امتدت معركة الجيش اللبناني للقضاء على مجرمي وإرهابيي العصابة التي تسمت ب ( فتح الإسلام ) قرابة ثلاثة شهور، قدّم فيها الجيش اللبناني 158 شهيدا بين جندي وضابط، وهذه الخسائر الجسيمة لن تضيع سدى فهي تؤشر على العديد من الدروس التي لها علاقة مباشرة بمستقبل لبنان الشعب والدولة ومن أهمها:

أولا: خلفية فتح الإسلام واحتمال تكرارها

الملاحظة المهمة هي حجم ونوعية كميات السلاح التي كانت متوفرة لهذه العصابة الإجرامية، حيث مكنتهم من مواجهة وحدات الجيش اللبناني قرابة ثلاثة شهور، وكذلك نوع التحصينات التي كانوا قد أقاموها في المخيم وسط المدنيين، كل هذا يدلل على أن هناك جهات خارجية وراء هذه العصابة مكنتهم من هذا الصمود، وبعيدا عن الاتهامات الجزافية نستعرض المعلومات الميدانية المتوفرة التي تقول أن المجرم المقبور ( شاكر العبسي ) كان في السجون السورية منذ نوفمبر عام 2002 حتى نهاية عام 2005 بتهمة الانتماء لجماعة إسلامية محظورة، وكان قد هرب لسورية من الأردن بعد مشاركته في عملية اغتيال الدبلوماسي الأمريكي ( لورانس فولي ) في الثامن والعشرين من أكتوبر عام 2002، وأثناء وجوده في السجون السورية طالبت السلطات الأردنية بتسليمه لها لكن السلطات السورية رفضت ذلك، ثم أفرجت عنه متوجها إلى لبنان حيث تولى قيادة مركز لحركة فتح الانتفاضة المنشقة بقيادة العميلين السوريين أبو خالد العملة وأبو موسى، ثم أرسل إلى مخيم نهر البارد شمال لبنان ليبدأ في تجميع وتنظيم اللصوص والمجرمين أمثاله من فلسطينيين وعرب من عدة جنسيات وتزويدهم بالسلاح، والمعلومة المهم التركيز عليها أنه أفرج عنه وأرسل إلى لبنان في حزيران من عام 2005 أي قرابة شهرين بعد خروج الجيش السوري من لبنان إثر انتفاضة الرابع عشر من آذار في العام ذاته. لماذا ترفض السلطات السورية تسليمه للسلطات الأردنية ثم تفرج عنه وترسله إلى لبنان، وبالتالي يمكن الإجابة على سؤال: من أين له ولعصابته كل هذا السلاح والتحصينات التي مكنتهم من الصمود قرابة ثلاثة شهور، وهل عملهم الإجرامي هذا له علاقة بتحرير فلسطين أم خدمة لأجندات إقليمية ومصالح شخصية فقدوها بخروجهم من لبنان الذي استعملوه مزرعة خلفية لهم طيلة ما يزيد على ثلاثين عاما.

وبالتالي فطالما هناك نية للسلطات السورية في التدخل في الشأن اللبناني فلن يعدموا عملاء فلسطينيين تحديدا لإرسالهم للقيام بهذه الأدوار المشبوهة، ومن سوء حظ الشعب الفلسطيني أن هؤلاء العملاء رهن إشارة المخابرات السورية وتحيديدا من جماعتي أبو خالد العملة و أحمد جبريل، لأنه لا يستطيع عاقل أو مجنون أن يقول أن أعمال هذه العصابات لها علاقة بدحر الاحتلال وتحرير فلسطين خاصة أنهم بدءوا أعمالهم الإجرامية بسرقة بنوك لبنانية ومهاجمة ثكنات للجيش اللبناني، قبل أن يتحصنوا في مخابئهم وسط المدنيين في المخيم مبتدئين تلك المواجهة العبثية ( لا أقصد البعثية )، دون أن يصدروا أي بيان سياسي يوضح غرضهم من هذه المواجهة لأنهم في الأساس لا خلفية سياسية لهم، لأن أية سياسة التي تتحصن في المخيم وسط المدنيين مفتعلة مواجهة مع الجيش اللبناني، فكيف يمكن تقديم هذا الإجرام سياسيا أو الدفاع عنه ؟

