صعّدتْ الحكومةَ المصرية مؤخرا حملتِها فيما لقمع حريةِ التعبير عن الرأي عندما انتشرت وجهات نظر من قبل الأفراد والمجموعات بحيث انحرفت عن اتجاه الحزب(الوطني). العديد والعديد من الاعتقالات التي تتم يوميا للأشخاص الذين يختلفون مع السياسات الحكومية، أو يستفسروا عن سلطات وشرعية الحزب الحاكم أو يعلنوا أفكار بالخلاف مع النموذج الإسلامي المقرر من قبل الحكومة. في الخريف الماضي، تم تجريد أبن أخو أنور السادات من حصانته البرلمانية وسجن لمجرد تصريحه بأن الجيش قد يكون له دور في مقتل عمه. ومنذ وقت قريب، تم مضايقة الحضور في مؤتمر عن الديمقراطية بواسطة الإعلام الخاضع لسيطرة الحكومة، وأعلن تقرير صادر عن النيويورك تايمز بأنه تم اعتقال رجلين كانوا يروجون للحكومة العلمانية وتوحيد الكنائس ونموذج للإسلام يعتمد فقط على تعاليم القرآن الكريم.
القمع والسجن دائما ما كانا الحل الذي ينتهجه النظام ضد المواطنين والجماعات المعارضة. والقليل من المواطنين المصريين يعلمون ذلك أفضل من الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز أبن خالدون للدراسات المطورة. وفي أعقاب هذه التوقيفات الأخيرة، تحدث الدكتور سعد الين إبراهيم صراحة في حق أحد المعتقلين وهو السيد عمرو ثروت، أحد موظفي مركز أبن خلدون، وكذلك في حق كل المصريين أصحاب الفكر الحر. وقد شجب سعد الين إبراهيم الإجراءات الحكومية وصرح بأن النظام أنشأ حملة تهدف إلى خلق نموذج سكاني يتوافق مع نماذجه وسياساته. وقد حضر أيضا مؤتمر الدوحة واجتمع مؤخرا بالرئيس بوش في براغ.
وبعد بضعة أسابيع من اجتماع الدّكتورُ إبراهيم بالرّئيسِ بوش، قدّمَ مجلس النوابَ الأمريكيَ تعديلاً على برنامج المساعدة الخارجيةَ لكي يحجب 200 مليون دولار من المساعدةِ إلى مصر وذلك حتى تؤكد وزارة الخارجية الأمريكية بأنّ الحكومةَ المصريةَ قد اتخذت الخطواتَ لضمان سلطةَ قضائية مستقلةَ، وتُقلّلُ من انتهاكات الشرطةَ وتُهدّمُ أنفاقِ التَهريب بين غزة ومصر. وبعد مرور وقت قصير من الاجتماع بالرئيس بوش،اعتبرت الصحافةَ المصريةَ الدّكتورَ إبراهيم عميل لأمريكا وإسرائيل حيث اتهموه بالتَأثير على الرئيسَ بوش لكي يطَلَب مِنْ مجلس النواب التقدم بهذا التعديلِ. وقَدْ يَبْدو هذا احتمالا معقولاً في أعينهم لأن تلك هي الطريقة التي يسير عليها النظام في مصر. ففي مصر يمكن للرئيس أن يؤثر على المشرعين بسهولة لإقرار التشريع الذي يتراءى له مناسباً. وفي كل الأحوال، فإن الأمور تسير في الولايات المتحدة بشكل مختلف. ففي واقع الأمر، لم يكن للرئيس بوش أي علاقة بهذا التعديل الذي قدمه مجلس النواب. ولكن الحقيقة أن هناك سببان وجيهان لاتخاذ الكونجرس الأمريكي المبادرة من تلقاء نفسه لتضمين هذا التعديل في برنامج المعونة.
1. في السَنَوات القليلة الماضية، فَقدتْ مصر احترامها بين أعضاء الكونجرسِ بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوقِ الإنسان والتي تمتد من سجن أيمن نور وطلعت السادات إلى إسقاط كل الأصوات المعارضة، وإلى القيود الصارخة والحادة على الحرية الدينية. وبدأ يتزايد عدد أعضاء الكونجرس الأمريكي المثبطين من السياسة المصرية وذلك كلما وردت التقارير الإخبارية التي تصف التزايد المستمر في انتهاك حقوق الإنسان والحقوق السياسية واتجاه مصر بعيدا عن مبادرات الديمقراطية.
2. اللوبي اليهودي القوي في واشنطن عَملَ بجدّ للضَغْط على الكونجرسِ بشأن إدْخال البندِ الخاص بالأنفاقِ بين غزة ومصر. وهم يَصرّونَ بأنّ مصر يَجِبُ أَنْ تَتّخذَ خطواتَ صارمة لمَنْع تَهريب الأسلحةِ بين مصر وغزة.
