تعقيبا على مقالتي الأخيرة بعنوان ( لماذا السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان فقط؟ )، وصلتني عبر بريدي الخاص رسالة من قارىء كتب باسم ( ماجد الخليلي )، قال فيها حرفيا: ( كل ما ورد في مقالتك حقائق عايشتها أنا شخصيا في بيروت ودمشق، وأنا متأكد أنني تقابلت معك مرارا في الإعلام الفلسطيني الموحد فيما أسميتها quot; جمهورية الفاكهاني اللاديمقراطية quot;، ورغم ذلك فإن اعتراضي الوحيد على مقالتك هو: لماذا نشر غسيلنا الوسخ أمام العرب والعالم ليزدادوا تشفيا وشماتة فينا؟ ). وقد تأملت كثيرا وعميقا في هذه الرسالة كي أقول رأيي إن كان الأخ ( ماجد ) مصيبا أم مخطئا، وقد وجدت أنني مقتنع تماما بأنه لا عيب ولا ضرر من نشر غسيلنا الفلسطيني الوسخ، لأن إخفاء هذا الغسيل والتستر عليه وعلى اللصوص طوال زمن ما سميّ ( المقاومة ) من عام 1970 وحتى الآن هو ما أوصلنا إلى هذه الحالة الفلسطينية التي أصبحت علامتها الوحيدة هي الفساد والاقتتال الداخلي والعمالة لأنظمة إقليمية، وكل ذلك يتم باسم تحرير فلسطين، وكل عام نبتعد عن التحرير عدة عقود أو قرون لا فرق. أليس ملفنا للنظر ومدعاة للحزن والبكاء واللطم أن الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 تخصص في تقديم القتلى أو الشهداء لا فرق فما عاد أحد يعرف من هو الشهيد أو القتيل، فهل ألالاف ممن فقدوا حياتهم في حروب المخيمات الفلسطينية- الفلسطينية أو في حروب فتح وحماس شهداء أم قتلى؟. ورغم ذلك تتراجع القضية الفلسطينية لدى الرأي العام العربي والدولي والفلسطيني أيضا، ومن لا يصدق ويتغنى ليلا ونهارا بحق العودة الذي أتمنى أن يتحقق اليوم وليس غدا، فما عليه إلا أن يراجع قوائم الشباب الذين يتقدمون بطلبات للهجرة للسفارات الأوربية في غزة والضفة، حيث تؤكد الإحصائيات الفلسطينية دون غيرها هجرة ما لا يقل عن سبعين ألف فلسطيني في السنوات العشر الماضية وكلهم من جيل الشباب المؤهل وذوي الخبرة، كما أن عدد طلبات الهجرة المقدمة فعلا لسفارات دول اتفاقية تشينجن يزيد على خمسة وأربعين ألفا.
والكارثة أن أحلام الشعب الفلسطيني النضالية تتقلص وتتراجع، فمن رفض قرار التقسيم عام 1947 الذي أعطى للدولة الفلسطينية المقترحة خمسة وأربعين في المائة من مساحة فلسطين،إلى أن نشحذ ما تيسر من القطاع والضفة اللذان يشكلان ما يقل عن 22 في المائة من مساحة فلسطين، والمعروض على الفلسطينيين من قبل الاحتلال الاسرائيلي لا يزيد عن خمسة عشر في المائة من هذه النسبة عبر جيتوات مقطوعة الاتصال. وفي عام 1979 ضمّن الرئيس المصري السادات للفلسطينيين كافة القطاع والضفة إن هم شاركوا في المباحثات التي أدت لاتفاقية كامب ديفيد التي أعادت لمصر كافة أراضيها المحتلة منذ عام 1067 كاملة بما فيها تفكيك وإخلاء كافة المستوطنات الإسرائيلية في زمن اليهودي اليميني المتطرف مناحيم بيجن، وآنذاك خرج زعماء الجماعات والعصابات الفلسطينية ينددون بالسادات ويحرقون صوره والعلم المصري، وهم يعرفون أن ذلك مجرد مزايدات وكذب ليضمنوا بقاءهم يتكسبون من وراء هذه الدكاكين والسوبر ماركات التي تسمى تنظيمات لتحرير فلسطين.
