ثورة الفرح الاخيرة في المجنمع العراقي قدمت اكبر النماذج الرمزية لما كان عليه المشروع الاسلامي من كابة وحزن ويباس وقحط وجودي واضح يدعمه مشهد بصري يزيد من صباغته السوداء ويفضي الى (تسمم بصري) ضاعف ضمور الحياة والتنمية والخلق والرفاه الداخلي. ولعل هذه الرمزية هي البرزخ الفاصل بين نموذج بطولي قائم على العنف ونموذج بطولي قائم على الرفاه والجمال والمسرة، حتى بدت الحرب في اوج تعبيراتها السرية تخلق نوعا من ثورة الفرح والقنابل الضاحكة التي تصلح لمواجهة مشروع مكنه الدين من،اثارة اكبر بلبلة عقلية واشكالية طالما اندرجت في شتى تنوعات العالم العقائدي الايديولوجي الذي لا خلاصة له غير السقوط بنزعات الموت والاكتئاب الوجداني والبيولوجي، وهذا ما رافق التجارب الشمولية (ملحدة ومؤمنة وعلمانية واصولية) جميعها طارحا، اشكالية كبرى في مجال الوظيفة العقلية وطريقة استخدامها في مجال المعتقدات ورؤية الخلاص المحكومة طبقا لفشل التجارب الشمولية بالخراب والكارثة فالعدوان على الحياة بالافكار. في ضوء ذلك ترتسم في العالم الاسلامي من المغرب مرورا بلبنان وفلسطين والعراق حتى تخوم اسيا مشهدية من الاكتئاب والحزن وانعدام الرفاه والمسرة وهذا يطرح مجموعة اشكالات بعيدة عن مجرد مناقشة نصوص او تقريب مضامينها ونقدها ويدخل في صلب ثنائية لا تتعلق بالدين والالحاد او النص والتطبيق او المعتقد وعدمه.. انها ثنائية الفرح والسخط فالكابة والحزن في سياق عالم بيولوجي مجاله علوم الاستشفاء والتطبيب وليس حوار الافكار والمشاريع العقائدية. وهنا نقتضب بعض جوانب الفاعلية الداخلية لمعركة الفرح مع الكابة والعدم بين العداوان على الحياة والدفاع عنها برمزية الفرح والدروع الضاحكة.
الزلزال الضاحك، قنبلة الفرح، ثورة المسرة.. التي ألهبت مجتمعا تيبست عروق الحياة في اوصاله، واصبح مجرد سيرورة لادارة مشروع الموت وعلاقات المقبرة وما يحيط خطابها وعالمها من لغة وادوات واليات كلها تعمل على تفريغ شحنة الحياة بمقولات الدين والافكار العقائدية.. تلك التي اثبت العقل البشري والتجارب الانسانية هزيمتها وفشلها في، نظام الوظائف العقلية نظرا لعدم قدرة العقل على منافسة الانظمة الكونية العاملة خارج عقل الناس وفي عقلها الذي يستحيل على البشر معرفته الا اذا تنازل الخالق عن صلاحيته ومنح بعضه لمخلوقه! وهذا مستحيل طبعا. الافكار وانظمة العقائد في مجال انتاج الحقيقة او صياغة الوجود بجزيئة محددة النشاط الا وهي العقل.. حيث يقتصر نشاطها على انتاج الفاعلية العملية التطبيقية لدعم او خراب الحياة وتطوير رفاهها او شقاءها، هذه الجزيئة الدماغية، وفي مجال بحثها عن الحقيقة ومشاغلها النظرية ازاء ذلك، كانت قد فشلت كوظيفة ليس لها حق ايجاد الحقيقة، لذا وضعت في الاراشيف العالية المهملة والمتاحف والمعابد والخلوات والصوامع المنعزلة، لما مثلته وبامتياز مسبق ومتقدم في انتاج عالم الشقاء والالام والكابة والحزن والكوارث والارهاب، الى التراجيديا الممسرحة وغير اللازمة فالتصادم مع ارادة الحياة لدى المخلوقات.. عبر مشروع فرضت الحياة والميكانيزمات الطباقية البريئة نقائضه، ففي مقابل الحرب مع الحياة يكون الضد (في الطباق اللغوية) هو تبني مشروع الموت وتداعيات ولغات وخطاب مؤثثاته الطبيعية، وهنا تقع الفطرة الانسانية بانقلابات مريعة محكومة بالكبح والفشل والخراب. لذا لم يستطع الارث العقائدي الا تشويه البشر وتمير انظمة البراءة داخلهم، كما لم يستطع اثبات نواياه الطاهرة في بيئتها المتخيلة اللاعملية، فيبقى بعالم النوايا ونظرية التخيل، بل كان منتحه العملي وبالا وشقاءً على الحياة، لذا وبرغنم النوايا الخيرة التي التصقت به فانه، وبامتياز واضح مثل هذا الفكر ارث الشر والشيطان والالام والقهر والقمع، وذلك لمحدودية امكانات العقل على انتاج فضاءً للافكار بديلا عن فضاء الواقع وبيئة المفاعلات العملية...فانتاج الكهرباء بواسطة الافكتار والوظائف العقلية لا يتشابه مع نظريات وانتاج مشروع الخلاص والاخلاق والبيئة المعتقدية وهي تاتي بصيغة عملية (وهنا الخطورة) ولم تقتصر على نظام الاماني والاحلام والنوايا والاسرار الوجدانية والميل الرومانسي التعويضي للتبتل والتطهير النفسي، الذي من شانه ان يتجانس ويتناغم لهنيهات محدودة مع الوقائع الحصرية الكامنة في بيئة ومكان خلوة المعبد، ثم تنتهي في اعتاب وخلف ابواب المعبد ولا تأت مع العابد الى الشارع،لان امكانات التطبيق العملي لخيال المعبد مستحيلة وغير ممكنة، بل تتسبب بتجربة مجبولة على العدوان والتصادم والعنف والقمع نظرا لعصيان الفطرة الوجودية على محددات عالم التخيل والمعبد والتغسيل الوجداني لاجل التزود بشحنة ادبية تلائم الوقائع بحدود الامل ولا تناسب الوقائع بحدود العمل! فان اصبحت هي الوقائع ستنتج نقيضها وتصبح فريقا بمواجهة نقيضها فتحل واقعية الصدام والعدوان بنوايا متخيلة ذات منتج عملي مخالف تماما للنوايا الاولى ذات الاتجاه الرومانسي والقصدية الماورائية، فمن يثبت ان اللص الذي شوهد وهو يسطو على بيت بانه جاء ليقدم هدية سرية لاصحاب البيت؟ تلك نوايا لا تحسم حقيقة اللص ولكن الواقع العملي سوف يدمر نواياه لمصلحة تجاسد الافعال.
كل مرة تعاد ثرثرة صراع التكوين الاول فرمزيات انتصار المعرفة على الابدية ودفعها لثمن فكرة الموت على العيش الابدي من دون حواس ومعرفة ومقارنة(يصبح اللادين هو المشروع الخالد لادم في عصيانه المتجدد على رفض الابدية مقابل المعرفة اي صفقة الحياة! هذا ان بقي الدين بايدي حفنة من رعناء الفقه وهم ينجزون التصور الديني على اساس الغاء صفقة ادم فيحاصرهم الشيطان فيما تحاصرهم الخطيئة حين يقبلون الصفقة، والدين هو الكابح والمخفف للوجهين فاي الغاء هو انتصار احدهما، فاما انتصار الشسيطان واما الخطيئة؟وكل هذا في غرف الوجدان المظلمة لا في الشوارع والساحات والمؤسسات). اي البقاء الابدي في اتحاد الاضداد وتساويهما، الذي يدمر نظام المقارنة والتمييز والحواس، ولا يعط قيمة لاستلاب الشر او فضل الخير مع ان كلاهما لعبة دماغية لغوية جديرة بالمراجعة. فلقاء خسارة ابدية بلا حواس انتهى الامر بقبول الموت بحواس ومعرفة وتضاد بين النقائض وانتصر الاحساس بالمكان والزمان بعد ان كانا غائبين اي باللاشيئية! فيما المشروع الشيطاني من حيث مخالفته، حصرا في بيئة الملائكة والجنة المشلولة الحواس كان قد رفض هذه المعادلة وبقي مصرا على التدخل لاجل اعادة نسل ادم لما قبل المعرفة وقبل النزول المبارك للخالق (هنا اشكالية فهم الدين بين تخفيف الخطيئة والغائها واصبح التطرف يتماهى مع الغاء الحياة كمنجز خاطئ وهذا يفضي الى قبول نقيضها كمشروع ndash; الموت - ليس كاداة قتل وابادة لانه ينجز العودة والحنين لمشروع الجنة الاولى) اي في النتيجة هي الرغبة في استمرار غياب المشاعر والبقاء في الاتحاد الاول للاضداد، وهذا ما تجسد فعلا في الناتج العملي لارث العقائد والنوايا الحالمة حتى امتلات فخاخ التصورات العقلية بالمشروع الرامي لاتحاد الاضداد ومنع الطاقة المعرفية والحسية المميزة.
وهكذا ما نجده من نتائج اخيرة حولت الرفاه في اتجاهات انقلابية تلتصق فاعليتها بالحزن والكابة والغلو والغلظة والعبوس والسخط والغضب والموت والشقاء وكل الاسرة اللغوية للقبح.. الخ اصبح حكما في حتمية ميكانيزمية لا يمكنها التحرر والتخلص من التقابل الشيطاني المعد سلفا كواقع للفخاخ التي اصطادتها.
بهذا المعنى سيتمكن الفرح من انقاذ الدين وانقاذ الحياة لان اولويتها تجعل الدين ليس مشروعا للموت فيما اولويته يجعل الحياة مشروعا للموت.. لذا مزيد من الفرح يقلل من كثر العمائم والملالي وتاليا صناعة الموت والشقاء.. لم يبق غير هذه القنابل السعيدة في مواجهة خطاب البكاء والكابة اللذين احدثا انقلابا داخليا ووظيفيا ازاء تلقي الرفاه وهذا شوش انظمة الوظائف الجسمية حيث صار الايمان في الرفاه حزنا واصبح الكفر في الرفاه فرحا. فقليل من ابي نؤاس يضطرنا نعرف اة على الاقل نشتاق لحسانن بن ثابت وقليل من المعابد يجعلنا نضجر من اماكن الرفاه لنجد رفاها اخرا للبتولية في معبد.. فلنعيد للاسود لون الظلمة بعد ان اصبح لون الشمس!

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية