لدى الحديث عما يدور حاليا في لبنان، يتبين بوضوح أن لا وجود لأدنى شك في أن النظام السوري سيعطل أنتخابات رئاسة الجمهورية في الوطن الصغير عبر أدوات المحور الذي أقامه مع النظام الأيراني، أي quot;حزب اللهquot; أو الأدوات المستأجرة في مستوى النائب ميشال عون. هذا الذي لا يجد عيبا في لعب الدور الذي يلعبه، ما دام أنه خلق لمثل هذا الدور، دور الأداة المستأجرة الذي لايتقن غيره. لا يتقن سوى هذا الدور المستعد للذهاب فيه ألى النهاية ولو على جثث ألاف المسيحيين ... ولو أدى ذلك ألى هجرة عشرات آلاف اللبنانيين مجددا على غرار ما حصل في الأعوام 1988 و 1989 و1990 عندما أستولى المهرج برتبة جنرال على قصر بعبدا متسببا بأغتيال الرئيس رينيه معوض من حيث يدري أو لا يدري، والأرجح أنه كان يدري وفعل ذلك عن سابق تصور وتصميم.
ميشال عون ليس سوى أداة صغيرة في لعبة كبيرة يمارسها النظام السوري بهدف أعادة وضع اليد على لبنان عبر الأمساك بموقع رئاسة الجمهورية تماما كما فعل منذ العام 1989 عندما تخلص من رينيه معوّض لسبب في غاية البساطة هو أنه لا يريد رئيسا حرا للبنان، بل كل ما يريده هو رئيس تابع للأجهزة السورية بطريقة مباشرة. وهذا ما يفسر ذلك الأصرار على تمديد ولاية أميل لحود رئيس عهد الشؤم والخنوع لكل مطالب المحور الأيراني ndash; السوري حتى ولو كان ذلك على حساب لبنان واللبنانيين وأرزاقهم ومستقبل أبنائهم. كان أميل لحود الحاقد على رفيق الحريري يتباهى بأن مشروع quot;سوليديرquot; لم ينجح كما كان مقدرا له أن ينجح وأن الدليل على ذلك أن الطبقات الأرضية وحدها مؤجرة في حين أن معظم الطبقات العليا كانت لا تزال تبحث عن مستأجرين. كان مهما لأميل لحود أن يظهر كم هو قادر على التخريب والتعطيل كي يظل لبنان quot;ساحةquot; للمحور الأيراني- السوري يبتز من خلالها العرب وغير العرب بهدف التوصل ألى صفقة مع quot;الشيطان الأكبرquot; الأميركي ومع quot;الشيطان الأصغرquot; الأسرائيلي على حساب لبنان واللبنانيين. أمس كان أرسال الجيش اللبناني ألى جنوب لبنان خيانة في نظر أميل لحود والذين أرتكبوه بدءا بالنظام السوري وأنتهاء بquot;حزب اللهquot;. لماذا صار أرسال الجيش ألى الجنوب منتهى الوطنية الآن؟ هل سبب ذلك الهزيمة المنكرة التي لحقت بلبنان بعد حرب الصيف الماضي، تلك الهزيمة الساحقة الماحقة التي تعرّض لها لبنان والتي يصر الأمين العام لquot;حزب اللهquot; على وصفها بالنصر الألهي. أنه بالفعل أنتصار كبير على لبنان شارك فيه quot;حزب اللهquot; وأسرائيل وعملا كل ما في أستطاعتهما كي لا تقوم للبلد قيامة. وعندما أكتشف quot;حزب اللهquot; وأدواته المستأجرة أن لبنان يمكن أن ينهض مجددا، سارع ألى أستكمال الحرب الأسرائيلية عليه عن طريق أحتلال جزء من الوسط التجاري، كي يؤكد أصراره على تعطيل الحياة في البلد وأعادته ثلاثين عاما ألى خلف. يفعل ذلك تماما كما فعل النظام السوري قبل ثلاثين عاما عندما أرسل ما يسمى ألوية جيش التحرير الفلسطيني التي كانت مرابطة في الأراضي السورية كي تتمركز على خطوط التماس وسط بيروت وتكريس الأنقسام بين اللبنانيين من جهة وكي لا تقوم للبلد قيامة من جهة أخرى. وكأن تحرير فلسطين يمر بتحرير وسط بيروت. الآن يلعب quot;حزب اللهquot; الدور ذاته الذي كان يلعبه جيش التحرير الفلسطيني. أنه دور تقسيم بيروت وتعطيل الحياة فيها لشدة ما هو حاقد على لبنان واللبنانيين وعلى كل ما هو حضاري في لبنان، تماما كما حال النظام السوري وأدوات الأدوات التي أسم أحداها quot;الجنرالquot;. يعتقد هذا النظام بكل أسف أن خير سوريا يأتي من خراب لبنان وأن أزدهار دمشق مصدره تعطيل الحياة في بيروت، غير مدرك أن أزدهار سوريا من أزدهار لبنان وأن الحياة في دمشق مرتبطة بالحياة في بيروت وأن العكس صحيح في الحالين.
