في مثل هذه الأيام، قبل سنة (في الثاني عشر من تموز ndash; يوليو)، كانت بداية الحرب الأسرائيلية الجديدة على لبنان وهي حرب لم تتوقف حتى اللحظة، بل أنها مستمرة بزخم كبير. ما عجز عنه الأسرائيليون ينفذه آخرون تحت شعارات عربية وأسلامية، لا علاقة لها بالعروبة والأسلام، للأسف الشديد. كم هي مؤلمة ذكرى تلك الحرب على لبنان واللبنانيين، خصوصاً أن ما حصل قبل بدء الحرب وبعده عكس وجود رغبة واضحة لدى غير طرف داخلي وأقليمي في أعادة لبنان ما يزيد عن ثلاثين عاماً ألى خلف ومتابعة الخطة الهدفة ألى تهجير أبنائه وأبعاد العرب وكل أنواع المستثمرين عنه فضلاً عن القضاء نهائياً على مشروع الأنماء والأعمار الذي أعاد الوطن الصغير في غضون سنوات قليلة ألى الخريطة الأقليمية والدولية.
مطلوب بكل بساطة بقاء لبنان quot;ساحةquot; يبتز المحور الأيراني ndash; السوري عبرها العرب والعالم غير مبال يمصير الوطن الصغير وأهله.
عشية الحرب التي أفتعلها quot;حزب اللهquot; المذهبي تنفيذا للتعليمات الصادرة أليه من طهران ودمشق، غير آبه بمصالح لبنان واللبنانيين ومستقبل أبنائهم، كان البلد في طريقه ألى أستعادة بعض عافيته. كان ينتظر مليون سائح خلال فصل الصيف. كان العرب في طريق العودة أليه كما في السنوات السابقة لمساعدته في أنعاش أقتصاده وفي سد بعض ديونه التي تراكمت جراء ما أرتكبه النظام السوري والأحزاب التابعة له من جرائم أقتصادية في حق لبنان خلال عهد الوصاية. أرتُكبت تلك الجرائم عن سابق تصور وتصميم بهدف واضح كل الوضوح هو تعطيل مشروع الأنماء والأعمار الذي كان يقوده الشهيد الرئيس رفيق الحريري وتركيب ديون على البلد. وهذا ما لا يفهمه أو يستوعبه بعض الصغار الصغار الذين أرتدوا على لبنان وعلى كل ما هو حضاري في لبنان. وعلى رأس هؤلاء ذلك المهرج برتبة جنرال الذي يستخدم مجدداً في الحرب المستمرة على الوطن الصغير.
ما يرفض quot;حزب اللهquot; الأعتراف به أنه أخذ لبنان ألى كارثة عن طريق الحرب التي أفتعلها والتي وفرت لأسرائيل فرصة للأنتقام من لبنان. كانت تلك الحرب هدية للنظام السوري الساعي ألى تدمير لبنان على رؤوس أبنائه تماما كما وعد رئيسه الذي يرفض التعقل والتفكير في أن ما يقوم به لا يخدم سوى أسرائيل وأن الكلام عن الممانعة وخطاب مليء بالمزايدة ليس سوى خدمة للأحتلال الأسرائيلي. ولعل أصعب شيء على الرئيس بشارالأسد أستيعاب أن الأنتقام من لبنان عن طريق quot;حزب اللهquot; أو quot;فتح ndash;الأسلامquot; لا يمكن أن يخدم سوريا وشعبها الصابر بمقدار ما أنه سيجلب عليها وعليه مزيدا من المآسي.
مضت سنة على أندلاع الحرب ولبنان يتلقى الضربة تلو الأخرى. لكنه لا يزال صامداً. ولأنه لا يزال صامداً تشتد الحملة عليه. ولذلك نشهد ما نشهده من تصعيد في المخيمات الفلسطينية التي تحولت جزرا أمنية ومأوى لعصابات الخارجين على القانون كما الحال في عين الحلوة في جنوب لبنان.
لم يكن النظام السوري يعتقد أن لبنان سيصمد كل هذا الصمود في وجه الهجمات التي يتعرض لها. ولذلك كان اللجوء ألى محاولة لأفتعال حرب في المخيمات الفلسطينية لتصوير أن الجيش اللبناني يقمع الفلسطينيين ويعتدي عليهم في حين أنه الجيش الوحيد في العالم العربي الذي يُعتدى عليه على أرضه ويرد على العدوان بطريقة حضارية تفاديا لألحاق أذى بالمدنيين اللبنانيين والفلسطينيين.وما يثير الأسف والحزن أكثر من أي شيء آخر ذلك الموقف المتخاذل الذي أتخذه quot;حزب اللهquot; حيال ما يشهده مخيم نهر البارد الذي لحق ظلم كبير بأهله ليس بسبب الجيش، بل بسبب عصابة شاكر العبسي السورية. لو كان لدى quot;حزب اللهquot; حد أدنى من الحرص على الجيش اللبناني، كان عليه الأعلان صراحة عن وقوفه مع الجيش بدل أعلان الأمين العام للحزب أن مخيم نهر البارد quot;خط أحمرquot; وكأنه يريد المساواة بين عصابة quot;فتح ndash;الأسلامquot; والجيش الوطني!
