في زمن، توصل فيه العلم، لمعرفة وكشف معظم قوانين الطبيعة المادية، لا يزال سلوك الإنسان، بشقيه، أنثى وذكر، وغرائزه/ها، من الأسرار الغامضة، وربما الدافع الجنسي، من أهم ما يجب البحث فيه، لما يحكم من مفاهيم إجتماعية، وتنحكم بدورها به وله، فتشكل محددات سلوكنا، ووجودنا الإجتماعي التفاعلي.
وفي مجتمعاتنا احتكر الذكر، البحث موضوع الجنس، لتصب نتائج الإجتهادات فيما يعتقد أنه لصالح الذكر، إلا أنه quot; الذكر quot;، ضحية هذه الثقافة، كما الأنثى هي ضحيتها أيضا.
محظورات البحث في هذا الموضوع، كثيرة، والخوض فيه، خطر، فمن يفكر في الإقتراب من هذا المحظور، عليه التعوذ والتلوذ، والتأكيد على علمية تساؤله/ها، وغايات البحث quot;النبيلة quot;، والتي لا بد أن تصب في خدمة quot;الفضيلة quot;، أحد المفاهيم التي تحكمنا، ونتناقض في فهم معناها، الذي ما زال ملتبسا علينا.
فالرعب الذي يتحكم بعلاقاتنا الجنسية، يمتد ليشمل كل التصرفات، التي تبدر من أي من الجنسين قبل الآخر، ليحبس الطرفان في حالة من الشلل، كي لا تفسر أي من تصرفاته/ها، على أنها دعوة للجنس، وكأنما العالم ليس له قضية، إلا أن يتمم عمليات جنسية على مدار الساعة، بغض النظر عن أطرافها.
مرورا بمحاولات عزل الجنسين عن بعضهما، في المدارس، أماكن العمل، وما إلى ذلك، هذه المحاولات الفاشلة، غير الممكنة في حراك الحياة، فالأنثى والذكر، متطلبها وضرورتها، وشرطها في التفاعل الحياتي، جنس، وأكثر، وهذا فصل تعسفي، لا يمكن تحقيقه، اللهم إلا في المقابر، بتخصيص مساحة لكل من الجنسين !!
فالتأكيد، مثلا، عند لقاء ذكر بأنثى، على أنها بمكانة الأخت، أو أنه بمكانة الأخ، إنما هو للتأكيد على عدم الرغبة الجنسية ، فالأنثى إما أن تشييء لمصلحة الجنس، أو تحاط بهالة التحريم، لتنزه عن أن تكون غاية جنسية ، ليصار إلى إجتهادات عجيبة، حول أمهات مشتركة، ورضعات مشبعة.
لكن حتى هذا التأكيد، لا يؤخذ على محمل الجد، فواقع جرائم السفاح بين القربى ومحارم الدم،، يفيد عكس ذلك، لتحول هذه الثقافة، ضحيتهاالذكر،، إلى وحش جنسي، لا يستطيع أن يرى في الأنثى إلا موضوع جنسي، والأنثى، إلى ضحية للذكر، بدل أن تكون شريكة وصديقة وحبيبة.
حدود العيب والحرام، التي تحكم محاولات البحث في هذا الموضوع، أدت إلى هذا الهوس الجاهل والمتجاهل لدوافعه.
فالفرض الذي تقوم عليه مجمل هذه الإجتهادات، التي تحكم وتنظم السلوك الإجتماعي، ومنطلقها السلوك الجنسي،، يقوم على أن الإنسان، بشقيه، ذكر وأنثى، عاجز عن فهم غرائزه/ها وجسده/ها، وبالتالي إذا ترك الأمر دون التهديد والوعيد، سيتحول إلى وحش جنسي طليق، هذا التعبير الذي يتكرر كنوع من التهديد، وكمبرر للحماية من التهديد، إلا أن هذا الفرض، كما أراه، هو نتيجة لهذه الثقافة العاجزة عن الخوض في هذه الدوافع والعوامل التي تحكم وتتحكم بهذا السلوك وتنتجه ، فبسبب هذه الإجتهادات، تسقط هذه العلاقة بعيدا عن وعي وإدراك،أن رقي العلاقات الإنسانية، يزداد بازدياد مساحة حريتهما واحترامهما لنفسيهما وللآخر.