وسعد الدين إبراهيم لَيْسَ لهُ علاقة بأي من هاتين القضيتين. لكن الحكومةَ المصريةَ تصر على اتهامها بأن الدّكتورِ إبراهيم عميل لأمريكا وإسرائيل، بالرغم من أنَّ ذلك الاتهام مكذوب وبعيد تماما عن الحقيقة. وفي الرَدِّ على ذلك، ذَكرتْ النيويورك تايمزَ بأنّ الحكومةَ المصريةَ quot;اقترحتquot; بأن الدكتور إبراهيم ترك البلاد لبرهة من الوقت حتى يهدأ غضب الرئيس مبارك. ولزيادة الضغط على الدكتور إبراهيم ولكي يقيموا منه مثالاً يخيف المعارضين الآخرين، تقدم بعض أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي بشكوى إلى النائب العام يطالبوه بتحريك الدعوى ضد الدكتور إبراهيم بتهمة التآمر على مصر وإعطاء مصر سمعة سيئة أمام المجتمع الدولي. وتحريك هذه الدعاوي ما هي إلا تهديد له بحيث تؤدي إلى اعتقاله وسجنه إذا ما قرر العودة إلى مصر.
يعلم الدّكتورُ إبراهيم جيداً نتائجُ وجوده خارج نِعَمِ السّيدِ مبارك. فهذه لَيستْ المرة الأولى التي يتَورّطَ فيها مع الحكومةِ بدفاعِه الصريحِ عن الديمقراطيةِ وحريةِ الكلام. فمن خلال عملِه بمركزِ ابن خلدون، لم يروج الدّكتور إبراهيم للديمقراطية في مصر والمنطقة فقط، ولكنه كافحَ أيضا من أجل حقوقِ الأقليات، بما فيهم الأقباط، وناضل من أجل الترويج لأنتخابات حرة وعادلة، وهو الأمر الذي أدى إلى اعتقال الدّكتورِ إبراهيم عام 2000. ففي تلك السَنَةِ، تلقى كل من مركز ابن خلدون ومركز هُدى شعراوي للنِساءِ الناخباتِ منحة مالية مِنْ الإتحاد الأوربي للقيام بحملة تعليمِ الناخبِ السابقة على الانتخابات البرلمانية المقامة في أكتوبر/تشرين الأولِ لعام 2000. وقد خَدمَ الدّكتورُ إبراهيم سابقاً في اللجنةِ المستقلةِ للمراجعةِ الانتخابية التي راقبتْ انتخابات 1990 و1995 وأصدرت إدانة بوجود عدد مِنْ المخالفاتِ. وقبل انتخابات عام 2000، صرّحَ الدّكتور إبراهيم بأنّه ينَوى مُراقبَة سير الإجراءاتِ ضد أي انحراف عن المسار الصحيح ولكن لم يُكتب لهذا الأمر النجاح.
في 30 يونيو/حزيران, 2000، قبض على سعد الدين إبراهيم في بيتِه واُعتقل. وفي الأيام التالية على ذلك، تم اعتقال عدد من زملائه أيضا. وقد ظلوا محتجزين من قبل الدولة حيث تم استجوابهم حتى منتصف أغسطس/آب من ذلك العام. وبنهاية سبتمبر/أيلول تم توجيه الاتهام إلى الدكتور إبراهيم و27 آخرون وتم الأمر بتقديمهم إلى محكمة أمن الدولة العليا للمحاكمة على 4 تهم: 1) التآمر لرشوة الموظفين العموميين للتأثير عليهم في قيامهم بأعمالهم. 2) تعمد نشر معلومات خاطئة بالخارج للإضرار بمصالح مصر. 3) تلقي معونات بدون الإجازة المسبقة من السلطات المختصة. 4) النصب على الاتحاد الأوروبي. التهمة الأولى تأتي جذورها من الإدعاءات بأن الدكتور إبراهيم وأربعة مِنْ زملائِه رَشوا أعضاء أجهزةِ الإعلام الحكوميةِ لإذاعة بعض القصصِ حول مركزِ أبن خلدون وعمله. في التهمةِ الثانيةِ، أدعت الحكومةَ بأنّ الدّكتورِ إبراهيم قد أصدر بياناتَ نُشِرتْ في الخارج بأن الانتخابات المصريةِ زُورت وأن هناك تمييزُ دينيُ واسع الانتشار في مصر. التهمتان الأخيرتان تَعلّقتَا بالمنحةِ المستلمة من أجل مشروعِ تعليمِ الناخبَ وتم تطبيقهما على الرغم من إنكار الإتحاد الأوربي بأنه قد تعرض للنصب.