لماذا الخجل من نشر هذا الغسيل الأوسخ من الوسخ؟ فمثلا ماذا قدّم نايف حواتمة من استراتيجيات جديدة عندما أعلن انشقاقه في عام 1968 عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليشكل ما أسماها الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، ثم حذف الشعبية ليصبح اسم الدكان الجديد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. ثم لحق به الضابط السابق في المخابرات والجيش السوري أحمد جبريل ليعلن انشقاقه مطلقا اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ndash; القيادة العامة على الدكان الجديد، وتخيلوا صفة ( القيادة العامة )، فهناك قيادة خاصة لعمليات ما وهناك القيادة العامة التي تخطط لإستراتيجيات متعددة لإدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. ثم أعلن طلعت يعقوب انشقاقه عن أحمد جبريل معلنا ( جبهة التحرير الفلسطينية )، ثم انشق عنه أبو العباس مستعملا نفس الاسم فما عاد هناك تسميات جديدة فقد سجلت جميعها كماركات نضالية تحرر أجزاء من فلسطين سرا ونحن لا ندري!. وهاهم يتصدرون الزعامة الكاذبة حتى اليوم، فهل يختلفون عن الأنظمة الديكتاتورية العربية حيث الكرسي من المهد إلى اللحد. لماذا نعيب ذلك على الحكام العرب، والرفيق نايف حواتمة على كرسي رئاسة ( الجبهة الديمقراطية لتحرير ما تيسر من فلسطين ) منذ عام 1968 وحتى اليوم أي منذ تسعة وثلاثين عاما، أي منذ استيلاء الملازم ثاني معمر القذافي على السلطة في ليبيا، والزعيم أحمد جبريل منذ نفس العام وحتى اليوم، وسيظلا في نفس الكرسي و زعامة إصدار البيانات وجولات السفر وإرسال برقيات التأييد والمباركة بالأعياد إلى أن ينتبه ملاك الموت الرفيق عزرائيل. وفي هذا السياق لا بد من تثمين خطوة المناضل حقيقة الدكتور جورج حبش ( الحكيم ) الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي رفض عام 1996 تقريبا أن يترشح لأمانة الجبهة الشعبية من جديد معلنا تنحيه لإتاحة الفرصة لرفاق جدد، فخلفه المناضل أبو علي مصطفى الذي أغتاله جيش الاحتلال، فخلفه المناضل أحمد سعدات الذي يقبع صامدا في سجون الاحتلال مع رفيق دربه عبد الرحيم ملوح.
ودخل على خط النضال والتجارة باسم تحرير فلسطين عملاء الأنظمة العربية خاصة البعث السوري والعراقي، فأعلن البعثيون الفلسطينيون قيام ( طلائع حرب التحرير الشعبية ndash; قوات الصاعقة )..تصوروا هذا الاسم فهم مجرد طلائع لقيادة حرب التحرير الشعبية وكأنهم فصيل من تنظيمات قوات الفيت كونج الفيتنامية، وهم مجرد مخبرين للمخابرات السورية، وأتحدى إن كان لهم أي وجود في المخيمات الفلسطينية في سورية أو لبنان أو أي عضو في القطاع والضفة، وأتحدى إن أطلقوا رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي، فقد عايشتهم في دمشق وكانوا لا يتعدى عددهم العشرين شخصا، متأهبين ليلا ونهارا لإصدار البيانات المؤيدة لمواقف نظام حافظ الأسد، وإصدار مجلة هزيلة كلما تيسر ذلك. أما عملاء البعث العراقي فقد أعلنوا عن الميني ماركت الجديد باسم ( جبهة التحرير العربية )!!!. تخيلوا صفة ( العربية ) فالقوات النظامية والشعبية التابعة لهم تعد بمئات ألآلآف من مختلف الأقطار العربية، وأتحدى أيضا إن كان لديهم مسدسا واحدا حتى وهم في رعاية سعدون شاكر مدير المخابرات العراقية الصدامي الذي كان يدفع لهم المرتبات وتكاليف إصدار البيانات.
