لم تكن هزيمة العرب في حرب العام 1967 عسكرية فحسب، كانت أيضا، قبل أي شيء آخر هزيمة حضارية بكلّ معنى الكلمة، هزيمة يؤكدها اليوم واقع أنّهم لم يتعلّموا شيئاً من دروس حرب الأيام الستة وأنّهم على أستعداد لتكرار الأخطاء ذاتها. يبدون مستعدين دائماً وأبداً لتكرار الأخطاء، بأستثناء تلك القلة منهم التي تمتّعت بالقدرة على أمتلاك رؤيا واضحة سمحت لها بتجاوز عقد الماضي وأوهامه وأمراضه المتجددة التي جسّدها ولا يزال يجسّدها أشخاص مثل جمال عبدالناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح جديد ومجموعته التي كانت تتحكم بسوريا عشية الحرب، وصدّام حسين وحافظ الأسد وعشرات الآخرين وحزب مثلquot;حزب اللهquot; وحركة مثل quot;حماسquot; بكلّ ما تمثله من تخلّف على كلّ الصعد. تخلّف تكمن خطورته في أنّه يُخشى أن يقضي على ما بقي من القضيّة الفلسطينية وعلى كل ما تحقق السنوات الأربعين الماضية وأوصل ألى صيغة الدولتين على أرض فلسطين...المعتمدة عالمياً.
بعد اربعين عاماً على حرب الخامس من يونيو- حزيران 1967، يتبيّن بكل وضوح أن العرب ما زالوا يقتاتون من الأوهام وأن وضعهم غير قابل للتطوير ما داموا أسرى العجز الذي يتحكّم بعقولهم.هذا العجز يجعلهم غير قادرين على مواجهة الحقائق والأرقام فيهربون منها ألى الشعارات. لا يزال العرب في معظمهم في عالم آخر لا علاقة له بالعالم الحقيقي. أنهم بكل بساطة لا يدركون معنى التحديات الحقيقية التي تواجه المنطقة، أنهم غارقون في وحول الهزيمة لا يتجرّأون على الأعتراف بأنها ستلاحقهم ألى الأبد في غياب الشجاعة على طرح الأسئلة الواجب طرحها. في مقدّم الأسئلة: لماذا نحن في مكاننا. لماذا لا يزال الأحتلال للضفة الغربية والقدس والجولان مستمرّاً؟ لماذا لم تقم الدولة الفلسطينية المستقلّة؟ لماذا أنهار العراق كدولة ومؤسسات وكيان سياسي؟ لماذا صارت الدول والمجتمعات العربية، في معظمها، مصانع لأنتاج الأرهاب والأرهابيين وتصديرهم ألى مختلف أنحاء العالم؟ ما العمل في مواجهة الغرائز المذهبية التي أستفاقت بفضل السياسة الأميركية الغبية التي فعلت ما فعلته بالعراق، من دون التجاهل، في أي لحظة من اللحظات ما أرتكبه نظام صدّام حسين العائلي- البعثي قبل الأميركيين ومسؤوليته بالنسبة ألى البدء في تمزيق النسيج الأجتماعي للعراق بعدما أدخل البلد في حروب ومغامرات حوّلته لقمة سائغة للأحتلال الأميركي. وقد مكّن الأحتلال أيران من أن تصير اللاعب الأول في العراق، اللاعب المتحكم بمستقبله وهويته العربية وبوحدة أراضيه وبمستقبل الدول العربية المجاورة له وحتى البعيدة منه. تلك الدول التي سيترتب عليها عاجلاً أم آجلاً التعاطي بشكل مباشر مع الطموحات السياسية لأيران ومخططاتها الهادفة ألى وراثة النفوذ العربي في المنطقة الممتدة من الخليج، مروراً بالعراق وسوريا، التي صار نظامها مجرّد اداة طيّعة في يد طهران، وأنتهاء بشواطئ المتوسط عن طريق quot;حزب اللهquot; في لبنان.
يمكن للائحة الأسئلة المرتبطة بالوضع العربي، بعد أربعين عاماً على حرب الأيام الستة، أن تمتد طويلاً. يمكن للأسئلة أن تتناول المشكلة الأهم المتمثلة بمستوى البرامج التعليمية ونوعيتها ودور المرأة المتراجع بأستمرار. هل هناك من يتجرأ على قول رأيه علناً بفيلم سينمائي مصري يعكس طبيعة الحياة الأجتماعية في البلد، فيلم من أنتاج الأربعينات والخمسينات والستينات مقارنة بفيلم آخر من أنتاج أمس القريب واليوم؟ ما هذا التراجع المخيف على الصعيد الأجتماعي؟ أوليس هذا التراجع دليلاً على أن العرب خسروا المعركة الحضارية التي تظل في نهاية المطاف أمّ المعارك، ليس على طريقة صدّام طبعاً وليس أستناداً ألى مفاهيمه البدائية.