إن ثقافة تتسامح مع رغبات الذكر، وتفترض في الأنثى كيانا وجد لإشباعها، لا بد أن تفرخ ذئابا ترى أن من حقها إستباحة النساء، فهذه العقلية التي ترى في المرأة موضوع جنس، وموضوع جنس فقط، لن تقدر أن تنتج في الطرف المقابل إلا ذكر، لا يدرك إنسانيته، وإنسانية شريكته، التي فرغت من محتواها الإنساني، لتصبح موضوعا جنسيا، وجد لتلبية وإشباع الغرائز، فيضحى بالتعبير الأرقى والأجمل للعلاقة بين الجنسين،quot; العلاقة الجنسية quot;، لتتحول، بدل أن تكون حبا ورغبة، إلى ساحة قتال وسيطرة.
العلاقة بين الجنسين، تتنوع، خارج الأخوة والأبوة، والشراكة الجنسية، إلى علاقات بناءة منتجة وجميلة، لا يكون الجسد ، محورها، ولا الجنس غايتها. وواقعنا مليء بهذه العلاقات، وإن كان نمو ها وتطورها، ينحكم في كثير من الأحيان، لمعيار هزيل، لا يدرك رفعتها، ليصار إلى تشويهها ومحاربتها، والتشكيك بها.
فالجنس، الذي يسوّق لنا اليوم، والذي يراد لنا أن نكون منضويين تحت من إحتكر تعريفه،، فقد ويفقد معناه، بما هو حالة إنسجام ومحبة وسكنى، ليتحول ساحة حرب وامتلاك واغتصاب، فلا يشبع من جوع، ولا يحقق إكتفاء، لا بل يقود إلى ما هو أخطر من ذلك، يقود إلى تنافس مهووس لمفهوم القوة الجسدية، واستماتة للإمتلاك والسيطرة، ليصبح معركة قوة لا تنتج إلا الدمار.
الجنس، أصبح، صناعة ووسيلة، ويكفى أن نتأمل قليلا فيما يدور حولنا، لنرى، كيف أن صناعة الجنس، أوجدت وتوجد هوة كبيرة، وعدائية، بين من يفترض أن يكون بينهما سكينة ومودة، سواء كأزواج، أو كشركاء بناء. فالإختلاف الجنسي، يشبه الإختلاف العرقي، الذي ينبذه العالم اليوم، ويخجل من ممارسات الأمس، فافتراض أن شخصا ما يملك أن يحكم حياة الآخر، لإختلاف هذا الآخر عنه، هو أساس الظلم والفساد في الأرض.وأن يسلط السيف على أعناق من يعمل عقله/ها ووعيه/ها، في أمور دنياه/ها، لهو الشر في أبشع صوره.
فهذه الثقافة لا تكتفي بمسخ إنسانية الأنثى لتحويلها لعبة جنسية، بل تفعل الشيء نفسه، إن لم يكن بشكل أقسى، مع الذكر، ذلك أن في تسامحها مع سلوكه الجنسي، وتبرير حاجاته الجنسية وتضخيمها، وتقزيم ومسخ الطرف الأساس المقابل، يجعل مفهوم الرجولة، مفهوم غير مشبع، إذ يتغرب عن نفسه، ليتحول الكيان الإنساني، الذي الأصل فيه الوعي والإرادة، المبنية على الحرية، إلى سجان وسجين، لمن يطلب عندها المتعة والسكينة ، ولنفسه وذاته الإنسانية.
لقد تم تطويع الواقع بأكمله لإشباع غريزة، قائمة على تحقير الأنثى، بسلبها رغبتها وإرادتها، والتشكيك بوعيها، كذلك، باحتقار الرغبة والمتعة، وكأن الذكر ضحية لغريزة بشعة لا يملك إلا أن يستميت في إشباعها، وتحويل الذكر، إلى كائن لا يستطيع الإرتقاء بحاجاته وغرائزه، أو السيطرة عليها، فيصبح ضحية مُنظّرهُ، فيتحول إلى، جائع أبدي، في محاولة عقيمة لتحقيق مفهوم رجولة فرغت من معناها، عاجزا عن تحقيق إنسانية، سُلبت منه لوهم ذكورة ، لا تفيد إلا من يقفون وراء صناعة الجنس، وتكريس ثقافة هذه الصناعة التجارية، التي تفرغ الكيان الإنساني من وعيه، وتتركه في جوع دائم، ليظل، والحال هذه، في بحث محموم عن سكينة ومتعة لن تتحقق عند من يراها أدنى منه، ومن يحاول عبثا إمتلاك وعيها وحريتها وإرادتها، هو من يحرم من إمتلاك الوعي والإرادة والحرية، لصالح فهم مشوه للجنس والحب والرغبة، والمتعة.
التعليقات