ما الذي حدا بالمملكة المغربية إلى الاقدام على خطوة قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران؟ هناك من دون أدنى شك جواب شاف في البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية. ركز البيان على نقطتين في غاية الخطورة هما الموقف الإيراني من مملكة البحرين تحديدا من جهة، والنشاط السياسي والأمني الذي تمارسه طهران تحت غطاء مذهبي في غير منطقة عربية بما في ذلك المغرب نفسه من جهة أخرى.
في الواقع، تنبه المغرب إلى مدى خطورة هذا النشاط الذي يصب في إثارة الغرائز المذهبية والطائفية منذ ما يزيد على ثلاثة عشر شهرا عندما أوقف شبكة تمارس الترويج للأفكار المذهبية مستخدمة أغطية عدة بما فيها الأعلام. ويبدو أن السلطات المغربية تابعت تحقيقاتها لتكتشف أن هناك ما يهدد بالفعل الوحدة الوطنية في المغرب ونسيج المجتمع الغربي. وتحدّث البيان الصادر عن وزارة الخارجية والتعاون في هذا المجال عن نشاطات quot;تستهدف الأساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السنّي المالكيquot;.
ولكن أبعد من البيان الصادر عن وزارة الخارجية في الرباط، يأتي الموقف المغربي من إيران بمثابة أشارة إلى مدى خطورة دورها على الصعيد الأقليمي. كل ما فعله المغرب أنه دق ناقوس الخطر وقال في العلن ما يقوله آخرون في الخفاء. ليس سرا أن الهدف الإيراني تفتيت المنطقة العربية. يدل على ذلك ما تفعله إيران في البحرين أضافة إلى أستمرارها في إحتلال الجزر الأماراتية الثلاث منذ العام 1971، أي منذ أيام الشاه. هل الإحتلال الإسرائيلي للأرض العربية حرام والإحتلال الإيراني حلال؟
لم يتغيّر شيء في إيران، أو على الأصح في السياسات الخارجية لبلد يعتبر نفسه أمبراطورية فارسية ويحن دائما إلى هذا الدور المهيمن في الشرق الأوسط. هناك بكل بساطة جهد إيراني دؤوب يصب في أتجاه أستيعاب المنطقة العربية وجعلها تحت جناح الأمبراطورية الفارسية. على سبيل المثال وليس الحصر، تمتلك إيران في لبنان اليوم قرار الحرب والسلم عن طريق ميليشيا مسلحة تابعة لها هي quot;حزب اللهquot;. الحزب ليس في النهاية سوى لواء من ألوية quot;الحرس الثوريquot; بعناصر لبنانية تتلقى تعليماتها من كوادر إيرانية أو تدربت في إيران. ما حققته إيران في لبنان، وصولا إلى اليوم الذي أثبت فيه quot;حزب اللهquot; أنه قادر على إحتلال بيروت في ساعات وأذلال أهلها كما حصل في السابع من مايو- أيار الماضي، جاء نتيجة جهود مستمرة منذ ما يزيد على ثلاثة عقود تستهدف تغيير طبيعة تركيب لبنان وطبيعة تركيب الطائفة الشيعية الكريمة وتغيير طبيعة المجتمع الشيعي الذي هو جزء لا يتجزأ من المجتمع اللبناني المنفتح على الآخر من دون عقد وبعيدا عن أي نوع من أنواع التزمت. أقام quot;حزب اللهquot; دولة داخل الدولة اللبنانية، دولة أقوى من الدولة اللبنانية تدور في الفلك الإيراني عن طريق نشر ثقافة مختلفة، هي ثقافة الموت. وسمح له ذلك بشن quot;غزوة بيروتquot; التي أستهدفت في السنة 2008 تأكيد أن كل ما في المدينة تحت السيطرة الإيرانية لا أكثر ولا أقل وأن لإيران موطئ قدم على البحر المتوسط...
من في حاجة إلى دليل آخر على مدى خطورة الدور الإيراني، يستطيع الأكتفاء بمتابعة ما شهدته السعودية أخيرا من أحداث ذات لون مذهبي فاقع وبعض الظواهر التي تثير الأستغراب في الكويت حيث نشاط ملحوظ لمجموعات موالية لإيران بعضها لبناني وبعضها الآخر محلي. هناك أستقواء واضح بإيران وصعود للقوة الإيرانية ونفوذ طهران في كل المنطقة من منطلق أنها كانت المنتصر الوحيد في الحربين اللتين شنتهما ألولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. أكثر من ذلك، كانت إيران المستفيد الأول من الأنسحاب العسكري السوري من لبنان أثر أغتيال الرئيس رفيق الحريري. منذ الأنسحاب العسكري العسكري السوري من الأراضي اللبنانية، أستطاعت إيران ملء الفراغ الناجم عن ذلك عن طريق quot;حزب اللهquot; وقواته وباتت سوريا في حاجة إلى إيران أكثر مما إيران في حاجة أليها، خصوصا أن دمشق غير قادرة على التخلص من عقدة لبنان.
عندما تدعو أميركا إيران إلى المشاركة في أجتماع للدول المحيطة بأفغانستان، فهي تقر بطريقة أو بأخرى بأن لإيران دورا في أفغانستان. وعندما يزور رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني العراق في هذه الأيام بالذات، اي بعد برمجة عملية الأنسحاب العسكري الأميركي من البلد، فأن رفسنجاني أنما جاء إلى بغداد والنجف ليقول أن سياسته الهادفة إلى أبتلاع العراق بهدوء تسير حسب الخطة المرسومة. في النهاية، أن رفسنجاني، الذي يؤمن بالبراغماتية المطلقة، كان أفضل من عرف كيف ينتقم من العراق وكيف الأستفادة من سياسات صدّام حسين التي تميّزت بالغباء إلى أبعد حدود. جاء رفسنجاني، وهو رئيس سابق، وربما مرشد الجمهورية السلامية يوما، ليرفع علامة النصر الإيرانية في قلب بغداد وليؤكد لكل من يعنيه الأمر، خصوصا للعرب أن العراق لا يمكن ألا أن يكون في الفلك الإيراني.
لا شك أن حرب غزة الأخيرة التي أفتعلتها إيران وطريقة أستغلالها للحرب ومتاجرتها بمآسي الشعب الفلسطيني وعذاباته والأنتقال من ذلك إلى محاولة المس بمصر وأسقاط موقعها العربي، فتحت الأعين على مدى استعداد طهران للذهاب بعيدا في تماديها على العرب. كل ما فعله المغرب أنه أقدم على الخطوة التي لا يتجرّأ غيره على القيام بها. المهم الآن، أن لا تبقى الخطوة المغربية يتيمة. ليس مطلوبا أن تقطع الدول العربية كلها العلاقات مع إيران. المطلوب موقف عربي موحد فحواه أن اللعبة الإيرانية لم تعد تنطلي على أحد وأن المشروع الإيراني الذي ينفذ حاليا، خصوصا في مجال أثارة الغرائز المذهبية يصب في نهاية المطاف في مصلحة دولة عنصرية أسمها أسرائيل. هل يقدم العرب على خطوة في الأتجاه الصحيح، أم يستمرون في التفرج على إيران تعزز مواقعها في كل أنحاء الشرق الأوسط على حساب كل ما هو عربي فيه!