قبل سنة، أرتكبت quot;حماسquot; ما يمكن اعتباره اكبر خطيئة يرتكبها طرف فلسطيني منذ نشوء القضية قبل قرن من الزمن. للمرة ألأولى في تاريخ القضية الفلسطينية، هناك كيانان فلسطينيان منفصل كل منهما عن الآخر جغرافيا بما يهدد وحدة الشعب ووحدة القضية. للمرة الأولى هناك طرف فلسطيني يسعى ألى تقسيم الشعب الفلسطيني عن طريق ضرب وحدته. أقدمت quot;حماسquot;، التي حصرت همها في تدمير القضية الفلسطينية عبر التخلي عن النضال السياسي الهادف ألى الأنتهاء من الأحتلال، على السيطرة بالحديد والنار على قطاع غزة. قدّمت هدف تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني على كلّ ما عداه. كلف ذلك الشعب الفلسطيني الكثير ووجه ضربة قاصمة ألى القضية الفلسطينية وقدّم للحكومة الإسرائيلية برئاسة أيهود أولمرت خدمة لم تكن تحلم بها... ما دامت هذه الحكومة تسير على خطى أرييل شارون الذي ترتكز فلسفته على مقولة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. روجت quot;حماسquot; من حيث تدري أو لا تدري لمقولة شارون. ألتقت مع هذه المقولة التي أعتمدها أولمرت ووفرت كل ما يلزم من أجل أبقاء الشعب الفلسطيني وقودا في معارك أقليمية لا تخدم قضيته لا من بعيد أو من قريب بمقدار ما أنها تكرس مسألة بقاء القضية الفلسطينية موضوع متاجرة ومساومة بين أطراف أقليمية عربية وغير عربية من جهة وأسرائيل من جهة أخرى. لم تفهم quot;حماسquot; معنى تفادي السقوط في الفخّ الذي نصبه أرييل شارون للفلسطينيين عندما أتخذ صيف العام 2005، قبل دخوله في غيبوبته الطويلة التي لن يخرج منها، قراره القاضي بالأنسحاب من جانب واحد من قطاع غزة.
يتبين بعد سنة من ألأنقلاب الذي نفّذته quot;حماسquot; أن الحركة الأسلامية سقطت أوتوماتيكيا في فخّ شارون. أخذت نفسها بنفسها ألى الفخّ وكأن هناك حلفا غير معلن بينها وبينه. الأرقام والوقائع تدل على ذلك. بدل أن تكون غزة نموذجا يقدّم ألى العالم لما يمكن أن تكون عليه دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، تعيش بوئام مع محيطها، تحوّلت غزة بقدرة قادر ألى quot;أمارة أسلاميةquot; على غرار ما كانت عليه أفغانستان في ظلّ حكم quot;طالبانquot;. أكثر من ذلك، أستمر أطلاق الصواريخ الحمقاء على مدن وتجمعات سكانية أسرائيلية بهدف واضح كل الوضوح يتمثل في توفير الذخيرة السياسية اللازمة لحكومة أولمرت كي تدعي أن لا مجال لأي مفاوضات جدية مع الفلسطينيين ومع السلطة الوطنية تحديدا على رأسها السيد محمود عبّاس (أبو مازن) الذي يكتشف يوميا أن أسرائيل على غير أستعداد للأقدام على أي خطوة يشتم منها أنها راغبة في أي سلام من أي نوع كان.
