حينما نتابع الفضائيات العراقية نجد ان عددا كبيرا من المقالات التي لا بد منها في مجال الفضاء الحيوي الذي أردناه مرآة ً للواقع، وواجهة للوطن، ومدرسة للمشاهد والمستمع، ومتعة له يحتاجها بظل ظروف غاية بالصعوبة والتعقيد. ولابد للقضايا المطروحة في هذه الفضائيات أن تقدم في إطار ملتزم بمكونات الشعب العراقي وتنوعه الديني والطائفي والاثني، لكننا للأسف نرى أن الفضائيات العراقية باتت أما ناعية وباكية، أو مدارس ركيكة لا تدرس سوى الأخطاء التي نراها مخجلة وفاضحة على السنة مذيعاتها ومذيعيها ومقدمي برامجها.
إن الإعلام وبالإضافة الى دوره التربوي فهو واجهتنا أمام العالم يعكس ما نريد قوله وما نحن عليه، فان كان ركيكا متخلفا سيرانا الناس بصورته، وان كان قويا ورصينا احترمنا المشاهد وأيقن أنـّا على الدرب الصحيح سائرون.
ان الفضائيات تدخل كل بيت تقريبا ويراها ويسمعها كل الناس، أي ان تأثيرها قد يفوق تأثير المدرسة التي يرتادها الطفل لساعات معدودة يعود بعدها ليقضي باقي يومه أمام الفضائيات، مقلدا ما يراه متاثرا بما تطرحه من أفكار.
قطعا ان هناك بعض الاختلافات بالمواقف بين فضائية وأخرى، لكننا نرى اغلبها لازالت تسير بركب الاعلام العربي، حيث تعتبره قدوة لتقلده، مع أننا لابد وان نتميز عنهم بكوننا نريد بناء بلدنا مدنيا وديمقراطيا، أي يختلف عن البلدان العربية التي لا زالت شعوبها ترتعب غالبا من ديكتاتور ان كان رئيسا أوحدا او ملكا يرث العرش ويورثه الى ابد الدهر لتبقى الكلمة عندهم سجينة في أقبية وسجون من المفترض اننا تخلصنا منها نحن اهل العراق حيث اختصرت اليوم سجوننا على الإرهابيين والقتلة ومغتصبي الحقوق، الامر الذي من المفترض ان يجعلنا بلدا متميزا بين البلدان العربية، من هنا أتسائل : أين التميّز في إعلامنا العراقي ونحن نراه بهذا البؤس والتردي ؟
ثم أن موجات من التبسيط والتشعيب لكل شيء وخاصة الشعر لا اعتقده نافعا لنا ونحن نريد أن نخاطب كل من يفهنا- بعد أن أغضوا النظر وكفوا السمع عنا لأربعة عقود مضت - وان نخاطب العرب بلسان عربي فصيح ليفهموا معاناتنا التي تجاهلوها ويتجاهلونها كل يوم، كيف يكون لنا ذلك والفضائيات العراقية تمتليء بالشعر الشعبي الركيك الذي يقوله الغادي والآيب يملأونه مديحا وكأنهمquot; مداحي الحضرةquot; كما كنا نسمع من اهلنا حينما يضجرون من سماع مذيع لا يجيد عمله، أو شيخ لا يحسن نقل أفكاره، أو مداح للنظام البعثي.
فهل اصبح الادب العراقي ndash; مثلا- كما هي الصورة المعلنة عنه الآن في الفضائيات؟
هل استخدم الاعلام لمحاربة الارهاب بالشكل المطلوب والقادر على الحد من الموت اليومي؟
هل وضع الاعلامي المناسب في المكان المناسب ام لازالت هناك أيدي خفية تلعب ماتشاء وتطرح بضاعتها على الناس لتفسد عقولهم؟
والمؤلم اكثر هو ان الاعلام العراقي اصبح مرتعا للمنتفعين زمن الطاغية، لنراهم اليوم يبثون ذات السموم بأطر مختلفة.
أن القاء نظرة واقعية غير منحازة للاعلام العراقي سيوضح لنا مدى المحسوبيات والمنسوبيات التي تمارس فيه كما المحاصصات للاحزاب والطوائف، حيث أصبحت الكفاءة مضطهدة ليس فقط عل الصعيد الثقافي إنما على كل الأصعدة.
اذن اين الشعارات التي نادى بها الكثير من الاحزاب والكتل السياسية ؟
ان اكثر ما يقلق في وضع الاعلام العراقي اليوم هو تهميش دور الشخصيات العلمانية متفتحة العقول على الحضارة،مثلما هو حال النساء المدافعات عن حقوق المرأة، وبعض البرلمانيات الساعيات الى عكس واقع المرأة العراقية التي عانت واعطت الكثير زمن الطاغية الذي ذهب وبقي قهر المرأة العراقية وقيودها المتزايدة ثقلا يوما بعد آخر، فما عدا البرلمانيات اللواتي لم يحصلن مع الاسف حتى الان على اي نجاح بتغيير وضع المرأة العراقية لجملة من الاسباب الموضوعية التي تقيدهن والعدد القليل من النساء الموظفات او المساهمات في الحياة السياسية والاجتماعية، فالجمهور الاكبر هو الصورة الاقرب للاذهان حيث تكون المرأة اما مهجرة، او فقيرة تملأ الاسواق ببيع سقط المتاع، او باكية على ما يحصل لها، او مغيبة بين جدران المنازل والمنافي.
فما الذي نجحت فيه الفضائيات والاعلام العراقي على مدى اربعة اعوام ومنذ سقوط النظام لجماهير النساء المتضررات من الاوضاع السياسية غير الطبيعية التي استمرت اكثر من اربعين عاما في العراق؟ وهل نقلت معاناة النساء الى واقع ايجاد الحلول كما هو المطلوب من الاعلام الهادف والجاد بتطوير المجتمع؟
هل كانت وسائل الاعلام من الشجاعة مايكفي لتسليط الضوء على معاناة المرأة في الشارع والعمل والجامعات وما تلاقيه من مضايقات وتدخلات في حياتها الخاصة من قبل المتأسلمين وافراد المليشيات وسواهم؟
هل سلطت وسائل الاعلام بعض الضوء على الولاءات والفساد بغية محاربته ؟وهل اصبحت مركزا تربويا حقيقيا كدأب طموحنا فيها؟
لابد لنا من نظرة واقعية نقدية على إعلامنا المرئي خاصة، لنضع النقاط على الحروف ونعرف أين نحن في فضاء العالم الواسع.

[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلافتسبب ملاحقة قانونية