مؤسف أن لا يكون هناك تجاوب جزائري مع مضمون الخطاب التصالحي الذي ألقاه الملك محمد السادس والذي تضمن دعوة صادقة ألى تعاون بين دول المنطقة من أجل أن تكون هناك أنطلاقة جديدة للأتحاد المغاربي. هناك من يسعى ألى الأرتباط بالمستقبل وهناك من يصرّ على البقاء في أسر الماضي، بل في أسر كل سيئاته. ما هو مؤسف أكثر من ذلك، أن يتحدث مسؤولون جزائريون عن quot;خلافات داخلية في المغربquot; بغية تبرير عدم التجاوب مع دعوة العاهل المغربي ألى تفادي quot;بلقنةquot; المنطقة. من حق المغرب أبداء قلقه من بلقنة المنطقة عندما يتبين أن الجزائر تسعى ألى محاربة الأستقرار فيها عن طريق أستخدام جبهة quot;بوليساريوquot; في لعبة لا تستهدف سوى أستنزاف المغرب لا أكثر ولا أقلّ. وكأن أستنزاف المغرب في لعبة أسمها الصحراء الغربية يفيد الجزائر في شيء، أو خدم الوضع الأقليمي والأستقرار فيه. بكلام أوضح، لا تصب اللعبة الجزائرية التي باتت مكشوفة ألى حد كبير سوى في خدمة زعزعة الأستقرار الأقليمي بدل خلق مجالات لتعاون بين دول المغرب العربي يساعد في التعاطي بشكل موحد وبطريقة أفضل ومن موقع قوة مع التكتلات الأقليمية على رأسها الأتحاد الأوروبي ومع التحديات الأقليمية، في مقدمها التنمية الداخلية والحرب على الأرهاب والتطرف.
من الواضح أن الجزائر أختارت أضعاف الأتحاد المغربي لأغراض خاصة بها. أنها العقدة القائمة على فكرة خاطئة تماما فحواها أن في أستطاعة الجزائر لعب دور القوة الأقليمية المهيمنة مستفيدة من أي ضعف مغربي. ينسى النظام الجزائري أن مثل هذا النهج لا علاقة له بالواقع. ما ينساه خصوصا أن المغرب أستطاع، على الرغم من أنه ليس دولة نفطية، تحقيق تقدم كبير في السنوات الأخيرة وتجاوز أزمات ضخمة بدءا بتطوير أقتصاده وأمكاناته والأنفتاح على الأستثمارات العربية والأجنبية وخوض الحرب على الفقر، في حين ان الجزائر لا تزال أسيرة أسعار النفط التي لا مستقبل لها من دونها. تحسن أقتصادها مع تحسن أسعار النفط وليس مستبعدا أن يصاب هذا الأقتصاد بأنتكاسة في حال تدهورت اسعار النفط كما حصل في المرحلة التي سبقت أحداث العام 1988 التي هزت الأسس التي يقوم عليها النظام وفرضت تغييرات كبيرة شملت اعادة النظر في نظام الحزب الواحد من دون الأنتقال ألى أبعد من ذلك، أي الى أدراك ان الجزائر دولة عادية في حاجة ألى توظيف ثروة النفط والغاز في خدمة شعبها ورفاهه وفي خدمة الحرب على الأرهاب والعمل من أجل أستقرار أقليمي حقيقي ذي مضمون حضاري على تماس مع ما يشهده العالم من تطورات على كل الصعد.
من يتمعن في الرد الجزائري على الأنفتاح المغربي الذي يشمل أقامة علاقات طبيعية بين البلدين وأعادة فتح الحدود المغلقة بينهما منذ العام 1994 فضلا عن دعم الحكم الذاتي للصحراء الغربية، يرى أن الجزائر لا تزال أسيرة العقدة القديمة التي لا تزال تتحكم بتصرفات النظام. أنها عقدة المغرب. يحتاج تجاوز العقدة ألى رجال دولة وليس ألى رئيس للجمهورية يعتقد في السنة 2008 أن في أستطاعته تقمّص دور هواري بومدين في الستينات والسبعينات من القرن الماضي... كي يشعر بالنشوة وبأن بلده صار لاعبا على الصعيدين الأقليمي والدولي.
قبل كل شيء، كان بوتفليقة وزير الخارجية في عهد بومدين ولم يكن بومدين نفسه الذي مثّل المؤسسة العسكرية والأمنية وهيمنتها على السلطة. وليس صدفة أن المؤسسة العسكرية والأمنية فرضت الرجل العسكري الذي أسمه الشاذلي بن جديد خليفة لبومدين بعيد وفاته وأستبعدت بوتفليقة، كما أستبعدت الرجل القوي في الحزب الحاكم محمد صالح يحياوي. لا علاقة للمرحلة الراهنة التي تعيشها المنطقة والعالم بما كان سائدا في الستينات والسبعينات. أكثر من ذلك أن ظروف عبد العزيز بوتفليقة تختلف كليا عن ظروف هواري بومدين. كانت تجربة بومدين تجربة خاصة وفريدة نظرا ألى أنها كانت مرتبطة بالحرب الباردة والأنقلابات العسكرية والشعارات الطنانة التي لا تقدم ولا تؤخر. كان العالم مختلفا وكانت الجزائر مختلفة وكانت التحديات التي تواجهها من نوع مختلف. هل يدرك الرئيس بوتفليقة الساعي ألى تمديد ولايته هذه المعطيات وأهميتها أم يعتقد أن التصرفات الدونكيشوتية ستسمح له بلعب دور quot;البطل الوطنيquot; من منطلق أن مثل هذه التصرفات ستتيح له بالمزايدة على المؤسسة الأمنية التي ترى في أزمة الصحراء باب رزق لبعض الضباط الذين يتاجرون بالصحراويين وقضيتهم؟ أنها قضية لا يمكن أن تجد لها حلا ألاّ في أطار مشروع الحكم الذاتي الذي تطرحه المملكة المغربية؟
يفترض في الرئيس الجزائري الذي يخوض بنجاح معركة تعديل الدستور من أجل الحصول على ولاية رئاسية أخرى أن يدرك أن في أستطاعته ترك بصماته على تاريخ الجزائر والمنطقة عن طريق الأقدام على نقلة نوعية يتجاوز من خلالها عقدة المغرب. مثل هذه النقلة النوعية تقتضي خطوة شجاعة تصب في النهاية في خدمة الشعب الجزائري بدل الأستمرار في بيعه الأوهام. من يريد بالفعل خدمة الشعب الجزائري لا يستخدم قضية الصحراء وأغلاق الحدود مع المغرب لأظهار ولائه للمؤسسة الأمنية والعسكرية وأنقياده لها، مع المزايدة في الوقت ذاته على المتاجرين بالصحراء والصحراويين. من يريد بالفعل خدمة الشعب الجزائري والبحث عن مستقبل أفضل لهذا الشعب وعن حلول حقيقية للمشاكل التي يعاني منها البلد، يفكر في كيفية جعل الجزائر في حلّ من أرتفاع أسعار النفط والغاز وهبوطها بدل أن تكون تحت رحمتها. من يفكر في كيفية مواجهة تحدي الأرهاب الذي لا يزال يضرب يوميا في هذه المنطقة الجزائرية أو تلك، يفكر أولا في التعاون ذي الطابع الأقليمي الذي من دونه لا قضاء على الأرهاب والفكر المتطرف.
تحتاج المرحلة الراهنة ألى قادة حقيقيين وليس ألى مزايدات ومزايدين في حال كان مطلوبا الأنتقال بالأتحاد المغربي ألى مرحلة يأخذه فيها الأتحاد الأوروبي والعالم على محمل الجد. الطريق واضحة كل الوضوح. أنها طريق التعاون والأنفتاح على الآخر. المدخل معروف. أنه الحكم الذاتي للصحراء الغربية. من يرفض الحل أنما لا يريد حلا بمقدار ما أنه يعتقد أن مستقبله مرتبط بأستمرار الأزمة وبأستمرار حال البؤس السائدة لدى الصحراويين في مخيمات تندوف. مثل هذا النهج دليل على قصر نظر لا أكثر. أنه الطريق الأقصر ألى كارثة جديدة تحل بالجزائر على غرار تلك التي حلت بعد أحاث تشرين الأول- أكتوبر 1988 والتي لا يزال شبحها مهيمنا على المشهد الجزائري. أنه دوران في الحلقة المقفلة لا أكثر ولا أقل. هل في أستطاعة بوتفليقة كسر الحلقة، أم أن الولاية الجديدة أهم بكثير، بالنسبة أليه، من مستقبل الجزائر والرفاه لشعبها المغلوب على أمره؟