كذلك، يعتقد النظام السوري أن أمساكه برئيس الجمهورية سيسمح له بالأمساك بلبنان مجددا وبتعطيل المحكمة الدولية التي ستنظر في قضية أغتيال رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز الآخرين. لذلك سيعمل كل ما يستطيع من أجل منع أنتخاب رئيس جديد ما دام ليس قادرا على التمديد مرة أخرى لأميل لحود أو الأتيان بشبيه له. من يريد دليلا على مدى تمسك النظام السوري بأن يكون رئيس الجمهورية في لبنان موظفا لديه، يستطيع العودة قليلا ألى خلف. يستطيع العودة ألى اللقاء الذي أنعقد في دمشق بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس السوري بشار الأسد في كانون الأول- ديسمبر من العام 2003 في حضور الضباط السوريين الثلاثة غازي كنعان ورستم غزالة ومحمد خلوف. في ذلك اللقاء الذي وجّه فيه الأسد الأبن كل أنواع الأتهامات ألى رفيق الحريري، بصفة كونه عربيا أصيلا يرفض المتاجرة بقضايا أمته، هدد الرئيس السوري رئيس مجلس الوزراء اللبناني بأن عليه عدم أثارة موضوع التمديد من الآن فصاعدا. وقال للحريري بالحرف الواحد: quot;التمديد ورقة في يدي، من يعرقل التمديد يحرق أصابع يدي. هل تريد أحراق أصابع يدي؟quot;. بعد ذلك، لم يعد كلام عن التمديد ولا عن ملف quot;بنك المدينةquot;!
من يدرس كل كلمة قالها الأسد ألأبن ويتمعن فيها، يدرك كم موضوع الرئاسة مهم بالنسبة أليه وكم يعتبره مهما لمستقبل نظامه وألى أي حد يبدو مستعدا للذهاب في دمويته. أنه يعتبر بكل بساطة رئيس لبنان موظفا من موظفيه. مفهوم أن ينذرquot;حزب اللهquot; نفسه لتأدية ما هو مطلوب منه بصفة كونه مخلب المحور الأيراني- السوري في لبنان. ولكن ما علاقة ميشال عون بالدور الذي يؤديه، دور اللبناني الذي يقبل تحقيق مكاسب سياسية بفضل جرائم ترتكب في حق أشرف اللبنانيين بدءا برفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما وأنتهاء بوليد عيدو مرورا بسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميل؟ ربما لا جواب عن السؤال سوى أن الحقد أعمى، خصوصا لدى الفاشلين الذين لا يستطيعون سوى أن يكونوا أدوات في لعبة أكبر منهم بكثير، لعبة لا يمكن لعقولهم ذات الأمكانات المحدودة جدا فهم شيء منها! ربما سيفهم ميشال عون يوما ما شيئا... ولكن بعد مساهمته في ألحاق أكبر مقدار من الأذى بلبنان واللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم!