من يستمع إلى السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; يلقي خطبة quot;الأنتصارquot; في حرب غزة، يعتقد أن الجيش الفلسطيني يطوق تل أبيب وأنه في طريقه إلى استعادة القدس وحيفا ويافا... وصولا إلى الجليل شمالا والنقب جنوبا. أذا كان ما حل بغزة أنتصارا، فما هي إذا الهزائم وما مفهوم السيد مشعل للهزائم؟
معيب أن يكون هناك سكوت عربي على quot;حماسquot; بعد حرب غزة التي ذهب ضحيتها هذا العدد الكبير من الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني لمجرد أن quot;حماسquot; تعتقد أن أطلاق الصواريخ صار quot;مقاومةquot;. من يتحدث عن quot;أنتصارquot; ألهي أو غير ألهي بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، أنما يكذب على نفسه أوّلا ويسعى إلى بيع الشعب الفلسطيني الأوهام ثانيا. أنه تمهيد لكارثة جديدة تحل بالشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الحرجة التي تمر فيها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، عفوا من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر. هناك من يريد استخدام الشعب الفلسطيني مجددا وقودا في معاركه من أجل بقاء هذا الشعب من دون دولة. هناك بكل بساطة من يراهن على أن الفلسطينيين لا يمكن أن يمتلكوا مشروعا سياسيا قابلا للحياة وأن عليهم أن يظلوا إلى أبد الآبدين بضاعة يتاجر بها هذا الطرف العربي أو غير العربي أو ذاك لأغراض مرتبطة بالصراعات الأقليمية أولا وأخيرا وبكل ما لا علاقة له بالقضية الفلسطينية.
مؤسف أنه لم يخرج من بين العرب من على أستعداد لتسمية الأشياء بأسمائها وتسمية الهزيمة بالهزيمة، اللهم ألا أذا كان سقوط ما يزيد على ألف وثلاثمئة شهيد فلسطيني وتدمير ما يزيد على أربعة آلاف منزل وتشريد أربعة آلاف عائلة وسقوط آلاف الجرحى من أجل العودة إلى الوضع الذي كان سائدا قبل الحرب الأخيرة ... انتصارا. أين الانتصار؟ هل انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة يشكل أنتصارا؟ ألم تكن هذه القوات خارج غزة منذ العام 2005؟ أم أن الأنتصار في تركيز السيد مشعل على معبر رفح مجددا بهدف إحراج مصر ليس ألاّ... وكأن معبر رفح صار يختصر القضية الفلسطينية؟
أعتماد بعض الجدية يبدو ضروريا في هذه المرحلة بالذات. الجدية مطلوبة في مواجهة الحقيقة والواقع بدل الغرق في الشعارات التي لا تغني ولا تسمن. لا يمكن للشعارات أخفاء الواقع المتمثل في أن quot;حماسquot; بررت الجريمة الإسرائيلية في حق غزة وأهل غزة. هل أطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية يستأهل كل هذا الخراب والدمار والتضحيات، أم أن لا قيمة لحياة الأنسان لدى من يعتنق ثقافة الموت ويجعل منها مبدأ في الحياة؟
من يريد خدمة القضية الفلسطينية بالفعل وليس المتاجرة بالفلسطينيين القول بأعلى صوت أن مطلب التحدث إلى quot;حماسquot; الذي عبر عنه رئيس المكتب السياسي للحركة من دمشق أكثر من مشروع. لكن العالم لن يتعاطى مع quot;حماسquot; في حال لم تلتزم بوضوح البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية من دون أي مواربة من أي نوع كان. لغة الشعارات لا تفيد. لغة الصواريخ مؤذية لقضية الشعب الفلسطيني ومقاومته. المخرج من المأزق، بالنسبة إلى quot;حماسquot; واضح كل الوضوح. كل ما عليها أن تفعله القبول بحكومة وحدة وطنية أو وفاق وطني، لا فارق، تعتمد البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية التي هي في نهاية المطاف مرجعية السلطة الوطنية الفلسطينية. كل ما عدا ذلك شعارات طنانة فارغة تصلح لأمر واحد لا غير هو رسم الطريق الأقصر إلى كارثة جديدة تلحق بالشعب الفلسطيني وقضيته.
لا وجود لشيء أسمه برنامج quot;المقاومةquot; على طريقة quot;حماسquot;. الكلام عن مثل هذا الكلام دليل أفلاس يكشف في الوقت ذاته رغبة في أقامة كيان منفصل عن الضفة الغربية في القطاع. كانت الحرب الأخيرة ثلاث هزائم في هزيمة واحدة. تمثلت الهزيمة الأولى في ما لحق بغزة وأهلها جراء آلة الدمار الإسرائيلية. وتمثلت الهزيمة الثانية في فشل الحملة على مصر التي كانت هدفا لquot;حماسquot; وللذين يحركونها من أتباع المحور الأيراني- السوري. وتمثلت الهزيمة الثالثة في موقف أهل الضفة الغربية من أحداث غزة. أظهر الفلسطينيون أنهم بالفعل شعب واحد، لكن أهل الضفة رفضوا الأنجرار خلف دعوات زعماء quot;حماسquot; إلى القيام بأنتفاضة ثالثة وعبروا عن أعتراضهم على ما تقوم به أسرائيل بطريقة حضارية. أكّدوا بذلك أنهم تعلموا شيئا من دروس الماضي ...
لا الصياح ينفع ولا الشعارات تنفع. كل ما هو مطلوب الآن أقرار quot;حماسquot; بهزيمتها السياسية والعسكرية والعودة إلى كنف الشرعية الفلسطينية والعمل على تشكيل حكومة تتولى الأشراف على أعادة أعمار غزة بفضل المساعدات العربية والدولية. على quot;حماسquot; بدل الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية تعتمد برنامج quot;المقاومةquot;، أي بدل دعوة الفلسطينيين إلى أختصار الطريق إلى كارثة جديدة أن تطرح على نفسها سلسلة من الأسئلة. من بين هذه الأسئلة. لماذا لم يتجرأ quot;حزب اللهquot; على الأعلان عن تبنيه أطلاق ولو مجرد صاروخ واحد على أسرائيل أنطلاقا من جنوب لبنان؟ لماذا لم تؤيد دمشق quot;حماسquot; بغير الشعارات التي تذكر بتلك التي دفعت العرب إلى هزيمة العام 1967؟ ما الذي فعلته أيران، التي تحتل الجزر الأماراتية الثلاث، بأستثناء أستخدام الحرب على غزة للشماتة بالعرب والتحريض على أنظمة عربية معينة؟
لعل أخطر ما شهدته المنطقة على هامش العدوان الإسرائيلي على غزة، بروز التحالف الذي أقامته أيران ورعته بين المتطرفين الشيعة والسنة في المنطقة العربية بهدف زعزعة أنظمة عربية معينة خدمة لطموحاتها الأقليمية. أنها طموحات لا تتعارض بأي شكل مع الطموحات الإسرائيلية ما دام الدم الذي يزهق دما فلسطينيا ولبنانيا وعراقيا. كيف تقبل quot;حماسquot; لعب مثل هذا الدور الذي يصب في النهاية في مصلحة التطرف والتعصب الديني والمذهبي. هل من خدمة تقدّم لأسرائيل أكبر من هذه الخدمة؟