أما عن الممارسات في جمهورية الفاكهاني اللاديمقراطية فحدث دون حرج، فالفضائح النضالية هي التي حررت فلسطين وأوصلتنا اليوم للدولة الفلسطينية المستقلة، فمن يتخيل أنه كان يتم تصفية المعارضين والمخالفين قتلا، وفي صباح اليوم التالي يوزع بيان وملصق عن استشهادهم في مواجهة مع جيش الاحتلال في جنوب لبنان!!.من يتخيل أنه يتم إعدام بعض المتهمين بالعمالة لأجهزة أمنية لبنانية كما حدث مع زوج شقيقة ليلى خالد، ويتم الإفراج عن ( وليد قدورة ) لأنه من أقارب ( أبو ماهر اليماني ) أحد قادة الجبهة الشعبية؟. من يتخيل أن إحدى سكرتيرات ياسر عرفات المناضلة ( أمينة المفتي ) كانت من أهم عملاء الموساد في جمهورية الفاكهاني، وتم اعتقالها ثم تسليمها مصانة مكرّمة للموساد وتم مقايضتها بعضو قيادة فتح ( أبو على شاهين ) وزير التموين السابق في السلطة الفلسطينية في زمن الرئيس عرفات !!.
وفي الوقت الراهن ماذا تقول تقارير أجهزة الأمن الفلسطينية عن العملاء الفلسطينيين للموساد والشين بيت؟ وهل هم خمسة وثلاثون ألفا أم أربعون ألفا؟ ألم تنصّ بعض البنود السرية لاتفاقية أوسلو على عدم جواز التعرض لهم؟ ألم يتم إرسال مئات منهم للعيش في داخل دولة إسرائيل في قرية قريبة من أم الفحم بعد أن رفض فلسطينيو 1948 أن يسكنوا في قراهم ومدنهم كما فعلوا مع عملاء وجنود جيش لبنان الجنوبي بقيادة العميل إنطوان لحد !. من الذي وضع المادة الشمعية الفوسفورية على الكرسي المتحرك للشهيد الشيخ أحمد ياسين، تلك المادة الشمعية التي أعطت الإشارة للأباتشي الإسرائيلية كي تدلها على مكان وجود الشيخ الشهيد فتقصفه ليموت في الحال. من الذي أعطى المعلومة عن العودة المفاجئة للدكتور عبد العزيز الرنتيسي إلى منزله بعد اختفاء وملاحقات لعدة شهور، كي يتم اغتياله فور انتهاء زيارته المفاجئة لأسرته؟ هل أولئك العملاء والمخبرين من كوكب المريخ أم من كوادر حركة حماس؟ من يستطيع الوصول للكرسي المتحرك للشيخ الشهيد أحمد ياسين سوى كوادر معروفة من حماس؟
قوائم وتاريخ الغسيل الوسخ
هذا الغسيل الوسخ الذي كان وما يزال يمارس باسم تحرير فلسطين، هو الذي لم يحرر شبرا من فلسطين حتى اليوم، وهو الذي يبعدنا كل يوم سنة ضوئية عن تحرير فلسطين. إذن لماذا نخجل منه والكل يعرفه فلسطينيون وعرب ويتحدثون عنه في مجالسهم الخاصة والعامة ليلا ونهارا، دون أن يجرؤ أحد على تسجيله وتوثيقه؟!. من يوثّق حروب المخيمات الفلسطينية-الفلسطينية؟ من يوثق حروب فتح-حماس؟ من يوثق الاغتيالات الفلسطينية الفلسطينية؟ لماذا نبكي ونلطم على القتلى من جراء رصاص جيش الاحتلال ولا نذكر قتلانا في الحروب والاغتيالات الفلسطينية؟ كم من أطنان الورق كتبت في رثاء الطفل محمد الدرة؟ وهل كتبت كلمة واحدة في رثاء عشرات الأطفال الفلسطينيين قتلى الرصاص الفلسطيني كما حدث قبل شهور مع أطفال العقيد في الأمن الفلسطيني الذين قتلهم بعض عناصر حماس وهم متوجهين لمدارسهم فقط لأن والدهم ضابط في الأمن الوقائي الفلسطيني أحد أعداء حماس!
لماذا نخجل من هذا الغسيل الوسخ والجميع يعرفونه ويتحدثون عنه، ويغضب بعضنا فقط عندما نكتب عنه. وهذا ما جعلني أقول يوما ( إننا شعوب نخاف من الكلام المكتوب أكثر من الأفعال )،فلا نلوم القاتل والمجرم واللص والخائن بقدر لومنا لمن يكتب عنهم وعن أفعالهم المشينة. وكما كان يدعو جدّي ( اللهم أجرنا مما هو أعظم )، و لكن هل هناك أعظم فداحة وجرما مما نعيش وما ذكرت؟!.
[email protected]
التعليقات