شهوة التصنيف وعشق المقارنات، بين الرئيس أوباما وسلفه الرئيس بوش، سيمتد للمائة يوما القادمة، في معظم وسائل الإعلام والميديا، وأولها الإعلام الأمريكي الذي يروج منذ فترة لفكرة، أن إدارة الرئيس أوباما الجديدة تحمل في أجندتها تغييرا سياسيا كبيرا، خصوصا مع خروج المحافظين الجدد من مواقع القرار والقيادة، وجلوس quot;الواقعيين الجددquot; على كراسيهم، مما يعني نهاية مفهوم الضربة الاستباقية في السياسة الخارجية لتحل مكانها حوارات quot;تحت الطاولةquot; وquot;القوة الناعمةquot;.
خطاب تنصيب أوباما أو الرئيس الأمريكي ال 44 حمل مبادئ الحزب الديموقراطي التقليدية، وألاعيبه الكلامية أيضا: حديث ايجابي عن طريق جديد مع العالم الإسلامي، وتهديد صارم لكل من يريد تحقيق أهدافه بالإرهاب وقتل الأبرياء. التبرؤ من القادة الديكتاتوريين في العلن والعمل معهم في الوقت نفسه بلا كلل، وهي مفارقة لن تستمر طويلا.
أوباما بدأ بتصفية الحساب مع حقبة سلفه الجمهوري مبكرا، بالانسحاب المسئول من العراق إلي إغلاق معتقل غوانتانامو في غضون عام، مرورا بإنهاء إرث المحافظين الجدد ومرجعيتهم الدينية، وصولا إلي تجديد التحالف مع أوروبا (القديمة والجديدة)، وكل الأصدقاء.
أوباما يحرم بذلك الديكتاتوريين من حكام المنطقة، والإرهابيين وأصحاب فتاوي التكفير وإهدار الدماء من كل ذريعة ممكنة، وهو جاد في تهديده ووعيده، بمحاربة الإرهاب والاستبداد، وشيوخه وقواعده.
ففي كلمته الأولي بعد الفوز بالرئاسة الأمريكية في مدينة شيكاغو الأمريكية يوم الرابع من نوفمبر 2008، قال أوباما: quot;إلى الذين يريدون تمزيق العالم وخرابه أقول سنهزمكم، وإلى الذين يريدون السلام أقول سنؤيدكمquot;.
وقد حلل الدكتورquot;مأمون فنديquot; هذه العبارة في مقاله المعنون بـquot;نهاية اليمين العالمي المتطرف!quot; بجريدة الحياة اللندنية، بقوله: quot;الشق الأول في هذه العبارة يعني أن أوباما قد هزم اليمين المتطرف في الداخل، وهو يستعد الآن لمواجهة اليمين المتطرف في الخارج. أوباما سيكون أكثر شراسة مع بن لادن والظواهري وكل تنويعات التطرف، لأنه ضد اليمين المتطرف في الداخل والخارج. معركة اليمين المتطرف المسيحي واليهودي ضد اليمين المتطرف الإسلامي، التي أنتجت مقولات مثل صراع الحضارات للمفكر الأمريكي الذي رحل عن عالمنا قبل أيام قليلة quot; صموئيل هنتنجتون quot;، وما شابهها، هي نتاج معارك الشوارع الخلفية للتاريخ في إمبابة وبيشاور وفينسبري باركrlm;،rlm; كليشيهات وقوالب جاهزة يروج لها باعة الفكر الجوالونrlm;. مقولات نتجت خارج الحلبة الفكرية العالميةquot;.rlm;
أوباما سيعمل علي تعزيز السياسات الديموقراطية في العالم، وعلي تأكيد الروابط والتعاون بين الدول الديموقراطية، خاصة أن المشكلات والتحديات والأزمات الجديدة أصبحت تتطلب نظاما لا مركزيا عالميا يرتكز علي دوائر أو مستويات أوسع من حدود وقدرات الدولة، حتي لو كانت بحجم الولايات المتحدة، بالنسبة إلى بعض الأمورrlm;، وأضيق من هذه الحدود والقدرات في أمور أخرىrlm;، أو قل ان الدولة أضحت اليوم أصغر كثيرا من أن تقدر علي الأشياء الكبيرة rlm;، وأكبر كثيرا من أن تقدر علي الأشياء الصغيرة، وهي حقيقة لم يلتفت إليها المحافظون الجدد أو إدارة الرئيس بوش.
قبل عقد من الزمان أكد العالم الأسترالي كورال بيل: إن التحدي الأمريكي في الألفية الثالثة، هو أن تعترف أمريكا بتفوقها بشرط أن تدير سياستها، كما لو كانت تعيش في عالم ملئ بمراكز القوي ففي مثل هذا العالم ستجد الولايات المتحدة شركاء ليس في تقاسم الأعباء النفسية للقيادة فحسب بل في صياغة نظام دولي جديد يتماشي مع الحرية والديمقراطية.