لم يكن ينقص الاجتماع التشاوري في قطر، أو بالأحرى quot;مهرجان الدوحة الخطابيquot;، سوى أن يدعو القائمون عليه حسن نصر الله وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري، حتى يستحق بجدارة صفة quot;كارتيلاتquot; المناضلين من جيوب الآخرين والمجاهدين بدماء البسطاء، ولعل إطلالة واحدة على المدعوين سنكتشف ببساطة أن من بينهم مطلوبين للمحاكم الدولية، وآخرين متهمين في قضايا اغتيالات، أو متورطين في جرائم تطهير عرقي ضد شعوبهم، ناهيك عن مغتصبي السلطة عبر الانقلابات.
وأخيراً هاهو مهرجان الدوحة يلتئم وينفض، وقد تصدر سمو أمير قطر المنصة، وتبارى الأسد والبشير ونجاد وغيرهم في إلقاء الخطب النارية، وجلس أصحاب السمو والفخامة مع quot;شلّحquot; وquot;مشعلquot; وبقية أمراء الحرب، الذين لا يكفون عن ممارسة السمسرة السياسية، من خلال استثمار دماء الضحايا في غزة لحصد مكاسب تارة لمنظماتهم الإرهابية، وتارة أخرى بالوكالة عن أنظمة مأزومة مثل إيران وسورية والسودان وغيرهم، ودائماً لصالح بقائهم في صدارة المشهد كزعماء يشار لهم بالبنان، ويقيمون مع أسرهم بفنادق النجوم الخمس، بينما يدفع فقراء غزة الثمن من دمائهم وقوت أبنائهم وأمنهم وأبسط حقوقهم الإنسانية.
ولعل السؤال المزعج هنا عما الذي يمكن أن تقدمه قطر لأهالي غزة، خلافاً للمكرمة الأميرية التي وعد بها، والتي ستصب لصالح منظمة quot;حماسquot; وبالتالي ستبقى quot;ملايين الأميرquot; الموعودة رهينة بقرار أمراء الحرب، الذين سيوزعونها بالطبع على أنفسهم وأتباعهم، مع هامش للمضحوك عليهم والضالين، ممن قد يلفون خواصرهم بالأحزمة الناسفة، مع وعد بالفوز بسبعين من الحور العين.
نسيت أيضاً الإشارة لقرار quot;تجميدquot; أنشطة المكتب الإسرائيلي في الدوحة، والحقيقة أنني لا أفهم لماذا كان هناك أساساً مكتب للتمثيل الإسرائيلي في الدوحة، خاصة أن قطر ـ كما تؤكد حقائق التاريخ والجغرافيا ـ لم تكن يوماً في مواجهة مع إسرائيل، ولماذا لم يمتد الأمر إلى حد quot;إغلاقquot; قاعدتي quot;العديدquot; وquot;السيليةquot; اللتين تنطلق منهما طائرات (F 16) حاملة القنابل الارتجاجية التي دكّت غزة وتواصل تدميرها، وهنا يبدو سلوك الدوحة السياسي بالغ التناقض إلى حدٍ يستعصي على الفهم.
فما معنى أن تحتضن قطر القيادة العسكرية الوسطى ـ وهي أكبر قاعدة أميركية في الخارج ـ بينما تحتضن في نفس الوقت قادة تنظيم quot;الإخوان المسلمينquot;، بدءاً بالشيخ يوسف القرضاوي، الذي منحته جنسيتها، التي سبق لها أن سلبتها من قبيلة كاملة تضرب بجذورها في المكان والزمان، وصولاً إلى معظم العاملين في شبكة quot;الجزيرةquot; الفضائية، والتي أصبحت الآن واحدة من أهم إدارات الخارجية القطرية وأقوى أدواتها في ممارسة الضغوط، وتجييش مشاعر الغوغاء.