بالرغم من أنّهَ كَانَ واضحاً بِأَنَّ هذه التهمِ كَانتْ مدعومة سياسياً ومقصودة لإسكات الدّكتورَ إبراهيم وزملائَه في مركز أبن خلدون ومركز هدى شعراوي للنساء الناخبات، تم تقديم سعد الدين إبراهيم وعدد مِنْ زملائِه للمحاكمة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني, لعام 2000. وبعد مضي سبعة أشهر تم إدانتهم في ثلاثة مِنْ التهمِ الأربعة التي أدرجت في قرار الاتهام وحكم على إبراهيم بالسجن سبع سنوات. وقد ترتب على إدانة الدّكتورِ إبراهيم شجب وإدانة منظماتِ حقوقِ الإنسان والحكوماتِ الديمقراطيةِ حول العالم، وقام هو وزملائه باستئناف الحكم. وفي عام 2003، وبعد ثلاث محاكماتِ، بُرّأَ إبراهيم من كُلّ التهم. وعلى الرغم من أنّه لَمْ يَخْدمْ السَنَواتَ السبع الكاملةَ في السجنِ التي كان قد حُكِمَ عليه بها أصلاً إلا أن صحته قد تدهورت إلى حد لا يمكن تداركه. فقد كان يعاني من حالة انحلال عصبي تحتاج إلى علاج خاص رُفض تقديمه إليه في السجن مما أدى إلى تفاقم الأعراض. بالإضافة إلى ذلك فقد قيل بأن الدكتور إبراهيم قد تعرض لعدة ضربات صغيرة أثناء سجنه أصابت الحبل الشوكي والدماغ بأضرار بالغة. ولأن النائب العام المصري لم يستجيب إلى طلب الدكتور إبراهيم بضرورة العلاج خارج مصر في مركز متخصص في السكتة الدماغية والحالات العصبية، فإنه لم يتم الاعتناء بالدكتور إبراهيم على النحو الملائم وتعرضت صحته لضرر دائم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن شأن حقوق الإنسان في مصر قد عانى من أذى عظيم بسبب اتهام الدكتور إبراهيم وسجنه. فقبل اعتقاله، كان يُعتقد أن علاقات الدّكتورِ إبراهيم في المستويات العلياِ للحكومةِ المصريةِ قوية بما فيه الكفاية لحمايته من تبعات دفاعِه الصريحِ عن الحريةِ، والديمقراطية، والمساواة والانتخابات العادلة. وعندما وضع إبراهيم في السجن، أدرك أعضاء جماعة حقوق الإنسان في مصر بأن ما حدث لرئيس مركز أبن خلدون يمكن أن يحدث لهم. ونتيجة لذلك شعرت بعض هذه المنظمات بأنها ملزمة بالتوقف عن قبول أي تمويل أجنبي لعملهم. وقد ترتب على ذلك تسريح العمالة وإغلاق المكاتب وبصفة جوهرية تم تكميم عمل حقوق الإنسان في مصر.
ومنذ إطلاقِ سراح الدّكتورِ إبراهيم عام 2003، عادَ بدون كلل أو تعب للكفاح من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لمواطني مصر. وعلى الرغم من أن نشاطاته سببت الرعب للحكومة ألا أنه حتى الآن لم يتم منعه من العمل نحو مصر أفضل بالنسبة لكل المصريين. تصادمه الحالي مع الحكومة هو علامة مزعجة بأن حكومة مبارك سوف تتخذ مرة أخرى إجراءات صارمة ضد كل من يتكلم عن سياساتها و نماذجها. وهذا الوضع ليس فقط خطيرا على الدكتور إبراهيم وإنما بالنسبة لكل المواطنين المصريين.
يَحتاجُ النظامُ لتَرْك الدّكتورِ سعد الدين إبراهيم في حاله. فالدستور المصري يضمن للدكتور إبراهيم وكل المواطنين الآخرين الحق في حرية الرأي. تنص المادة 47 على أن quot;حرية الرأي مكفولة. لكل شخص الحق في إبداء رأيه شفاهة أو كتابة أو بالصور أو بأي وسيلة أخرى في حدود القانون. النقض الذاتي والنقض البناء يجب أن يضمن سلامة الكيان الوطنيquot;. لقد حان الوقت على الحكومة أن تلتزم بكل ما يتضمنه الدستور التي أقسمت على صيانته وأن تترك الشعب المصري أن يفرغوا ما يدور بخواطرهم دون خشية العواقب والأعمال الانتقامية. إبْعاد أحد مثقّفي الدولة الأعلام وأحد المدافعين البارزين من أجل مصر حرة وديمقراطية، يعد عمل من أعمال نظام استبدادي وليست حكومة جمهورية ملتزمة بحماية حقوق وحريات مواطنيها كما ضمنها الدستور. يجب على الحكومة المصرية أن تترك الدكتور إبراهيم في حالة وأن تسمح له بالعودة سالما إلى وطنه وأهله لاستكمال حياته وعمله دون تهديد بالعقاب والانتقام من أي نوع.

رئيس التجمع القبطي في الولايات المتحدة.

http://copticassembly.com/

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية