوائف والشيع والسنن وخاصة الكتاب والمثقفين. فعندما نكتب منتقدين بعض المظاهر في الدين والتي لا تتناسب مع حقوق الانسان ولا مع التحولات والتطورات الاجتماعية والاقتصادية في العالم، نكون كفرة واباحيين، وعندما ننتقد الحكومات الديكتاتورية بالعالم العربي، او الاحزاب الدينية التي تتبجح زيفا براية الاسلام والراغبة بنا بالعودة الى القرون الوسطى وتقاليدها ونظرتها القاصرة للمرأة والعلم والتطور البشري، نوضع مع التوجهات الامريكية ونتهم بالخيانة للمقدسات والاوطان والعروبة والقيم الاصيلة وما الى ذلك من مسميات لم يبق منها سوى الشعارات.. اما عندما ننتقد السياسة الامريكية بسبب من جعلها مصلحة الولايات المتحدة فوق مصالح شعوب الارض جميعا وعدم اهتمامها بما يجري من جنون شركات وتجاره الاسلحة التي تشعل الحروب وبؤر التوتر هنا وهناك وتركها اسس وجذور المشاكل التي تسيطر على المجتمعات البشرية لتحلها السياسية الامريكية بعد ان تتفاقم تلك المشاكل بجيوشها وبالسلاح والحروب، وليمت من يمت من الابرياء ولتخرب البيئة وليحل الدمار وليزداد عدد اليتامى والثكالى، وعندما نغضب لان البنزين في الولايات المتحدة الامريكية ارخص بكثير مما في الكويت والسعودية والعراق وكل دول العالم التي تنتجه، وعندما نرى ان على الولايات المتحدة احترام الانسان الذي هو quot;اثمن رأس مالquot; وعدم سحق الفقراء والمساكين من البشر والذين لا ناقة لهم ولا جمل تحت اقدام الحروب غير المنتهية، لا نسلم من نظرة بعض الليبراليين القاصرة والذين يعتقدون ان واجب الليبرالي عدم توجيه النقد لأمريكا، كونها اليوم تقف موقف الدفاع ضد الارهاب ولا بد من التخندق معها والسكوت عن اخطائها، أو أن الامور لا يمكن اصلاحها في العراق الا بعد الخراب الكبير، الخراب الكبير يعني فقدان الالاف من الابرياء والذين هم طبعا ليسوا ابناء من يطرح هذه الافكار ولا اهلهم والمقربين منهم، وهذه نظرة لا انسانية وحل غير عادل ينفذ سياسة تخرب بها المجتمعات والبيئة والمستفيد الوحيد منها سوق الاسلحة التي تنتعش بخراب العالم... الى متى يبقى الفكر العربي في اشكالية فهم استقلال الرأي، ومتى ينتهي من النظر الى الخانات والتهم الجاهزة لوضع كل كاتب او مثقف فيها؟ وكأنما لايوجد في الناس من يملك قيما انسانية تؤكد على العطاء دون مقابل او انتماء؟
متى يدرك العربي ان هناك من الناس من هو محايد، ينطلق من منطلق مصلحة الانسان فقط، دون الانحياز لمجموعة او مذهب او حزب او فلسفة بعينها انما من منطلق الايمان بالعدالة الاجتماعية؟
هل ان كثرة النصابين من السياسيين الذين مروا على العالم العربي جعل الانسان العربي لا يثق بوجود من يفكر ويعمل من اجل حياة سعيدة للبشر، وسلام يحقق للناس عيشة كريمة بعيدا عن الرعب والحروب والموت العشوائي وجرائم القتل في الفضاءات والاقبية والشوارع؟

[email protected]