وما معنى أن تواصل قطر التنسيق الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل، في وقت تُصّر فيه على دعوة quot;الحابل والنابلquot; لقمة طارئة، بينما تعمل آلة الدبلوماسية العربية بكامل طاقتها في القاهرة والكويت والرياض وداخل أروقة مجلس الأمن، وتتأهب الكويت لاستقبال القادة العرب في قمة جرى الإعداد لها منذ مدة طويلة، ولماذا لم يحملوا ما لديهم من آراء لقمة الكويت بدلاً من إقامة عدة مآتم لجنازة واحدة، لكن ما حدث أن رجل الدوحة القوي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، أمسك بتصريح غير محسوب لأحد الدبلوماسيين قال فيه: إن الوضع في غزة ستجري مناقشته quot;على هامشquot; قمة الكويت، وعلى الفور انطلقت آلة quot;الجزيرةquot; الفضائية لتعيد وتزيد وquot;تلت وتعجنquot; على طريقة quot;إمساك الكلام من شواشيهquot; كما يقال في صعيد مصر، لمن يقتنص لفظاً ويبتسره من سياقه لإثبات صحة نتيجة وضعها مسبقاً.
إذن فقد حضر quot;شلّحquot; وquot;مشعلquot;، وغاب quot;أبو مازنquot;، وأخشى أن هذا الوضع غير المبرر لن يعمق الانقسام الفلسطيني بتجاوز الدور التاريخي لمنظمة التحرير فحسب، لكنه أيضاً يدعم الانقلاب quot;الحمساويquot; على الشرعية الفلسطينية، ويشكل إرهاصة مبكرة تبشر بقرب قيادة المنظمات الدينية المتطرفة لدول المنطقة، فإذا كانت quot;حماسquot; إحدى تجليات التنظيم العالمي للإخوان فهذا يدفعنا للتساؤل عن مصلحة الدوحة في تقديم كل هذا الدعم اللوجيستي لجماعات انقلابية، اللهم إلا إذا كانت رعاية الانقلابيين أصبحت quot;رسالة قطريةquot;، لسبب نفسي يتعلق بالوفاء للمنهج الذي حمل حاكمها إلى مقعد السلطة.
يضغط أمراء الحرب في quot;حماسquot; على الحروف وهم يخوضون في شؤون السياسة بقعقعة خطباء المنابر عن quot;العدو الصهيونيquot;.. طيب آمنا بالله، إذا كان quot;عدواًquot; فهل تتوقعون منه أن يرشكم بماء الورد؟، ولماذا نحسن الظن بمن نصفهم بالأعداء ونتوقع منهم أن يكونوا رحماء عمن يقدمون أنفسهم باعتبارهم quot;المجاهدين في سبيل اللهquot;، ورغم ذلك يتشبثون بالسلطة غير مكترثين بدماء الأبرياء، الذين لا ناقة لهم ولا بعير في ما يعشش في عقول quot;أمراء الحربquot; من أوهام وترّهات وحسابات معقدة مع هذه العاصمة أو تلك.
مازالت التساؤلات تعتصر رأسي: ما الذي ستجنيه دولة في ظروف قطر الجغرافية والسياسية من وراء كل هذا الدعم المجاني للقوى الراديكالية في المنطقة، من دويلة quot;حزب اللهquot; اللبنانية إلى إمارة quot;حماسستانquot; الغزاوية، وصولاً إلى الاحتفاء بـquot;عصبة المأزومينquot;، ممن تحكمهم ذهنية المنظمات السرية، والمثير للدهشة أنهم من مشارب شتى لم يكن يخطر بالبال أن يجتمعوا تحت سقف واحد، دوغما اليسار والقوميين الفاشيست جنباً إلى جنب مع أخبث نماذج اليمين الديني المتعصب، وقد وجدوا أنفسهم فجأة في خندق واحد، برعاية قطرية كريمة..
الرسالة باختصار هي.. أن العالم لم يعد يتسع لمثل هذه المنظمات الإرهابية الخرقاء، ولا لمن يؤيدها، ولا حتى لمن يصمت على ممارساتها.
والله غالب على أمره
[email protected]