هل لا يزال مكان للأعتدال في الشرق الأوسط.عندما نشاهد ما يدور في غزة حيث الوحشية الإسرائيلية والصواريخ العبثية، وعندما تحصل عملية مثل عملية القدس الأخيرة التي أستهدفت معهدا دينيا يهوديا في المدينة المقدسة، يتبين كم أن الشرق الأوسط في حاجة ألى صوت معتدل وألى كسر حلقة العنف. أنها الحلقة التي يعاني منها الشرق الأوسط منذ ما يزيد على ستة عقود. أنها الحلقة التي يحاول ملك شاب هو عبدالله الثاني الأنتهاء منها داعيا الولايات المتحدة ألى لعب الدور الذي يفترض بها أن تلعبه. هناك بكل بساطة في المنطقة من يجد مصلحته في التصعيد من جهة وهناك من يحض على الأنتقال ألى مرحلة جديدة أنطلاقا من تسوية تعتمد أساسا على quot;حل للنزاعquot; الفلسطيني ndash; الإسرائيلي من جهة أخرى. المواجهة مستمرة بين الخير والشر، بين ثقافة الحياة وثقافة الموت بكل بساطة!

في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة التي تخللها لقاء مع الرئيس بوش الأبن، سعى العاهل الأردني مرة أخرى ألى أنقاذ ما يمكن أنقاذه. شدد غير مرة في خطاب ألقاه في كلية وودرو ولسون للشؤون العامة والدولية (جامعة برنستون) على أهمية البحث عن تسوية أذ قال:quot; قبل عام وأمام الكونغرس الأميركي، حضّيت أميركا على أن تأخذ على نفسها ألتزاما كاملا بقيادة المسيرة ألى أمام. وقلت يومها ما أكرره اليوم هنا... أن مصدر الأنقسام العالمي والأستياء والأحباط في منطقتنا وما وراءها هو أنكار العدالة والسلام في فلسطين. أن بداية الشراكة الأستراتيجية الطويلة المدى بين العالم العربي والولايات المتحدة الأميركية يجب أن تنطلق من حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطينيquot;. وشدد أيضا على أن الوقتquot;ينفدquot;. وجاءت أحداث الأيام ألأخيرة لتؤكد أن الوقت ينفد وأن الحاجة كبيرة ألى تحرك سريع لمواجهة المتطرفين من عرب وغير عرب وإسرائيليين. كان تحذير عبدالله الثاني في غاية الوضوح. كان كمن يقرأ من كتاب مفتوح لا أسرار فيه، بل يحوي كل أنواع المخاطر التي تبدو محدقة بالمنطقة. ولذلك لم يتردد في القول:quot; أن الفرقة والشقاق والكراهية جرفت معها التفاهم والوفاق. وقد غدت سلاحا في يد أعداء الأنسانية الذين هاجموا مركز التجارة العالمي (في نيويورك) والذين يعملون على شق أوروبا المتعددة الثقافات والذين يسعون ألى تمزيق منطقتي أرباquot;. نعم هناك مخاوف من حلف المتطرفين الذي يسعى ألى تمزيق الشرق الأوسط. ولذلك لا بد من البحث عن نقطة أنطلاق لمواجهة التطرف. نقطة الأنطلاق هذه هي بكل بساطة القضية الفلسطينية نظرا ألى أنه quot;من الصعب أن نبالغ في الحديث عن مقدار المخاطر، سواء بالنسبة ألى ألأميركيين أو العرب أو الإسرائيليين أو حتى العالم كلهquot; في حال بقاء القضية من دون حل أو تسوية معقولة.
هل فات أوان الكلام المعتدل الذي ينم عن رغبة في تفادي quot;كارثة كبيرةquot; تتسبب بها منطقة quot;يترعرع فيها كل يوم طفل والأحباط والكراهية في عينيهquot;... على حد تعبير العاهل الأردني.

ما يبدو مخيفا في أيامنا هذه أن ليس هناك من على أستعداد لسماع كلمة الأعتدال والسعي ألى أنقاذ ما يمكن أنقاذه سوى قلة لا تزال تؤمن بأن في الأمكان عمل شيء. هذه القلة تنادي بأنهاء ستين عاما من النزاع والعنف والأحتلال وبوطن للفلسطينيين يوفر لهم الأمل والأحترام ويؤمن لهم مستقبلا أفضل. كذلك تنادي هذه القلة بالأمن لإسرائيل والقبول بها متى تخلت عن الرغبة في تكريس الأحتلال. وتنادي أيضا بقيام منطقة تدخل في شراكة أستراتيجية بين الولايات المتحدة والشعوب العربية والأسلامية وتعمل على تغيير المشهد الأستراتيجي وخلق آفاق جديدة للتقدم والسلام.
تأخرت الأدارة الأميركية في التدخل بفعالية لأخراج الشرق الأوسط من النفق المظلم الذي دخله والمتمثل في لعبة التصعيد المتبادلة التي أنتقلت من غزة ألى القدس والمرشحة للأنتقال ألى مناطق أخرى في فلسطين وخارجها.
قام عبدالله الثاني قبل سنة بمحاولة أولى عبر خطابه أمام الكونغرس للتنبيه ألى مخاطر أستمرار النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي داعيا ألى الأنطلاق من حل للنزاع كمقدّمة لمواجهة المشاكل الأخرى التي يعاني منها الشرق الأوسط. لم تكن الأستجابة الأميركية كافية. أنعقد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر ndash; تشرين الثاني الماضي. جاء متأخرا ودون الطموحات. الآن يكرر العاهل الأردني نداءه. الوقت يمر بسرعة والأحداث تتسارع. كان النداء الجديد واجبا عليه. كان عليه أن يفعل ذلك كي لا يُقال أن احدا لم ينبه العالم عموما والأميركيين تحديدا ألى أن المنطقة على كف عفريت وأن ليس معروفا أين هي نقطة البداية. نقطة البداية واضحة عندما يكون هناك من يريد أن يسمع... هل من يريد أن يسمع في الشرق الأوسط وخارجه، خصوصا في واشنطن؟ هل من يريد التجاوب مع صوت الأعتدال والتصدي للتطرف بالسياسة وليس بمزيد من العنف من منطلق أن العنف لا يولد سوى العنف وأنه آن أوان كسر الحلقة المغلقة... وأنقاذ ما يمكن أنقاذه؟
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية