تمر هذه الأيام الذكرى السادسة للهجمات الإرهابية التي طالت أهدافا مدنية أمريكية في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، ولبشاعة تلك العمليات وما أحدثته من تغييرات في المشهد الدولي، من المهم الاستمرار في تذكرها لرصد المستجدات في السنوات الستة الماضية في الحياة العربية الإسلامية لمعرفة إن كانت تلك الحياة قد استفادت من دروس تلك الهجمات الإرهابية أم لا؟. والمقصود من هذه الاستفادة إن كانت البيئة العربية الإسلامية قد وعت نوعية تلك العمليات والظروف التي أنتجتها كي تحاربها، أم أن نفس الظروف ما زالت مستمرة وبالتالي فهذا النوع من الإرهاب ما زال يتصاعد في داخل الدول العربية والإسلامية التي ما زالت تغضّ الطرف عن الظروف التي تنتج هذا النوع من الإرهاب.
أكلت يوم أكل الثور الأبيض
إن تقاعس السلطات العربية والإسلامية عن محاربة الظروف التي تنتج هذا الإرهاب أوصله للساحات العربية والإسلامية ذاتها، ويكفي ذكر أمثلة صارخة في إرهابها الذي يفترض أن لا يختلف حولها إنسانان يؤمنان بحق البشر في العيش الحر الآمن، المثال الأول من باكستان الإسلامية متمثلا في أحداث المسجد الأحمر التي بدأت في مطلع يوليو 2007 واستمرت عدة أسابيع قبل أن تتمكن السلطات الحكومية الباكستانية عبر الجيش من اقتحام المسجد واعتقال من ظلّ حيا من الإسلاميين الذين تمركزوا وسط ألاف من النساء والأطفال كدروع بشرية للحيلولة دون سيطرة الجيش على ذلك المجمع الذي يضم مدرسة ومسجدا ومؤسسات أخرى. والسؤال المنطقي هو: هل يجيز الإسلام الذي يتحدث عنه وباسمه الذين تعسكروا في المسجد تجميع الأطفال والنساء واستعمالهم دروعا بشرية مهما كانت ظروف خلافاتهم مع الحكومة الباكستانية؟ وأي إسلام يبيح ذلك وفي الوقت نفسه يسمح أحد مسؤولي المسجد (عبد الرشيد غازي) لشقيقه (عبد العزيز) بالهروب وهو متخفيا بنقاب امرأة قبل أن تكتشفه السلطات الباكستانية وتعتقله؟. إن هذا الإرهاب الدموي في المسجد الأحمر لا يمكن فصله عن نوعية الرسالة التي تنشرها المدارس الدينية في باكستان التي هي فعلا أكثر من المدارس العادية والمستشفيات مجتمعة، تلك المدارس كانت قد قامت بالدور الأساسي في نشأة حركة طالبان وما أوصلت أفغانستان إليه من تخلف وظلامية، وتغاضت عنها المخابرات العسكرية الباكستانية لدورها في مقاومة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ثم انقلب السحر على الساحر لتشهد باكستان هذا الإرهاب الذي يكاد يصبح ظاهرة يومية في حياة المواطن هناك، والمثال الثاني هو إرهاب فتح الإسلام في مخيم نهر البارد الذي كتب عنه الكثير وما زال حيّا في الأذهان ولا داعي لإعادة التذكير به.
و غالبية الأقطار العربية لم تسلم من هذا الإرهاب كما يحدث من حين إلى آخر في المملكة العربية السعودية والمغرب والأردن ومصر وبشكل شبه مستمر في الجزائر حيث قتل هذا الإرهاب في السنوات الخمسة عشر الأخيرة ما لا يقل عن مئة وخمسين ألف جزائريا بشكل عشوائي، ودوما باسم الدين الإسلامي ومن عصابات تتخذ مسميات إسلامية غالبا مرتبطة بالجهاد الذي هو ميدانيا جهاد ضد مواطنيهم المدنيين العزل الأبرياء وفي ألاف الحالات يتم اغتصاب السيدات والفتيات بشكل جماعي من عصابات (المجاهدين)، وبنفس الوتيرة المتصاعدة في العراق في السنوات الأربع الماضية. ما هي الأسباب والظروف التي تؤدي لهذا الإرهاب قبل الحادي عشر من سبتمبر وخلاله وبعده ما زال مستمرا؟.
