بعد الخطاب الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة عشية القمة العربية في دمشق، لم يعد السؤال ماذا تستطيع القمة عمله وهل بقيت قيمة للقمة؟ تغيّرت طبيعة القمة. صار السؤال هل تستطيع القمة البتراء، التي تستضيفها دمشق بالصدفة، الأرتقاء ألى مستوى خطاب رئيس مجلس الوزراء اللبناني؟ هل في أستطاعة القمة الرد على الأسئلة التي طرحها فؤاد السنيورة بما في ذلك أقامة علاقة طبيعية بين دولتين هما لبنان وسوريا. هناك بكل بساطة رفض سوري للأعتراف بالواقع. يهرب النظام السوري من أزمته في أتجاه لبنان. يرفض الأعتراف بأن الأزمة العميقة التي يعاني منها دفعته ألى التخلص من رفيق الحريري. كان التخلص من رفيق الحريري أفضل تعبير عن مدى عمق الأزمة التي يعاني منها النظام السوري. أنها لا تشبه سوى أزمة النظام العراقي عشية أجتياحه الكويت. لم يعد في أستطاعة النظام السوري سوى ممارسة لعبة الهرب المستمر ألى أمام. لذلك مدّد، تحت التهديد، ولاية أميل لحود في سبتمبر- أيلول من العام 2004 وهو يدرك تماما أن ذلك سيجرّ عليه عقوبات دولية وسيتسبب بصدور قرار مجلس الأمن الرقم 1559. أرتكب النظام السوري بعد ذلك سلسلة من الجرائم والتفجيرات وهو يظن أن في أستطاعته تغطية الجريمة، أي جريمة، بما هو أكبر منها. أعتقد مثله مثل نظام صدّام أن لا قيمة للقرارات الدولية وأن في الأمكان تجاوزها والتحايل عليها...
كل ما أراد فؤاد السنيورة قوله في خطابه الذي طغى على كل ما يمكن أن تخرج به القمة أن لبنان يشكل المدخل الطبيعي لفك العزلة العربية والدولية عن النظام السوري. لا مجال للمكابرة. من يكابر مثل السيد وليد المعلّم وزير الخارجية السوري، سيكون مصيره أسوأ بكثير من مصير ناجي صبري الحديثي، آخر وزير للخارجية في عهد صدّام. كان ناجي صبري، الذي أنتهى لحسن حظّه لاجئا في أحدى الدول العربية، يزايد على صدّام نفسه كي ينفد بجلده هو الذي يعرف جيدا ما فعله صدّام بشقيقي الحديثي. يدرك وليد العلم الذي يقول أن لا وقت لديه لسماع خطاب السنيورة أن عليه المزايدة على فاروق الشرع في الولاء لبشار الأسد. ليس سرّا أن الشرع الآتي ألى دمشق من حوران يكنّ كرها شديدا لوليد العلم، أبن العائلة الدمشقية العريقة وأستطاع تطويقه عن طريق تافه أسمه فيصل المقداد. والمقداد من بلدة الشرع (درعا) ويشغل حاليا موقع نائب وزير الخارجية. والحقيقة أن الوقت الوحيد المتوافر لوليد المعلم، والمكرّس في معظمه لردّ شرور الشرع عنه، سيكون للأستماع ألى خطاب السنيورة والأستفادة منه قدر الأمكان. يعرف المعلّم أن الأنسان قادر على أن يتعلّم مهما تقدم به العمر، ويعرف خصوصا أنّه يستطيع ألأستفادة من الخطاب الذي ألقاه السنيورة من منطلق أنه يحدّد مكامن المشكلة بين النظام السوري ولبنان. لبنان كبلد عربي مستقل، قبل سوريا، والعضو المؤسس في جامعة الدول العربية.
قبل كل شيء لا حاجة لأي لبناني ألى شهادة في العروبة من نظام سوري لم يستطع أسترجاع الجولان على الرغم من أنه محتل منذ ما يزيد على أربعين عاما. ينسى النظام السوري أن الجولان أمضى في ظل الأحتلال الأسرائيلي أكثر بكثير مما أمضى في كنف الدولة السورية منذ أستقلت في منتصف الأربعينات. هذه فضيحة في حدّ ذاتها. فضيحة تكشف أن الهم الأول للنظام كان المتاجرة بالجولان بدل السعي الجدي ألى أستعادته سلما أو حربا. كل ما في الأمر أن النظام السوري يتاجر بالجولان. لا هم له سوى المتاجرة بكل ما تقع يده عليه أكان ذلك الجولان أو لبنان أو quot;حزب اللهquot; في لبنان... أو العراق. في النهاية، سيأتي يوم يدرك فيه الحزب الأيراني بعناصره اللبنانية أنه مجرّد سلعة لدى النظام السوري مهما حاول التذاكي على اللبنانيين وأظهار نفسه في مظهر quot;المقاومquot;. quot;حزب اللهquot; ليس سوى أداة سورية ذات مرجعية أيرانية سيُضحّى بها في الوقت المناسب، فكيف الأمر بأداوات الأدوات المستأجرة مثل النائب ميشال عون الذي فرّط بكل القيم اللبنانية أرضاء لمعلميه الجدد، علما أن ثمة من يقول أنهم معلموه القدامى وأن شيئا لم يتغيّر منذ أعلن عون حرب التحرير في العام 1989 كي يمكن السوريين من دخول قصر الرئاسة في بعبدا ومقر وزارة الفاع في اليرزة.
وضع رئيس مجلس الوزراء في لبنان العنوان الأساسي للقمة. أنها قمة الفشل لا أكثر. الفشل في التعاطي مع الموضوع الأساسي وهو موضوع لبنان. من يهرّب الأسلحة والصواريخ ألى لبنان يعمل لمصلحة أسرائيل لا أكثر. من يرفض الأعتراف بلبنان وترسيم الحدود معه يعمل لمصلحة أسرائيل. من يرفض الأعتراف بوجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية يعمل لمصاحة أسرائيل. وفي ذلك قاسم مشترك بين النظام السوري وquot;حزب اللهquot; واداته المفضلة التي أسمها ميشال عون. من يعتدي على الأملاك الخاصة والعامة في وسط بيروت بطلب مباشر من النظام السوري عميل أسرائيلي بأمتياز، كونه يريد الخراب للبنان واللبنانيين ومتابعة الحرب الأسرائيلية على لبنان، حرب صيف العام 2006 التي تسبب بها quot;حزب اللهquot;. من يمنع أنتخاب رئيس للبنان لا يخدم أسرائيل فحسب، بل يعمل أيضا على القضاء على أي نوع من العروبة الحضارية وذلك من أجل تبرير الفكرة التي تنادي بها أسرائيل وهي أنها quot;دولة يهوديةquot; قبل أي شيء آخر. هل هذا ما يدفع في أتجاهه النظام السوري عندما يرفض الأعتراف بخطاب السنيورة، وحتى الأستماع أليه، بحجة أنه طغى على قمة دمشق؟
كلمة أخيرة لا بدّ منها. لم يطلب رئيس مجلس الوزراء اللبناني المستحيل. طالب بأستعادة النظام السوري لرشده وأن يعترف بلبنان وأن يقيم معه علاقات ديبلوماسية كما بين أي دولتين في العالم وأن يكون ترسيم للحدود بين البلدين مع وقف تهريب الأسلحة والتوقف عن أستخدام الفلسطينيين والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها لتوتير الأوضاع في لبنان خدمة لأسرائيل. ما لم يقله السنيورة أن النظام السوري مسؤول عن سلسلة من الجرائم والتفجيرات في لبنان بما في ذلك أغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. أكتفى بالأشارة ألى أن لبنان يطلب العدالة ولا يريد الأنتقام. هل كثير ما يطلبه لبنان؟ الهدف الحقيقي للسنيورة أنقاذ سوريا ولبنان من الكارثة التي يقودهما أليها النظام السوري الذي يستضيف قمة لا تقدّم ولا تؤخر ما دامت أوراقه صارت مكشوفة... مكشوفة ألى درجة أنه يدعي محاربة السياسة الأميركية فيما يتوسّل صفقة مع أدارة بوش الأبن تعيده ألى لبنان. أليس ذلك ذروة الأفلاس، بل الأفلاس بعينه؟