ما تدل عليه الأرقام أن سكان غزة محاصرون وأن لا رغبة دولية في فك الحصار عنهم ما دامت quot;حماسquot; تطلق صواريخ وتبحث عن طريقة لتنفيذ عمليات أنتحارية. يبدو حصار غزة آخر همّ لدى quot;حماسquot; التي يبدو أنها أتقنت أخيرا المتاجرة ببؤس الفلسطينيين. قتلت أسرائيل في العامين 2006 و2007 مئات الفلسطينيين بما في ذلك نساء وأطفال ومدنيين عزل. في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2008، هناك 387 شهيدا فلسطينيا ونحو 2200 جريح و634 منزلا مدمرا أضافة ألى 89 منشأة صناعية وتجريف ل12 ألف دونم من الأراضي. هذه حصيلة موجزة لما أقدمت عليه أسرائيل منذ أنسحابها ألأحادي الجانب الذي أرادت من خلاله أظهار الفلسطيني في مظهر من لا يريد السلام. كانت هناك تغطية دولية للجرائم التي أرتكبتها بسبب تصرفات quot;حماسquot; التي تفرضها عليها جهات خارجية، تعتبر الدولة الفلسطينية أمرا غير ضروري. المؤسف أن ما فعلته quot;حماسquot; يتفق كليا مع ما أرتكبته أسرائيل. قتلت الحركة الأسلامية 523 عنصرا من quot;فتحquot;. هناك قائمة بأسماء كل الفتحاويين الذين أعدمتهم quot;حماسquot; بدم بارد. معظم هؤلاء أعدموا في مرحلة ما بعد تنفيذ الأنقلاب في الرابع عشر من يونيو- حزيران 2007. كانت quot;حماسquot; تتذرع قبل الأنقلاب بأنها في مواجهة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومع محمد دحلان بالذات. كان دحلان يتعالج خارج غزة لدى حصول الأنقلاب. ولم يعد ألى القطاع بعد الأنقلاب. ماذا تريد quot;حماسquot; أذا وكيف تبرر جرائمها في حق الفلسطينيين؟ هل مجرد الأنتماء ألى quot;فتحquot; جريمة... أم ان المطلوب الأمساك بالسلطة ليس ألا وأن السلطة تبرر العمل في خدمة ألأحتلال ودعم السياسة الأسرائيلية الهادفة ألى أبتلاع جزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشريف وتكريس وجود quot;الجدار الأمنيquot; بصفة كونه أمرا واقعا؟
بعد سنة على الأنقلاب الذي نفّذته quot;حماسquot; في غزة، يخشى أن يكون كل كلام عن مصالحة وطنية ذرّا للرماد في العيون. لا فائدة من أي مصالحة لا ترتكز على أسس ومبادئ واضحة لا لبس فيها. في مقدم الأسس والمبادئ أن على quot;حماسquot; العودة عن أنقلابها أستنادا ألى المبادرة اليمنية وأتفاق صنعاء والتوقف عن أرتكاب الجرائم والأعلان صراحة أنها تلتزم الخط السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية. ليس مطلوبا من quot;حماسquot; الأعتراف بأسرائيل بمقدار ما أن المطلوب منها الأعتراف بأن هناك نضالا فلسطينيا عمره قرن كامل أدى ألى أعتراف عالمي بquot;الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرفquot; للشعب الفسطيني. أنتهت هذه الحقوق مساومات على أسير أسرائيلي كلف الفلسطينيين ألى الآن مئات الشهداء وآلاف الجرحى وحصارا ظالما لغزة يعاني منه مئات الآلاف من الأبرياء. مخيف أن تتحول القضية الفلسطينية بفضل quot;حماسquot; ألى قضية أسير أسرائيلي... لم يعد العالم يرى غيره. وما يمكن أن يكون مخيفا أكثر التهديدات التي توجهها quot;حماسquot; لمصر بين وقت وآخر، في حين يبذل المصريون كل جهد لأيجاد مخرج من الأوضاع المأساوية في غزة من جهة وأحتمال أستمرار القطيعة بين غزة والضفة سنوات طويلة من جهة أخرى!
في النهاية، لا أفق سياسيا لمشروع quot;حماسquot; في غزة وغير غزة. في أستطاعة الأخوان المسلمين تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني في غزة وأخذه في أتجاه التخلف والسيطرة عليه، خصوصا عندما يتوافر لهم quot;الدولار النظيف جداquot; الأيراني. كم سيدوم ذلك؟ هناك دائما نهاية للظلم والتخلف. ولكن يبقى السؤال كم سيكلف الأنقلاب المشؤوم الشعب الفلسطيني وقضيته؟
- آخر تحديث :
التعليقات