الأداء السياسي والحزبي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن من خلال ذراعها السياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي)، يذكّر بالمثل (بلغ السيل الزبى)، لأن تجربة هذا الحزب في السنوات الخمسة عشرة الماضية التي شهدت الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين وسمح لهم رسميا بتأسيس حزبهم هذا، هي تجربة لا يمكن أن تصنّف لدى أي باحث موضوعي أنها كانت لخدمة المواطن الأردني والوطن الأردني، بقدر ما كانت تابعة وخادمة مخلصة لأجندة لا علاقة لها بها بهموم المواطن الأردني والبحث عن حلول لمشاكله في ظلّ تعقد الظروف الجغرافية والسياسية التي واكبت الأردن طوال نصف القرن الماضي، لذلك كان أداء حزبهم هذا يعتمد على (التصيد) و (المناكفة). التصيد بمعنى السهر الطويل للإمساك بلقطة أو حدث سياسي داخلي أو له علاقة بالداخل الأردني، لينفخوا فيه خدمة لأجندة خاصة بهم والبقاء في الصورة الفضائية الإعلامية، و المناكفة بمعنى السير عكس التوجه الحكومي الأردني مهما كان، رغم أنه من المهم الإقرار أن نقد أخطاء الحكومة أمر ضروري وحق مشروع لكل حزب مرخص، ولكن الطريقة التي يعتمدها حزب هذه الجماعة ينطبق عليه المثل الشعبي (عنزة ولو طارت). وينسى الحزب وجماعته أنهم كانوا مرخصين كجمعية خيرية منذ تأسيس المملكة وظلوا في حماية العرش الهاشمي، في الوقت الذي كانت دول مجاورة تنفذ الإعدام العلني بقيادات إخوانية، وقوانين بعض هذه الدول تعتبر مجرد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين جريمة يستحق صاحبها الإعدام، والعديد من قيادات هذه الجماعة في دول مجاورة يعيشون لاجئين أو هاربين في الخارج منذ ما يزيد على أربعين عاما، بينما لا يوجد أي قيادي إخواني أردني أو عضو عادي هارب من وطنه أو يعيش في الخارج خوفا من الملاحقة والسجن.
والغريب أن أداء جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين في مفاصل عديدة كان إجراميا بالمعنى الحقيقي للكلمة، فكيف يعتبرون أنفسهم ينطلقون من الشريعة الإسلامية ومن هموم الجماهير، وأربعة من نوابهم يذهبون للعزاء في المجرم القاتل المدعو الزرقاوي (حزيران 2006) وهو قاتل ما لا يقل عن ستين مواطنا أردنيا في تفجيرات الفنادق الأردنية (نوفمبر 2005)، وكيف سنعتبرهم إسلاميين وهم الذين ما زالوا يصفقون للطاغية صدام (الشهيد في عرفهم) متحدين مشاعر الغالبية العظمى من الشعب العراقي وكل الشعب الكويتي، وهم يعرفون أن كافة الأحزاب الإسلامية في العراق والكويت (إسلامية مثلهم) يلعنون ذلك الطاغية الذي قتل مئات ألالاف من شعبهم واحتل دولة الكويت العربية، وعند خروجه منها صاغرا ذليلا أحرق أبار نفطها ودمّر ونهب مؤسساتها، فمن أي إسلام ينطلق إخوان الأردن؟ وهل له علاقة بالإسلام الذي ينطلق منه إخوان الكويت وأحزاب العراق الإسلامية. وضمن سياسة التصيد للبقاء في الصورة الإعلامية كانت محاولتهم في نهاية حزيران الماضي عقد اجتماع للأحزاب الأردنية للتوقيع على بيان لتأييد انقلاب حماس العسكري في قطاع غزة، إلا أن وعي كافة أحزاب المعارضة الأردنية لتلك اللعبة جعلهم يرفضون مجرد المشاركة في الاجتماع، وأدانه آنذاك الدكتور منير حمارنة علنا باسم أحزاب المعارضة الأردنية. فهل هناك مصلحة للمواطن الأردني في الوقوف مع تنظيم فلسطيني ضد تنظيم آخر؟ وهل الحكومة الأردنية كحكومة ودولة تستطيع أن تقف في غير صف الشرعية الفلسطينية الممثلة في السلطة الوطنية الفلسطينية وهذا هو موقف كل الدول العربية الرسمي.