ثانيا: الأداء الفلسطيني واللبناني أثناء المواجهة

في بداية تحرك الجيش اللبناني لمواجهة تلك العصابة، كان أول موقف هو الصادر عن حسن نصر الله زعيم النصر الإلهي لحزب الله، حيث حذّر الجيش اللبناني من محاولة اقتحام ودخول مخيم نهر البارد والكل يتذكر قوله ( إن دخول المخيم خط أحمر )، أما في حرب حركة أمل وحصارها لمخيمات بيروت طوال ثلاثة سنوات وقتلها لما يزيد على ثلاثة ألآف فلسطيني لم تكن المخيمات عند حسن نصر الله خطا أحمر، وكان هذا على عكس موقف حليفه الجنرال النائب ميشيل عون فيما يخص عصابة فتح الإسلام ( الذي حضّ الجيش على استئصال الإرهابيين في المخيم ). ومن الملاحظ أن موقف حسن نصر الله ما هو إلا صدى للموقف السوري الذي عبر عنه فاروق الشرع نائب الرئيس السوري الذي اعتبر ( فراغ السلطة في لبنان وراء ظهور فتح الإسلام )، وهو موقف لا يخدم الهدف اللبناني بل الهدف السوري فهو كأنه يريد القول: ( إن خروج الجيش السوري من لبنان أدى إلى فراغ في السلطة فظهرت فتح الإسلام والحل هو عودة الجيش السوري ليملأ الفراغ ويقضي على فتح الإسلام ) متناسيا الحقائق السابقة حول طبيعة وظروف ظهور هذه العصابة وتصدير مجرمها الأول المقبور شاكر العبسي من السجون السورية للأراضي اللبنانية. الموقف الواضح والجريء كان للحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة الذي أعطى الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال سليمان كل الصلاحيات للقضاء على هذه العصابة، فكانت المواجهات الطويلة التي أدت إلى القضاء عليها ومقتل غالبية لصوصها بما فيهم المجرم شاكر العبسي، وفي هذا الموقف للحكومة اللبنانية المدعوم أيضا من الرئيس إميل لحود رغم خلافاته مع حكومة الأغلبية، رسالة مستقبلية واضحة مفادها أن لبنان لن يكون بعد اليوم ( الحيط الواطي ) الذي يتلاعب فيه أدعياء الوطنية من الفلسطينيين تحديدا الذين يقبلون دوما أن يكونوا في لبنان أدوات للتخريب والإجرام لحساب مصالحهم الذاتية أو قوى إقليمية متخذين فلسطين شعارا و غطاءا ما عاد ينطلي على أحد، لذلك كانت مهمة رسالة الرئيس اللبناني إميل لحود لقائد الجيش التي هنأه فيها على ( الإنجاز الوطني الكير الذي حققه الجيش بالسيطرة على مخيم نهر البارد وإنهاء ظاهرة فتح الإسلام الإرهابية ).

المواقف الفلسطينية كانت متضاربة حسب ارتباطات كل تنظيم، فحركة فتح العرفاتية كانت واضحة في موقفها الداعي لإنهاء هذه الظاهرة المجرمة، وطرحت إمكانية تشكيل قوة مسلحة فلسطينية تتولي القضاء على العصابة وإخراجهم من المخيم، إلا أن موقف عملاء المخابرات السورية جماعة أحمد جبريل كانوا الرافضين لذلك بقوة، وطالما دافع ناطقهم أنور رجا عن هذه العصابة مطالبا بحل سلمي للمشكلة متناسيا عن عمد الإخلال بالسيادة اللبنانية ولماذا لا يجرؤ هو وأمثاله على فعل هذه الجرائم داخل سورية.

ثالثا : السلاح والمخيمات الفلسطينية

وهذا يقودنا لسلاح وقواعد جماعة أحمد جبريل في بعلبك والبقاع اللبناني فهو سلاح لا يختلف عن سلاح عصابة فتح الإسلام، فبأي حق وأي منطق يجوز للاجىء الفلسطيني في لبنان أن يقيم قواعد عسكرية ويحمل السلاح؟ ولماذا هذا الحق في لبنان فقط ؟ لماذا هو ممنوع في سورية والأردن ومصر وهي دول حدودية مع إسرائيل و قدراتها على المواجهة أكبر من لبنان ؟. لذلك فلا بد من القضاء على قواعد وعناصر جماعة أحمد جبريل في لبنان، فسلاحهم وقواعدهم لم تطلق رصاصة على الاحتلال الإسرائيلي، وهم مجرد أدوات عميلة لخدمة النظام السوري في لبنان، و إلا فليقدموا للشعب الفلسطيني تفاصيل بطولاتهم مع الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من هذه القواعد، منذ عام 1982 وحتى اليوم، فهي مجرد مؤشرات سورية تستعملها المخابرات السورية للضغط والتخويف. ليس من حق أي فلسطيني شخصا أو تنظيما أن يحمل السلاح في لبنان، ولم يعد مقبولا استمرار المخيمات الفلسطينية في لبنان فقط عبارة عن جزر معزولة تعج بالسلاح والعصابات والجرائم، خارجة عن سيطرة وسيادة الدولة اللبنانية بما فيها مخيمات الجنوب طالما لم تعد هناك مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي. وفي مقابل ذلك لا بد أن تبذل الحكومة اللبنانية كل ما تستطيع لضمان أمن المخيمات وسيادة القانون فيها على الجميع، وكذلك تحسين الخدمات في داخلها، ورفع الضيم عن اللاجىء الفلسطيني من تبعات القوانين اللبنانية الجائرة منذ عام 1950 التي تحرم الفلسطيني من العمل فيما لا يقل عن ستين وظيفة، لأن رفض التوطين المجمع عليه فلسطينيا ولبنانيا لا يستدعي إذلال سكان المخيمات ومنع كافة الخدمات الإنسانية عنها. بصراحة نقولها إن أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان لا يمكن أن يقبلها حسّ و ضمير إنساني، لأن تحسين الخدمات والتعامل بكرامة مع اللاجىء الفلسطيني لا يخدم التوطين مطلقا، فالغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين تحنّ للعودة لقراهم ومدنهم، ولكن أين نحن اليوم والعودة ضمن الوضع الفلسطيني والعربي المزري، والإسرائيلي الرافض مطلقا لهذه الفكرة. لم يعد استعمال ورقة فلسطين وقضيتها ينطلي على أحد كغطاء للجرائم والعصابات، وعلى الفلسطيني أن يتخلص من هذه النفسية التي تجعله يعتقد أنه مسموح له ما هو غير مسموح لغيره، وأنه فوق القانون طالما هو يستعمل اسم فلسطين كقضية لم تعد مقدّسة كما يعتقد البعض فهي قضية مسخها أهلها قبل العرب.

إن نجاح الجيش اللبناني في القضاء على هذه العصابة انتصار للبنان وللفلسطينيين كي لا يظلوا رهائن لعصابات تستعمل اسم فلسطين، لذلك لا مناص من توجيه التحية للجيش اللبناني على هذا الإنجاز الذي توحد خلفه اللبنانيون رغم خلافهم على العديد من الأمور، وهو درس لكل مجرم وعميل فلسطيني أنه لن يكون هناك تهاون مع أية عصابة من هذا النوع تظهر من جديد، فكفى متاجرة بقضية فلسطين وخطفا للإسلام، والنتيجة هي الكراهية للفلسطيني أينما حلّ من هكذا أعمل مجرمين يريدون الضحك على عقول المغفلين وكأن تحرير فلسطين يمر من مخيم نهر البارد شمال لبنان، وعلى هذا الطريق لا بد من قصف القرى اللبنانية المجاورة بالصواريخ والمدافع.
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية