قبل ست سنوات، في الحادي عشر من سبتمبر ndash; ايلول 2001، أعلنت الأدارة الأميركية الحرب على الأرهاب. تلقت القوة العظمى الوحيدة في العالم يومذاك ضربة لم تكن تتصور أن أحدا يمكن أن يتجرأ على توجيهها لها وذلك عندما هاجم أنتحاريو quot;القاعدةquot; واشنطن ونيويورك ودمروا ناطحتي السحاب قي مركز التجارة العالمي وقسما من البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية). كانت الحصيلة لهذا العمل الأرهابي نحو ثلاثة آلاف قتيل. المضحك المبكي أن ثمة بين العرب حاليا من لا يزال يؤمن بنظرية المؤامرة رافضا الأعتراف بأن quot;القاعدةquot; بزعامة أسامة بن لادن وراء الكارثة التي حلت بالولايات المتحدة والتي أنتهت كارثة على العرب يخشى ألا تقوم لهم قيامة من بعدها. بدأ مسلسل الأحداث بنيويورك وواشنطن، لكنه ما لبث أن أمتد في أتجاه أفغانستان والعراق بما أدى إلى أقامة توازن أقليمي جديد يستند إلى معطيات أقليمية لا يزال من المبكر تحديدها بدقة. يظل أبرز هذه المعطيات من دون أدنى شك الوضع العراقي. هناك دولة عربية أسمها العراق تغيرت طبيعتها بشكل جذري جراء ما تسميه الولايات المتحدة الحرب على الأرهاب. تغيرت طبيعة العراق إلى درجة لم يعد معروفا هل لا يزال دولة عربية، هل يظل موحداً، هل ستظل هناك دولة أسمها العراق؟ ولكن يبقى ما هو أبعد من ذلك كله، أي السؤال الذي بات على كل شفة ولسان وهو هل صار العالم أكثر أمنا وأمانا بعد بدء الحرب الأميركية على الأرهاب أم أن هذه الحرب صبت في خدمة مشروع أسامة بن لادن الهادف إلى نشر حال من عدم الأستقرار في كل المنطقة وحتى داخل الولايات المتحدة وأوروبا؟
من الواضح أن الأدارة الأميركية أدارت الحرب على الأرهاب بطريقة أرتدت عليها وهي أفادت كل القوى الساعية إلى زعزعة الأستقرار في المنطقة بما يدعو إلى طرح تساؤلات جدية في شأن ما تحقق بعد ست سنوات من أحداث الحادي عشر من سبتمبر. بات في الأمكان الحديث الآن عن تغلغل لquot;القاعدةquot; في أماكن لم يكن هذا التنظيم الأرهابي موجودا فيها بقوة في الماضي كالعراق مثلاً. أكثر من ذلك، بات في أستطاعة الرئيس الأيراني محمود أحمدي نجاد الأعلان صراحة أن بلاده قادرة على ملئ quot;الفراغquot; الذي يمكن أن يترتب على الأنسحاب الأميركي من العراق. وهذا يعني بكل بساطة أن أيران على أستعداد لأرسال قوات إلى العراق لتحل مكان قوات الأحتلال الأميركية بعدما أكتفت، إلى الآن، بأرسال عناصر لدعم ميليشيات الأحزاب الشيعية الكبيرة. وتكمن المفارقة في أنه لم يصدر أي رد على عن أي مسؤول عراقي على كلام أحمدي نجاد كما لو أن يتعلق ببلد آخر تنوي أيران أرسال قوات أليه نتيجة الفشل الأميركي... وكأن العراق غير معني لا من قريب ولا من بعيد بكلام الرئيس الأيراني!
لا بد من النظر إلى المنطقة ككل للتأكد من مدى تراجع الوضع العربي عموما نتيجة الحرب الأميركية على الأرهاب، أقله إلى الآن. لقد تحول الأنتقام من أسامة بن لادن ومن لف لفه إلى أنتقام أميركي من العرب عموما وليس من التطرف والمتطرفين. الدليل على ذلك، أنه في ظل الحرب الأميركية على العراق، تصاعدت الأنقسامات المذهبية على نحو حاد لم تشهد المنطقة مثيلا له وذلك بعد تحول الأحتلال الأميركي للعراق إلى أنتصار أيراني راحت طهران تستخدمه في عملية مد نفوذها في المنطقة. أعتمدت أيران في ذلك على المذهبية حيث وجدتها صالحة لخدمة مآربها، كما الحال في العراق، وعلى النقمة لدى المسلمين عموما من السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة حيث أكثرية سنية ساحقة، كما الحال في فلسطين.
بعد ست سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هناك عملية نهش ذات طابع يومي للجسد العربي إلى حد أنه يمكن القول أن السياسة الأميركية المتبعة صبت على نحو مباشر في تمزيق المنطقة وتفتيتها. ومتى نظرنا من بعد إلى المشهد الشرق أوسطي، نرى بكل بساطة أن السحر ينقلب على الساحر مرة أخرى. حصل ذلك في العام 2001 عندما أنقلب أسامة بن لادن ونظام quot;طالبانquot; في أفغانستان على الذين صنعوهما، أي على الولايات المتحدة. صنعت الأستخبارات الأميركية بن لادن لمحاربة السوفيات في أفغانستان، ثم دعمت حكم quot;طالبانquot; الظالم والظلامي بحجة أن المهم أن تكون أفغانستان آمنة وممرا لأنابيب النفط في المنطقة. أرادت أميركا بكل بساطة تجاوز الأراضي الروسية في عملية تصدير النفط الذي مصدره حقول جمهوريات آسيا الوسطى... إلى أن أكتشفت حقيقة quot;طالبانquot; والدور الذي لعبته في أيواء أسامة بن لادن وتنظيمه!
يحصل الشيء ذاته الآن عندما لا يستفيد سوى المتطرفين من الحرب الأميركية على الأرهاب. لا أنتعاش سوى للتطرف والمتطرفين من كل المشارب والمنابت. صار الأستثمار في التطرف ذا مردود سياسي في كل زاوية من المنطقة العربية. والواضح أن العراق ليس المكان الوحيد الذي وجدت فيه quot;القاعدةquot; ملجأ آمنا بفضل ما أرتكبه الأميركيون من فظاعات في هذا البلد، بل أن الحرب التي تشنها الدولة العظمى على الأرهاب، شجعت أسرائيل على ممارسة سياسية أقل ما يمكن أن توصف به أنها ذروة الأرهاب. هل هناك أرهاب أسوأ من ذلك الذي تمارسه الدول، خصوصا تلك التي تسعى إلى مصادرة حقوق شعب آخر وتكريس الأحتلال لأرضه كما يحصل في فلسطين؟
كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 مناسبة كي يلتقط العرب أنفاسهم ويطرحوا على ذاتهم الأسئلة الحقيقية بما في ذلك أي برامج تربوية متبعة في المدارس التي يذهب أليها أولادهم؟ ولماذا كان هناك بين الأرهابيين التسعة عشر الذين نفذوا ما سمّاه أسامة بن لادن وأيمن الظواهري quot;غزوتي واشنطن ونيويوركquot; خمسة عشر سعوديا؟ لكن السياسة الأميركية لم تعط العرب الفرصة للتفكير في أوضاعهم. جاء أحتلال العراق ليخلط كل الأوراق في المنطقة. وجاء الأستغلال الأسرائيلي الذي لا حدود له للحرب على الأرهاب لزيادة نقمة كل من لديه أعتراض على السياسة الأميركية في المنطقة.
أدت الحرب الأميركية على الأرهاب إلى نتائج عكسية. تعمدت أدارة بوش الأبن من حيث تدري أو لا تدري تشجيع كل من له علاقة بالأرهاب من قريب أو بعيد. أستطاعت quot;طالبانquot; أعادة تنظيم صفوفها بعد تحول التركيز الأميركي من أفغانستان إلى العراق. ما هو أسوأ من ذلك أن quot;طالبانquot; أظهرت وتظهر كل يوم أنها موجودة في مناطق باكستانية معينة وأنها لن تدع باكستان برويز مشرف ترتاح. أما في العراق، فحدث ولا حرج. هناك حرب أهلية دائرة في البلد وهناك أنقسام مذهبي عميق ليس معروفا هل سيظل محصورا بالعراق، أم سيمتد إلى مناطق أخرى. أنقسام أمتد بالفعل إلى لبنان. وهناك وضع مأساوي في فلسطين ما دامت أسرائيل تصر، في غياب أي تدخل أميركي جدّي من أجل العودة إلى المفاوضات، على وضع كل العراقيل في أتجاه تسوية معقولة ومقبولة توفر حدا أدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
هل العالم أكثر أمانا بعد ست سنوات على بدء الحرب الأميركية على الأرهاب؟ الجواب أن هذه الحرب ضلت هدفها. ألأرهاب في أحسن أحواله من أفغانستان، إلى أيران، إلى العراق، إلى سوريا، إلى لبنان، إلى فلسطين حيث تعشعش quot;القاعدةquot; في قطاع غزة. كل ما يمكن قوله هو التساؤل هل الأدارة الأميركية الحالية مع الأرهاب أو ضده ما دامت خلقت كل الظروف التي تساعد في أنتشاره ونموه!