كذلك يمكن للائحة الأسئلة أن تشمل الماء والبيئة وكلّ ما له علاقة بالطبيعة والنمو السكاني والتطرف الديني الذي لا ضوابط له، فضلاً عن الأسباب التي تجعل العقول تهاجر والرساميل لا تعود للأستثمار في بلد مثل سوريا كان يمكن أن يكون أحدّ أهم البلدان في المنطقة، فأذا به يعود ألى خلف يومياً بفضل نظام يرفع شعار quot;الممانعةquot;. أنها الممانعة أمام كلّ شيء فيه فائدة للشعب السوري، خصوصاً حيال الأمور ذات العلاقة بالتقدم والتطور والنمو والرقي والأزدهار... ما هذه الممانعة التي تصب في النهاية في ممارسة سياسة الأبتزاز ولا شيء غير الأبتزاز. منذ متى كان الأبتزاز السياسة؟
لم يدرك العرب، معظم العرب، أي عرب الهزيمة العلاقة بين السياسة وموازين القوى. يتصورون الهزائم أنتصارات، كما حصل في لبنان أخيراً حيث من يتحدّث عن أنتصار أعاد البلد ثلاثين عاماً ألى خلف. ما هذا الأنتصار الذي يعيد بلداً ثلاثة عقود ألى خلف ويعطل الحياة فيه ويتسبب بتهجير مئات الآلاف من الشبان؟ هؤلاء العرب لا يدركون أن المنتصر من يعترف بهزيمته وينطلق من ذلك في أتجاه تحسين وضعه وللأنتصار على النفس أوّلاً. وفي أساس هزيمة 1967 من لم يدرك أن السياسة ليست مقامرة وأنّ ليس في الأمكان الذهاب ألى شفا الحرب من دون الأعداد الحقيقي لها ومن دون أدراك لطبيعة الأسلحة التي لدى العدو الأسرائيلي وطبيعة تحالفاته.
كانت هزيمة 1967 نتيجة طبيعية ومنطقية لأنتصار الغوغاء، أي أولئك الذين رفضوا النظر بموضوعية ألى ما حدث في العام 1956 وللأسباب التي مكنت جمال عبدالناصر من أن يعتبر نفسه منتصراً بعد العدوان الثلاثي الذي جاء ردّاً على تأميم القناة. لو وجد وقتذاك في القيادة المصرية، التي كان يعبّر عن توجهاتها حكواتي مثل أحمد سعيد أو محمد حسنين هيكل، من يدرس الظروف التي أدّت ألى أنكفاء العدوان، لما وصلت مصر ألى ما وصلت أليه في الخامس من يونيو- حزيران 1967. لكانت وفّرت عليها وعلى العرب الكثير... كان يكفي أعتماد عبدالناصر والذين ألى جانبه حدّاً أدنى من التواضع والأستماع ألى من هم أكثر وعيا منهم كالملك حسين والحبيب بورقيبة، رحمهما الله، كي لا تضيع سيناء والقدس والضفة الغربية في 1967... وكي لا يُجبر الأردن على دخول حرب كان يعرف سلفاً أنها خاسرة ولكن لم يكن أمامه سوى خوضها.
المشكلة أن الأخطاء ذاتها تتكرر منذ الهزيمة. هذه الأخطاء، ستقود في حال أستمرارها ألى مزيد من الهزائم. ستضيع فلسطين، لأنّ ليس بين العرب من يقول لquot;حماسquot; أنها تخدم المشروع الأسرائيلي، ولأنّ ليس من يريد تسمية الأسماء بأسمائها في العراق والتعاطي مع الواقع الجديد الذي يفرض التفكير من الآن بالمخاطر الناجمة عن أنفلات الغرائز المذهبية والتطرف الديني، ولأن ليس بين العرب من يريد أن يقول للنظام السوري أن تخريب لبنان لن يؤمن له دوراً أقليمياً ولن يعيد له الجولان. أنّه رهان على الأوهام ليس ألاّ. كلّ ما في الأمر أن مثل هذا التصرف السوري في لبنان لا يخدم سوى أسرائيل، أضافة ألى أنه يجعل النظام في دمشق أكثر فأكثر تحت رحمة النظام الأيراني.
بعد أربعين عاماً على هزيمة 1967، يتجه العرب ألى مزيد من الهزائم. يكفي ما فعلوه في لبنان عندما فرضوا عليه أتفاق القاهرة في العام 1969 ويكفي ما يرتكبه النظام السوري من أغتيالات وتفجيرات وما يشجع عليه من أجل أفتعال حرب أهلية في الوطن الصغير عبر عصابات تابعة له من نوع quot;فتح ndash; الأسلامquot; للتأكد من أن الهزيمة الجديدة خلف الباب... ستظل الأبواب العربية مشرّعة أمام كلّ أنواع الهزائم ما دام ليس هناك من يستوعب أن ما حصل في 1967 كان هزيمة حضارية قبل أي شيء آخر وأن الأنتصار على لبنان ليس بديلاً ن الأنتصار على أسرائيل وأن الطريق ألى الجولان لا تمرّ لا بالوسط التجاري لبيروت ولا بمخيّم عين البارد في
- آخر تحديث :
التعليقات