الفلسفة والأصالة صنوان، وأنت في مجال الفلسفة لا تملك إلا ان تكون نفسك، وليس مجرد مسخ شائه. المشكلة في العالم العربي أننا نعاني من quot;التشرقيةquot;، والمصطلح لألبرت حوراني طبعا وليس لي، وهي بكلمة واحدة (انعدام الأصالة). والفرد التشرقي هو الذي يعيش في الوقت نفسه، في عالمين أو أكثر دون أن ينتمي إلي أي منهما. وهو الذي يتمكن من تلبس الأشكال الخارجية المشيرة إلي تملك جنسية معينة أو دين أو ثقافة، دون أن يملكها بالفعل.
quot;وهو الفرد الذي لم تعدله قيمه الخاصة ولم يعد قادرا علي الخلق بل علي المحاكاة فحسب. وحتي المحاكاة لا يقوم بها بشكل دقيق، لأنها هي أيضا تقتضي نوعا من الأصالة. انه انسان لا ينتمي إلي أي مجتمع ولا يملك أي شئ خاص به. وهذا واقع يعبر عن نفسه في حالة تتصف بالضياع والإدعاء والسخرية واليأسquot;.
فقد لاحظ هابرماس، شيخ الفلاسفة في العالم اليوم، في الإرهابيين الذين دمروا برجي التجارة في 11 سبتمير 2001، عدم التزامن الحاصل بين الدوافع والوسائل، فالأولي تنتمي إلي ما قبل التاريخ والثانية تنتمي إلي ما بعد الحداثة، وهو ما يعكس - برأيه - عدم التزامن الموجود بين الثقافة والمجتمع في البلاد العربية والإسلامية.
وأسهمت هذه quot;الثقافة التشرقيةquot;، في نشوء فئة مهمة اجتماعيا هي فئة المثقفين quot;المحدثينquot;. وهذه الفئة المنفصمة ثقافيا هي موضوعيا أقوي حليف للنظم السلطوية الاستبدادية، وألد عدو للحداثة الحقيقية، حسب هشام شرابي في كتابة quot;البنية البطركية، بحث في المجتمع العربي المعاصرquot;.
يقول: quot;الخاصية الرئيسية للوعي quot;المحدثquot; هي نزعته إلي تحويل النماذج إلي أصنام. وهذا اتجاه نلاحظه في المجتمع العربي من خلال الطريقة التي يتم بها تلقف العلم واللباس والانتاج الفني وحتي النظريات السياسية كنماذج مرشدة. ويتصف هذا الوعي المنمذج بنزعتين مترابطتين ومتعاضدتين هما المحاكاة والإمتثال. هكذا تثبت الأفكار والأعمال والقيم والمؤسسات أو تنقض، لا اعتمادا علي نهج نقدي مستقل، (وهو جوهر الفلسفة)، بل اعتمادا علي نموذج خارجي بإستمرارquot;.
لذلك لا أستغرب تحول معظم مدرسي الفلسفة في المدارس والجامعات العربية اليوم إلي مجرد quot; دعاة quot;، بينما تعاني القلة القليلة منهم، وتناضل من أجل البقاء، في جو خانق يكفر الفلسفة والفلاسفة، وفي أفضل الأحوال يستهزأ بهم. كما انني لم أفاجأ بتجفيف منابع التعليم من الفلسفة في مختلف البلاد العربية، وأشير هنا بالتحديد إلي المقال الرائع والكاشف للدكتور أحمد البغدادي وعنوانه: quot; حسنا فعلتم.. الفلسفة ليست لكم quot; في جريدة السياسة الكويتية، حيث انطلقت حديثا دعوات لإلغاء مادة الفلسفة في الكويت، وهي تستشهد بما فعلته مصر بالفلسفة منذ سنوات، حيث أصبحت الفلسفة مادة اختيارية في المرحلة الثانوية، بحجة تطوير التعليم وتخفيف المواد واتاحة فرصة الاختيار للطالب، الذي هو مبرمج أصلا دينيا وتعليميا وإعلاميا، علي الحفظ والتلقين والاستظهار، وكل ما هو ضد التفكير والتساؤل والنقد، ناهيك عن الإبداع.
