لماذا طرح السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; موضوع منظمة التحرير الفلسطينية داعيا إلى أيجاد مرجعية بديلة؟ على الرغم من تراجع عدد من قيادات quot;حماسquot; عن طرح عن طرح مشعل ومحاولتهم القول أن ما قصده الرجل ليس المس بمنظمة التحرير، بل طالب فقط بأعادة تشكيلها، فأن ما حصل قد حصل. كلام رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; عن المرجعية البديلة مسجل بالصوت والصورة. كلّ ما في الأمر أن quot;حماسquot; في حال هرب مستمر إلى أمام. أنها تهرب من هزيمتها الأخيرة في غزة إلى طرح أزمة منظمة التحرير الفلسطينية التي تعاني بالفعل من أزمة. في الواقع، أنها تهرب من فشلها الحقيقي المتمثل في عدم القدرة على هز النظام المصري من جهة وتحريك الضفة الغربية من جهة أخرى بما يؤدي إلى انقلاب شبيه بذلك الذي نفّذته في القطاع قبل سنة ونصف سنة تقريبا.
قبل الدخول في أي نقاش في شأن منظمة التحرير الفلسطينية وسعي quot;حماسquot; إلى السيطرة عليها، او ألغائها كمرجعية، كي يصبح المحور الأيراني- السوري الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لا بدّ من الأشارة إلى أن السيد مشعل ليس ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني كما أن السيد محمود عباس ( أبو مازن) ليس أحمد الشقيري أو يحيى حموده. يكفي أن quot;أبو مازنquot; يكره المزايدة والمزايدين. والشقيري كان أول من تولى رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964 إلى أن قلبه quot;أبو عمارquot; وحل مكانه في العام 1969على مرحلتين. حصل ذلك بعد أخذ quot;فتحquot; المبادرة وأطلاقها الرصاصة الأولى مطلع العام 1965 من القرن الماضي.
لم يخلف quot;أبو عمارquot; الشقيري مباشرة بل دفع بيحيى حموده إلى موقع رئيس اللجنة التنفيذية لفترة قصيرة. كان على quot;أبو عمّارquot; أنتظار هزيمة الجيوش العربية في العام 1967 ليبدأ زحفه على المؤسسات الفلسطينية ويتولى رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الثالث من شباط- فبراير 1969. أحتفظ quot;أبو عمارquot; بالموقع حتى وفاته. كان زعيما لquot;فتحquot; وquot;القائد العامquot; للقوات الفلسطينية. حصر في شخصه كل الرئاسات والمواقع المهمة، بل أختصر القضية الفلسطينية ووصل إلى قاب قوسين أو أدنى من القدس التي راح يدق بقوة على أبوابها إلى أن أرتكب سلسلة من الأخطاء، في مقدمها أتخاذه قرارا بquot;عسكرة الأنتفاضةquot; وعدم تقدير أهمية التغيرات التي شهدها العالم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001. مكنت الأخطاء إسرائيل من محاصرته في رام الله.
أستخدم ياسر عرفات منظمة التحرير الفلسطينية للدفع في أتجاه تحقيق هدف محدد يتمثل في أقامة دولة مستقلة على الأراضي التي أحتلتها إسرائيل في العام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. كانت المنظمة بالنسبة إلى الزعيم التاريخي للفلسطينيين، بأعتباره الشخص الوحيد الذي أعاد لهم أرضا، جسرا في خدمة بناء الدولة. لم يكن عرفات يوما أسير منظمة التحريرالتي كان عليها أن تتكيف مع المعطيات الأقليمية والدولية بما يسمح له ببلوغ الهدف. لذلك، توجب عليه قبول القرار 242 في مرحلة معينة وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني في مرحلة لاحقة... كل ذلك من أجل الوصول إلى حلم الدولة يوما ما.