نسبة الأمية متزامنة مع أداء فقهاء الإرهاب
من يصدق ما تؤكده تقارير اليونسكو حول التنمية البشرية العربية التي يعدها سنويا خبراء وباحثون عرب من أن متوسط نسبة الأمية التعليمية في عموم الأقطار العربية هي النسبة الأعلى في العالم، فأكثر من سبعين مليونا من إجمالي العرب (316 مليونا) هم من الأميين أي الذين لا يجيدون القراءة والكتابة بشكل مطلق وهي نسبة تقارب 40 % من مجموع السكان، والخطورة الصارخة في هذه النسبة أنها تصل إلى حدود 28 % في الفئة العمرية 15 سنة فأكثر، مما يعني أن أكثر من ربع المجتمع المنتج أمي، في حين أن غالبية الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية قضت على الأمية منذ عشرات السنين، لأن المرحلة الأولى من التعليم التي هي عشرة سنوات كما في الدول الإسكيندينافية مرحلة إلزامية (إجبارية)، تعرف دوائر الدولة في بداية كل عام دراسي عدد وأسماء وعناوين الأطفال الذين أنهوا السادسة من أعمارهم، ويجب عليهم بحكم القانون الالتحاق بالصف الأول الابتدائي وكل من يتخلف يجد البوليس (نعم البوليس) في اليوم التالي على باب منزله يستدعي والده ووالدته للتحقيق لمعرفة أسباب عدم التحاق طفلهم بالمدرسة، والإجراءات والضوابط الرادعة في هذا المجال أشد منها فيما يتعلق بالتجنيد الإجباري (الخدمة العسكرية)، لذلك فتعريف الأميّ في هذه الدول منذ ما لا يقل عن خمسة وعشرين عاما هو من لا يستخدم الكومبيوتر، وبالتالي فحسب هذا التعريف لدينا في العالم العربي نوعان من الأمية، الأمية التعليمية التي تزيد على أربعين %، وأمية استعمال الكومبيوتر إذ أن هذا الجهاز وامتلاكه ومعرفة استعماله بين نسبة المتعلمين متدنية جدا، فحسب الوثائق التي قدمت في (مؤتمر تطوير تكنولوجيا الاتصال والمعلومات) الذي عقد في تونس في الإسبوع الثاني من مارس عام 2006، فإن نسبة مستخدمي الانترنت أقل من 4 % من مجموع سكان الوطن العربي. وتبدو نتائج هذه الأرقام المخزية في أن نسبة القراءة في الوطن العربي 6 دقائق لكل فرد في السنة، بينما هي 112 ألف دقيقة في السنة للمواطن الأوربي والأمريكي، ويصدر العالم العربي كله حوالي 1650 كتابا في السنة بينما الرقم هو 85 ألف كتاب في السنة في الدول الغربية، ومن المعروف أن أشهر الكتاب والمثقفين والشعراء العرب لا يطبع الناشر أكثر من أربعة ألاف نسخة من كتاب أي منهم، وتظل هذه الكمية عدة سنوات في مكتبات البيع دون أن تنفذ، بدليل أن أي متتبع لهذه المعلومة يجد في أية مكتبة في كل العواصم العربية كتبا من منشورات أعوام الستينات، أي أن أربعة ألاف نسخة من هذا الكتاب لم تنفذ طوال ما يزيد عن أربعين عاما.