والتفكير في حد ذاته مقلق، وإعمال العقل غير مرغوب فيه، والنقد مرفوض من الساسة ورجال الدين علي السواء. والفلسفة هي كل ذلك، لأنها ضد الزيف والتفاهة والباطل والغموض والإدعاء، إدعاء الحقيقة المطلقة، والقهربكل صوره. فقد دفع سقراط حياته ثمنا لقول الحقيقة ودفاعا عن حرية الرأي، ورفض ديكارت قبول الأشياء كما هي وكل يقين زائف، ودافع كانط عن الكرامة الإنسانية بإعلاء قيمة العقل والنقد... والقائمة تطول، ولكنها تخلو بالقطع من أي فيلسوف عربي، منذ إبن رشد.
quot;وهو الفرد الذي لم تعدله قيمه الخاصة ولم يعد قادرا علي الخلق بل علي المحاكاة فحسب. وحتي المحاكاة لا يقوم بها بشكل دقيق، لأنها هي أيضا تقتضي نوعا من الأصالة. انه انسان لا ينتمي إلي أي مجتمع ولا يملك أي شئ خاص به. وهذا واقع يعبر عن نفسه في حالة تتصف بالضياع والإدعاء والسخرية واليأسquot;.
فقد لاحظ هابرماس، شيخ الفلاسفة في العالم اليوم، في الإرهابيين الذين دمروا برجي التجارة في 11 سبتمير 2001، عدم التزامن الحاصل بين الدوافع والوسائل، فالأولي تنتمي إلي ما قبل التاريخ والثانية تنتمي إلي ما بعد الحداثة، وهو ما يعكس - برأيه - عدم التزامن الموجود بين الثقافة والمجتمع في البلاد العربية والإسلامية.
وأسهمت هذه quot;الثقافة التشرقيةquot;، في نشوء فئة مهمة اجتماعيا هي فئة المثقفين quot;المحدثينquot;. وهذه الفئة المنفصمة ثقافيا هي موضوعيا أقوي حليف للنظم السلطوية الاستبدادية، وألد عدو للحداثة الحقيقية، حسب هشام شرابي في كتابة quot;البنية البطركية، بحث في المجتمع العربي المعاصرquot;.
يقول: quot;الخاصية الرئيسية للوعي quot;المحدثquot; هي نزعته إلي تحويل النماذج إلي أصنام. وهذا اتجاه نلاحظه في المجتمع العربي من خلال الطريقة التي يتم بها تلقف العلم واللباس والانتاج الفني وحتي النظريات السياسية كنماذج مرشدة. ويتصف هذا الوعي المنمذج بنزعتين مترابطتين ومتعاضدتين هما المحاكاة والإمتثال. هكذا تثبت الأفكار والأعمال والقيم والمؤسسات أو تنقض، لا اعتمادا علي نهج نقدي مستقل، (وهو جوهر الفلسفة)، بل اعتمادا علي نموذج خارجي بإستمرارquot;.
لذلك لا أستغرب تحول معظم مدرسي الفلسفة في المدارس والجامعات العربية اليوم إلي مجرد quot; دعاة quot;، بينما تعاني القلة القليلة منهم، وتناضل من أجل البقاء، في جو خانق يكفر الفلسفة والفلاسفة، وفي أفضل الأحوال يستهزأ بهم. كما انني لم أفاجأ بتجفيف منابع التعليم من الفلسفة في مختلف البلاد العربية، وأشير هنا بالتحديد إلي المقال الرائع والكاشف للدكتور أحمد البغدادي وعنوانه: quot; حسنا فعلتم.. الفلسفة ليست لكم quot; في جريدة السياسة الكويتية، حيث انطلقت حديثا دعوات لإلغاء مادة الفلسفة في الكويت، وهي تستشهد بما فعلته مصر بالفلسفة منذ سنوات، حيث أصبحت الفلسفة مادة اختيارية في المرحلة الثانوية، بحجة تطوير التعليم وتخفيف المواد واتاحة فرصة الاختيار للطالب، الذي هو مبرمج أصلا دينيا وتعليميا وإعلاميا، علي الحفظ والتلقين والاستظهار، وكل ما هو ضد التفكير والتساؤل والنقد، ناهيك عن الإبداع.
والتفكير في حد ذاته مقلق، وإعمال العقل غير مرغوب فيه، والنقد مرفوض من الساسة ورجال الدين علي السواء. والفلسفة هي كل ذلك، لأنها ضد الزيف والتفاهة والباطل والغموض والإدعاء، إدعاء الحقيقة المطلقة، والقهربكل صوره. فقد دفع سقراط حياته ثمنا لقول الحقيقة ودفاعا عن حرية الرأي، ورفض ديكارت قبول الأشياء كما هي وكل يقين زائف، ودافع كانط عن الكرامة الإنسانية بإعلاء قيمة العقل والنقد... والقائمة تطول، ولكنها تخلو بالقطع من أي فيلسوف عربي، منذ إبن رشد.
أستاذ الفلسفة جامعة عين شمس
[email protected]
[email protected]
التعليقات