لم تكن رئاسة منظمة التحرير هدفا في حد ذاته بمقدار ما كانت وسيلة لياسر عرفات يستخدمها من أجل تحقيق الهدف الفلسطيني. ولذلك كانت المنظمة الطرف الذي وقع quot;أبو عمارquot; بأسمه أتفاق أوسلو الذي تعود أهميته إلى كونه يتضمن quot;أعترافا متبادلاquot; بينها وبين quot;حكومة إسرائيلquot;. منذ توقيع أتفاق أوسلو، زادت أهمية المنظمة، كمرجعية سياسية فقط للسلطة الوطنية التي صارت لديه أجهزة وأدارات ومؤسسات على الأرض، بغض النظر عن الرأي فيها. كذلك، تبدلت طبيعة العلاقة بينها وبين إسرائيل من دون أن يعني ذلك زوالها كمرجعية. أخذ الصراع منحى آخر غلب عليه الطابع السياسي قبل القرار القاضي بquot;عسكرة الأنتفاضةquot;. من يبحث عن مرجعية أخرى أنما يريد رمي كل الأنجازات السياسية التي تحققت في نصف قرن والتي جعلت فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة وممثلة ببعثات في مختلف أنحاء العالم في سلة للمهملات. من يبحث عن مرجعية أخرى يتجاهل دماء آلاف الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما لديهم من أجل المشروع الوطني الفلسطيني ... دماء quot;أبو أيادquot; وquot;أبو جهادquot; وquot;أبو الوليدquot; وآخرين كثر سعوا من أجل القرار الفلسطيني المستقل أوّلا.
لا يمكن ألا الأعتراف بأن منظمة التحرير الفلسطينية ترهلن. يشبه ترهلها، الذي لا يختلف في شأنه أثنان ترهل quot;فتحquot; التي لم تعد لجنتها المركزية تضم سوى ديناصورات. لكن ذلك لا يعني شطب نصف قرن من النضال الفسطيني. منظمة التحرير تمثل حاليا رمزا أكثر من أي شيء آخر. أنها المرجعية الفلسطينية بمعنى أنها الجانب الذي بينه وبين إسرائيل أعتراف متبادل من جهة كما أنها الجانب الذي لديه البرنامج السياسي الوحيد المقبول من المجتمع الدولي من جهة أخرى.
ماذا يعني البحث عن بديل من منظمة التحرير الفلسطينية التي ترمز أيضا إلى القرار الفلسطيني المستقل؟ أنه يعني، أضافة إلى جعل القرار الفلسطيني في عهدة المحور الأيراني- السوري، تكريس الأحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وأبقاء غزة تحت رحمة آلة الدمار للعدو كما الحال عليه الآن. من يبحث عن بديل من منظمة التحرير أنما يبحث عن طريقة للتخلص من حل يقوم على فكرة الدولتين على أرض فلسطين. هل من عاقل يؤمن بنسف الحل الوحيد الذي يمكن أن يؤمن قيام دولة فلسطينية quot;قابلة للحياةquot; يمارس من خلالها الشعب الفسطيني حقوقه الشروعة quot;غير القابلة للتصرفquot; مثله مثل أي شعب من شعوب المنطقة بدل أن يكون هذا الشعب وقودا في الصراعات والنزاعات الأقليمية؟
لم يصل ياسر عرفات إلى خلاصة فحواها أن المشروع الوحيد الممكن هو مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة ألا بعد مروره في تجارب كثيرة، بما في ذلك تجربة لبنان المؤلمة وقبلها تجربة الأردن التي لم يتعلم بعض الفلسطينيين شيئا حتى يومنا هذا للأسف الشديد. كانت تجربة لبنان مرة على اللبنانيين والفلسطينيين في آن. لم تكتسب القضية الفلسطينية مناعة ألا بعد خروجها من زواريب بيروت ودهاليزها. من ينادي حاليا ببديل من مرجعية منظمة التحرير أنما يراهن على أوهام. الدول لا تبنى على أوهام ولا على أنتصارات مزيفة مثل أنتصار quot;حماسquot; في غزة. الدول تبنى أنطلاقا من فهم حقيقي لموازين القوى في المنطقة والعالم. منذ متى سوريا روسيا ومنذ متى ايران الصين... ومنذ متى يستطيع شعب غزة الصمود فعلا ةليس بالكلام والشعارات حين يكون هناك من يريد أستخدام غزة للهجوم على مصر؟ بعض الواقعية ضروري. وما قد يكون ضروريا أكثر هو بعض التواضع. والتواضع يقضي بتسمية الهزيمة بأسمها الحقيقي وليس بأي أسم آخر، بدل الهرب منها إلى البحث عن بديل من منظمة التحرير! الهرب إلى أمام يمكن أن يكون هواية، هواية أخطر ما فيها أن يمكن أن تحولها إلى حال أدمان.الأمر الوحيد الأكيد هنا أن الهرب إلى أمام لا يصلح سياسة مهما زُيّن بالشعارات والخطب المنمقة. رحم الله أحمد الشقيري الذي خدمت خطبه الرنانة الدعاية الإسرائيلية من حيث يدري أو لا يدري...ألا تذكر خطب قادة quot;حماسquot; هذه الأيام بالشقيري وبأحمد سعيد؟