طبيعي أن يشمت النظام السوري بما حلّ بلبنان ولكن هل يجوز أن يتجاهل quot;حزب اللهquot; نتائج الحرب الأسرائيلية على البلد وأن يتابع الحرب بوسائله الخاصة مستخدماً كل الأدوات التي لديه بما في ذلك أدارة سلاحه ألى صدور اللبنانيين. ربما كان أهم ما تكشّف في أعقاب الحرب الأسرائيلية على لبنان أن المهمة الحقيقية لquot;حزب اللهquot; وسلاحه صارت واضحة. من يفتعل فتنة مذهبية في بيروت أنما يوجه سلاحه ألى اللبنانيين. من يحتل وسط بيروت، أنما يوجه سلاحه ألى لبنان ويستكمل الحرب الأسرائيلية على الوطن الصغير. من يسكت عن عصابة quot;فتح ndash; الأسلامquot; أنما يوفر لها بطريقة غير مباشرة سلاحاً لها كي تصوبه ألى صدور ضباط الجيش اللبناني وجنوده...من يسكت عن السلاح الفلسطيني في الأراضي اللبنانية يطعن لبنان والقضية الفلسطينية في الظهر.
ماذا يعد quot;حزب اللهquot; للبنانيين في الذكرى الأولى للحرب؟ بالطبع سيردد مسؤولوه المعزوفة نفسها عن الأنتصار quot;الألهيquot; الذي تحقق. نعم تضررت أسرائيل من الحرب. ولكن ماذا يعني الحاق الأذى بالدولة اليهودية عندما يجد لبنان نفسه بعد سنة من الحرب في الوضع المخزي الذي هو فيه؟ يُخشى أن يكون الحزب في صدد أعداد مفاجأة جديدة للبنانيين عن طريق العمل على توسيع حرب المخيمات، خصوصاً تلك القريبة من مطار بيروت أو في عين الحلوة على مشارف صيدا. كذلك يخشى من توسيع رقعةالأحتلال في وسط بيروت بغية زيادة الأعتداءات على الأملاك الخاصة والعامة. ويخشى أخيرا من تفجيرات متنقلة لا هدف لها سوى زعزعة الأستقرار وتأكيد أن حرب الصيف الماضي لم تنته بصدور القرار الرقم 1701 الذي أوقف العمليات العسكرية.
تبدو كلّ المخاوف في محلها، بما في ذلك سعي أميل لحود ألى البقاء في بعبدا بحجة أنه quot;مؤتمنquot; على الدستور وأنه لا يجوز أن يكون هناك فراغ سياسي في البلد نظراً ألى أن مجلس النواب عاجز عن أنتخاب رئيس جديد للجمهورية وأن الحكومة القائمة ليس دستورية من وجهة نظر فخامة الرئيس.
سينتصر لبنان على الرغم من كل هذه المخاوف. سينتصر لأن الخداع الذي يتعرض له لا يمكن أن يستمر ألى ما لا نهاية. لا يمكن للظلم أن يستمر، لا يمكن لنظام مثل النظام السوري لا علاقة له بالعصر أن ينتصر لا على السوريين ولا على اللبنانيين... ولا على المحكمة الدولية. أما quot;حزب اللهquot; فأنه يستطيع خطف الطائفة الشيعية ألى حين. في النهاية، سيكتشف كل اللبنانيين من أي فئة أو طائفة أو مذهب أو منطقة أن ليس لديهم سوى لبنان وأنهم مجموعة اقليات في لبنان، مجموعة لا يحميها سوى مشروع حضاري هو مشروع الأنماء والأعمار الذي لم يتوقف سوى موقتا في أنتظار أن يتبين الخيط البيض من الخيط الأسود في المنطقة كلها. ما هو على المحك ليس مصير لبنان فحسب، بل مصير المنطقة كلها أيضا. هل مسموح أن يكون تالشرق الأوسط تحت رحمة المحور الأيراني ndash; السوري وتوابعه ألى ما لا نهاية؟