آخر ألعاب السيرك الإخواني الأردني
وضمن نفس السلوك التلفزيوني، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية الأيام القليلة الماضية انسحابها من الانتخابات البلدية الأردنية بعد أربع ساعات من بدء توجه المواطنين لصناديق الانتخابات بحجة نية الحكومة على تزويرها، وهل هناك مسخرة أكثر من هذا الأداء السيركي البهلواني لهذه الجماعة، فهناك فعلا العديد من حكومات العالم الثالث تسعى لتزوير الانتخابات، ولكن هل يستطيع أي حزب أن يكتشف التزوير قبل مشاركته في الانتخابات وإمساكه ميدانيا وعيانا بأمور التزوير ونوعها والصناديق والبلديات التي حصل فيها هذا التزوير؟. هذا هو العرف الانتخابي السائد في كافة دول العالم، إلا أن عبقرية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وكونهم متخصصين في قراءة القلوب والعقول والفنجان فقد اكتشفوا التزوير منذ فتح صناديق الاقتراع، ولو كانوا فعلا حريصين على تجذير التجربة الديمقراطية في الأردن لاستمروا في الانتخابات ورصدوا أوجه المخالفات، وتقدموا بعد ذلك عبر الأطر القانونية الدستورية لإلغائها أو لإعادتها في الدوائر التي أثبتوا أن هناك تزويرا أو تجاوزات حصلت فيها، والدليل على سلوكهم البهلواني التلفزيوني هذا أنهم شاركوا قبل ذلك في انتخابات برلمانية سمحت لهم لإيصال ثمانية عشر نائبا لمجلس النواب الأردني، فلماذا لم تزور الحكومة الأردنية آنذاك الانتخابات والكل يعرف أن الانتخابات البرلمانية أهم للحكومات من الانتخابات البلدية. لذلك لا يمكن القول ببراءة جماعة الإخوان المسلمين الأردنية في مواقفها المتناقضة هذه، خاصة أنها تحاول طرح نفسها بأنها الحارس الشرعي الوحيد على قيم الإسلام في الأردن، بينما هي في كافة مواقفها السياسية مجرد صدى لموسيقى خارجية ومجاورة، تريد ربط الساحة الأردنية بعازفي تلك الموسيقى غير الوطنية، بدليل خطابهم المتشنج بعد انسحابهم من الانتخابات الذي بدأ بالإساءة للقوات المسلحة الأردنية والتهديد باللجوء للمحاكم الدولية، وهنا من حق المواطن والمراقب الأردني أن يتساءل عن مدى شعبية وجماهيرية هذه الجماعة التي تؤكد التطورات أنها جماعة وحزب مرتهنان لأفراد من قيادة مرتهنين بدورهم لأجندات خارجية دون العودة لقواعدهم الشعبية، وهذا نتيجة فوقية لمجرد ادعائهم بإسلامية حزبهم، فهذه المسحة الإسلامية المصطنعة يعتقدون أنها تضعهم فوق المساءلة والنقد، فمن يستطيع نقد ومساءلة وكلاء الله في أرضه، ومجرد مثال هل سألت الجماعة وحزبها قواعدها الشعبية عندما ذهبت للعزاء في مقتل المجرم الزرقاوي ومنحة صفة الشهيد ومفتاحا من مفاتيح الجنة وشفاعته لأكثر من سبعين من مريديه؟ وهل سألوا قواعدهم الجماهيرية طوال سنوات رفعهم صور القاتل صدام وولديه المجرمين عدي وقصي على بناء مجمع النقابات المهنية في عمان وإربد وفتح أبواب العزاء فيهم لشهور؟
رد فعل الحكومة الأردنية
ومن متابعتي للحدث الأردني فإن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها الرد الرسمي الأردني في مستوى التحديات المدمرة التي تطرحها هذه الجماعة، فلم يكن الدكتور معروف البخيت رئيس الوزراء الأردني مبالغا في قوله عن انسحابهم من الانتخابات البلدية (يؤشر على ذهنية انتهازية لا وطنية ومعادية لروح ومنطق التقاليد الديمقراطية) و (إن الجماعة الإسلامية أمست مختطفة بالفعل وقد طرأت عليها بعض القيادات المراهقة التي لا تنتمي لخطاب الإخوان التقليدي، ولا تعرف عن أصول وأخلاقيات الممارسة السياسية شيئا، وهذه القيادات تجرّ جماعة الإخوان بأسرها إلى مواقع خطيرة، ومن واجب العقلاء في الحركة الإسلامية أن يتحركوا ويتداركوا إرث الجماعة وصورتها قبل أن يقع المحظور). وهذا ليس رأي الحكومة الأردنية فقط، ولكن هناك إشارات في هذا الاتجاه من غالبية أحزاب المعارضة الأردنية التي رفضت حضور اجتماع دعت له الجماعة لبحث الوضع في غزة كما أشرت سابقا، لأن المنطق يقول: أنتم كحزب سياسي أردني ما دخلكم في أحداث وتطورات سياسية في بلد مجاور؟ فهل يتدخل حزب العمال البريطاني في أي حدث أو تطور في هولندا مثلا؟. وهي نفس الضجة التي افتعلتها الجماعة عام 1999 عندما أبلغت الحكومة الأردنية قيادة حماس المقيمة في الأردن آنذاك، أن الدستور الأردني لا يسمح لهم بأن يكونوا مواطنين أردنيين وأعضاء في الوقت نفسه في حزب أو حركة غير أردنية، وخيّرتهم بين الجنسية ألأردنية أو عضوية حماس، وهذه هو منطق كافة الأعراف الديمقراطية، فلا يجوز للمواطن السويدي أن يكون عضوا في حزب نرويجي، وهل يستطيع أي مواطن سوري أن يكون عضوا في قيادة حركة حماس، وهنا التناقض في إسلام جماعة الإخوان المسلمين وحماس ذاتها، فهم يشيدون بدعم النظام السوري لحركة حماس الإسلامية، وفي الوقت ذاته يسكتون سكوت الجبناء والانتهازيين على القانون السوري الذي يجيز إعدام كل سوري ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ولا يجرؤون على قول كلمة واحدة بحق قيادات الإخوان المسلمين السوريين الذين يعيشون في المنفى منذ أربعين عاما، فهل إسلامهم في الأردن يختلف عن إسلام الجماعة في سورية، أما أنها انتهازيتهم التي يستعملون الإسلام غطاءا لها فقط للبقاء في الصورة التلفزيونية وهموم المواطن الأردني والتحديات التي تعصف بالأردن آخر ما يفكرون فيه.
وهذا رأي إسلاميين في سلوكهم
وهذا ليس رأينا فقط في سلوك هذه الجماعة الأردنية، ولكن هناك قيادات إسلامية معروفة خبرتهم من الداخل لسنوات كقياديين في صفوفهم وغادروا مواقعهم فيها بعد أن اكتشفوا هذا السلوك الانتهازي والارتهان للخارج، ومنهم الشيخ المعروف عبد الرحيم العكورالذي ترك موقعه القيادي في حزب الجماعة منذ ما يزيد على خمسة عشرعاما، ويقول عن سلوكهم ومواقفهم الحالية: (إن الاتهام - ويقصد الاتهام المسبق بتزوير الانتخابات البلدية - بلا دلائل أمر باطل...وإن الاستقواء على الوطن والتلويح باللجوء للقضاء الدولي أمر يؤذي سمعة ومكانة البلد كما هو مؤذ للحركة الإسلامية باعتبارها سابقة لم تحدث من قبل)، وعن اتهاماتهم المسبقة بالتزوير قبل مشاركتهم في الانتخابات قال: (أين كان التزوير بالضبط؟ فلم أشاهد أنا شخصيا باصات الجيش كما يقولون، وكل ما رأيناه كثافة و إقبالا شديدين للمواطنين على صناديق الاقتراع، وعملية الفرز وتفريغ الصناديق حصلت أمام المندوبين في المراكز، وبالتالي على كل من يتحدث عن مؤامرة وبرامج خارجية أن يثبت ما يقوله، ولا أدري لمصلحة من يتحدثون عن وجود مخططات خارجية وتعليمات أجنبية بإقصاء الإسلاميين)، وتابع الشيخ عبد الرحيم العكور تشخيص موقف الجماعة وحزبها قائلا: (إن أمر مشاركة حزب جبهة العمل الإسلامي كان بيدها من البداية، وهي التي قررت المشاركة وفقا للنظام والقانون المعمول بهما في هذا الإطار، ولكن يبدوا أنهم شعروا أن الأمور لا تسير كما هو مخطط له وكما يأملون من الشارع، فقد آثروا الانسحاب وتسجيل موقف ضد الحكومة، لكن الأمر ببساطة أن تقرر الجبهة ما إذا كانت موافقة على الانخراط بالحياة السياسية ووفقا لما هو معمول به من أنظمة وتشريعات وقوانين، أم أنها تريد المزايدة وتنفيذ برامج سياسية عدمية مخطط لها مسبقا، فالموضوع تحديد موقف من العملية الديمقراطية بشروطها وحيثياتها الموجودة قبل كل شيء). ونفس الموقف المدين لسلوك جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين وحزبهم جبهة العمل الإسلامي عبر عنه بتنويعات وحيثيات مختلفة كل من رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي ورئيس الوزراء السابق الدكتور فايز الطروانة والنائب المهندس سعد هايل السرور، والعديد من الفعاليات النقابية والشعبية، فهل كل هؤلاء على خطأ وفقط من هما على صواب الناطقان باسم الذات الإلهية وروح الإسلام (زكي بني إرشيد) و (سالم الفلاحات) الفضائيان في قيادة الجماعة والحزب؟.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية
التعليقات