هذه الملايين من ذوي الأمية التعليمية الذين لا يجيدون القراءة والكتابة يقضون غالبية أوقاتهم في المساجد وأمام أجهزة التلفزيون لا يسمعون أو يشاهدون إلا هذا السيل الكاسح من الفضائيات الدينية التي يديرها ويتحدث في كل أوقاتها دعاة وشيوخ جهلة بمعنى الكلمة أغلبهم ممن لا مؤهلات لديهم سوى (الدشداشة القصيرة واللحية الطويلة)، بدليل أنهم يخرجون من جيوبهم الخطبة المنقولة حرفيا من كتب خاصة كتبت قبل مئات السنين فيها خطبة كل جمعة من الشهر، أي أنها لا تراعي ظروف العصر وتطوراته، وغالبيتهم يحثّ على العنف ضد الآخر بدليل الاكتشاف شبه اليومي لخلايا وعصابات تخطط لعمليات إرهابية في العديد من الدول الأمريكية والأوربية وآخرها في ألمانيا والدانمرك وبريطانيا، والمثير أن أغلبهم مواطنين عربا مسلمين استضافتهم هذه الدول ووفرت لهم الأمن والأمان والعيش الكريم بعد الذل والمهانة والفقر في بلادهم العربية والإسلامية.
جديد هذا الإرهاب ومعلمه ابن لادن
في السنوات الخمسة الماضية أدخل الإرهابيون القتلة العالم في مرحلة ترقب وخوف لا مثيل لها، خاصة التهديد باستعمال السلاح الكيماوي الذي استعملوه في العراق من خلال تفجير شاحنات محملة بمادة الكلور وغيرها من المواد الكيماوية والنفطية التي أصبحت موضة الإرهاب في العراق، وهذا دليل على أن هؤلاء الإرهابيين لن يتوانوا عن استعمال أية أسلحة تصل لأيديهم بما فيها الأسلحة النووية التي أكدت مراكز الدراسات العديدة سعي ابن لادن في سنوات مضت لشراء بعض المواد النووية من دول الاتحاد السوفييتي السابق، لغرض امتلاك سلاح نووي أو لصنع قنبلة تنشر موادا مشعة، وقد تتبع كل هذه المحاولات الكاتب المعروف (بول ويليامز) في كتابه المشهور (ارتباط القاعدة: الإرهاب الدولي، الجريمة المنظمة، الكارثة القادمة) ومن ضمنها محاولاته عندما كان مقيما في الخرطوم العاصمة السودانية حيث ترددت أنباء عن اكتشاف مختبر نووي اشرف عليه عالم فيزياء لصالح تنظيم القاعدة.
وجديد ابن لادن في الذكرى السادسة لإرهاب الحادي عشر من سبتمبر، جاء في الشريط الذي بثته وسائل الإعلام العربية والغربية له في هذه الذكرى، وهو شريط كارثة بمعنى الكلمة فإذا كان زعيمهم على هذا القدر من التخلف والجاهلية فهذا يفسر هذا الانقياد الأعمى لنسبة من الشباب المضللين له ولجهلة أمثال الظواهري وسابقا المقبورين الزرقاوي و العبسي وغيرهم،فمعلمهم ابن لادن يقول مخاطبا الشعب الأمريكي في شريطه الأخير حرفيا: (هناك طريقان لإنهاء الحرب في العراق، الأول من جانبنا وهو تصعيد القتل والقتال، أما الثاني فهو أن ترفضوا النظام الديمقراطي الأمريكي وتقبلوا الإسلام). وهذا يعني أن هذا الإرهابي لا يسعى لطرد الأمريكان من العراق، فالعراق مجرد الساحة التي يحاول من خلالها فرض الإسلام بالقتل والقتال على الشعب الأمريكي، و هل هو يريد الشعب الأمريكي فقط أم العالم كله بملياراته الستة من غير المسلمين أن يدخلوا الإسلام و إلا تعرضوا للموت والسيارات والأجساد المفخخة؟.
هذا الشريط ينبغي أن لا يحظى باهتمام الأمريكان والغربيين وحدهم، بل العقلاء من العرب والمسلمين خاصة رجال الدين المتنورين كي يقولوا للعالم أين دعوة ابن لادن هذه من قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين) و (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وبالتالي فليعرف العالم بملياراته الستة من غير المسلمين ماذا نريد منهم: التعايش أم الصراع؟. ومن المهم أن نلاحظ أنه في الذكرى السادسة لإرهاب الحادي عشر من سبتمبر، يزداد الغرب تحصينا ضد الإرهاب، بينما هذا الإرهاب يزداد تصاعدا وعنفا في العالمين العربي والإسلامي كما حدث في باكستان في الجامع الأحمر وفي لبنان من فتح الإسلام ، وفي الجزائر في آخر عمليتين أعلن (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) مسؤوليته عنها الإسبوع الماضي سقط 88 قتيلا و 167 جريحا ، أما في العراق فمن الصعب إحصاء القتلى والجرحى الذين يسقطون يوميا، وبالتالي فإن مكافحة هذا الإرهاب كي تؤتي ثمارها من المهم:
أولا: لجم دعاة وفقهاء الإرهاب الذين يختارون ما يريدون من القرآن الكريم والسنّة النبوية ليغسلوا به أدمغة الشباب العاطل عن العمل الجاهل بأمور دينه ودنياه، كي ينفذوا من خلالهم هذا الإرهاب الأعمى، وقد عبّر عن هذا التأثير في وسط الأمية السائدة ذلك السائق العربي الذي صحا من التنويم والتخدير العقلي قبل لحظات من تفجير نفسه وسط جموع عراقية في سوق شعبي، إذ قال في لقاء تلفزيوني معه: (لو سمع جورج بوش ما سمعته في دروس دينية لمدة شهرين لقام بتفجير نفسه وسط هذه الجموع الشعبية البريئة).
ثانيا: توقف الفضائيات العربية عن بث أشرطة الفيديو الخاصة بأولئك الإرهابيين القتلة، لأن ذلك من شأنه أن يعرفوا قيمة أنفسهم التي لا قيمة لها، لكن هذه الأشرطة تجعلهم يعيشون نرجسية رهيبة تدفعهم لمزيد من الإرهاب كي يبقوا في الصورة الإعلامية، وعلى سبيل المثال ما هي القيمة الفكرية أو العلمية لمريض نفسي اسمه (أيمن الظواهري) سوى هذه الأشرطة التافهة التي يجعل من نفسه فيها مرشدا عاما وناصحا لمليار وربع من العرب والمسلمين، حيث لم يترك شأنا سياسيا أو اجتماعيا أو انتخابيا إلا و أفتى فيه، وأنا على يقين لو توقفت الفضائيات العربية عن بثّ هذه الأشرطة لتوقف أولئك الإرهابيين عن إنتاجها والسعي لإرهاب يبرر وجودهم.
ثالثا: خروج الأنظمة العربية والإسلامية من دائرة القمع والاستبداد والفساد إلى الديمقراطية الحقيقية و الإصلاح الشامل الذي يحقق المساواة والعيش الكريم، لأن القمع والفساد من العوامل التي تشجع جيل الشباب على الركض وراء هؤلاء الإرهابيين، لأن حياتهم في ظلّ هكذا أنظمة لا تختلف عن الموت، فليموتوا وصولا للجنة والحور العين وأنهار الخمر والعسل كما يعدهم فقهاء الإرهاب ودعاته.
الذكر ى السادسة لإرهاب الحادي عشر من سبتمبر تتزامن مع تصاعد الإرهاب في الأقطار العربية والإسلامية، مما يعني أن معركة مكافحة الإرهاب عربية إسلامية قبل أن تكون أمريكية أوربية فهل نعي ذلك قبل فوات الأوان؟.
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه
التعليقات