كما العادة كل عامين، ينتقل مؤتمر دافوس ألى الأردن. بالنسبة ألى كثيرين كان quot;المنتدى الأقتصادي العالمي للشرق الأوسطquot; الذي استضافته مجددا هذه السنة الضفة الأردنية من البحر الميت بين الخامس عشر والسابع عشر من مايو- أيار الجاري، مثيرا للجدل. كان بالنسبة ألى عدد لا بأس به من المشاركين في المنتدى بمثابة شيء مختلف لا علاقة له بالمنتديات التي أنعقدت في الماضي أكان ذلك في البحر الميت أو في شرم الشيخ. يعود ذلك الى سببين. أولهما الأزمة الأقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها الثقيلة على المنتدى الذي بحث في quot;أنعكاسات الأزمة الأقتصادية العالمية على الشرق الأوسط. أما السبب الآخر فهو عائد ألى أن العالم لا يزال في حال ضياع، أذ بدا واضحا من خلال النقاشات التي دارت على شاطئ البحر الميت أن ليس هناك في الوقت الحاضر من هو قادر على تحديد ماهية هذه الأنعكاسات ومداها.
بأختصار، هناك من أستوعب معنى أنعقاد المنتدى في ظل الظروف الأقليمية والدولية المعقدة وتحت وطأة ألأزمة ألأقتصادية العالمية وأهمية ذلك... وهناك من رفض فهم أن العالم تغيّر وأن على المنتدى أن يتغير أيضا. كان على المنتدى التكيف مع المعطيات العالمية الجديدة ومع الوضع في الشرق الأوسط الذي أزداد تعقيدا بفعل الصعود القوي لقوى التطرف في أسرائيل وغير أسرائيل. تكمن أهمية منتدى دافوس بنسخته الشرق أوسطية في تلك القدرة على التكيف. أوليس الذكاء، أقله في جانب منه، أمتلاك القدرة على التكيف؟
ولأن المنتدى كان قادرا على التعاطي مع الواقع والمتغيرات التي يشهدها العالم والمنطقة، كان طبيعيا أن يكون طابعه مختلفا. في الماضي، كان هناك تطلع ألى المستقبل وألى ما يمكن أن يوفره الأقتصاد العالمي من فرص لردم الهوة بين العالم المتقدم من جهة والعالم المتخلف من جهة أخرى. في هذا المنتدى، كان التركيز على كيفية أصلاح العالم بشقيه المتطور والمتخلف. كان جليا أن العالم كله في أزمة. ربما أكتسب المنتدى أهميته من زاوية أنه عكس عمليا ما يدور في العالم لاأكثر ولا أقل. كان مرآة حقيقية وواقعية للوضعين الأقليمي والعالمي بكل ما فيهما من تعقيدات تشير ألى أن العالم ما زال يمر بمرحلة أنتقالية بحثا عن نظام دولي جديد وذلك منذ أنتهاء الحرب الباردة مطلع التسعينات من القرن الماضي.
بغض النظر عن التقويمات المختلفة لمنتدى البحر الميت- نسخة 2009، يظل أن الأردن عرف مرة أخرى كيف يوصل رسالته التي هي رسالة سلام وأستقرار وبحث عن مستقبل أفضل لأهل المنطقة. لذلك، كرر الملك عبدالله الثاني في الخطاب الذي أفتتح به المنتدى أهمية أستغلال الفرصة المتوافرة حاليا من أجل تحقيق سلام على أساس خيار الدولتين. ولعل أهم ما قاله في هذا الشأن مستذكرا نكبة العام 1948:quot; في هذا اليوم، الخامس عشر من أيار، وفي كل أنحاء العالم، يحيي الناس ذكرى النكبة، تلك الكارثة التي حلّت بالفلسطينيين قبل واحد وستين عاما. وحول موائد العائلات في هذه الليلة، سيتحدث كبار السن عن حياة كاملة من الأحزان والخسائر. أما المواليد الجدد الذين يشكلون الجيل الرابع للنكبة، نعم الجيل الرابع، فقد ولدوا ليشهدوا الصراع وينظروا ألى مستقبل غير واضح المعالم. أن هذا التاريخ ليس كارثيا بالنسبة ألى الفلسطينيين فحسب، وأنما لكل الشرق الأوسط أيضا. بل يمكنني القول للعالم أجمع. فبينما نتشارك معا في أستعادة ذكرى كل ما ضاع، وبينما تغمرنا مشاعر التعاطف مع كل من عانى، دعونا نلزم أنفسنا بالمساهمة في أيجاد الحلquot;.
كانت رسالة العاهل الأردني رسالة أمل. الأمل بحل. من يرى كيف أستطاع الأردن أعادة الحياة ألى المنطقة المحيطة بالبحر الميت عبر سلسلة من المنتجعات والفنادق ومركز كبير للمؤتمرات، يدرك أن الحياة أقوى من الموت وأن التحديات التي تواجه الأردن ليست بالضرورة من النوع الذي لا يمكن قهره متى توافرت الأرادة والعقلانية والواقعية. فالأنتصار لا يكون بالرهان على الأوهام والشعارات المضحكة- المبكية مثل شعار quot;المقاومةquot; بمقدار ما أنه رهان على العقل والمنطق. والعقل والمنطق يرددان ما ورد على لسان عبدالله الثاني في منتدى البحر الميت. تحدث عن quot;أن التحديات تواجهنا جميعا، ولا يملك أي منا الحل منفردا. ونستطيع أذا عملنا معا مواجهة تحديات توفير أنظمة التعليم الحديثة وترشيد أستهلاك المياه والثروات الأخرى النادرة وأيجاد الحلول الصحية والبيئية وتلك الخاصة بالتنمية الحضرية والأجتماعية ألى جانب الكثير من الأولويات الأخرىquot;.
هناك لغة مختلفة ومتقدمة يسمعها المرء في مؤتمر مثل quot;المنتدى الأقتصادي العالمي للشرق الوسطquot;. هناك كلام عن مشاريع حقيقية مرتبطة بتوفير المياه للأردن عن طريق تحلية المياه. وهناك كلام عن تعاون على الصعيد الدولي بين مجموعة دول أسمها مجمعة ال11. وقد عقدت المجموعة قمة لها على هامش منتدى البحر الميت. ولكن أكثر ما يسمع في الأردن هذه الأيام هو الكلام المتعلق بالجيل الشاب. بعد سنوات قليلة سيبلغ عدد الشبان في الشرق الأوسط مئتي مليون. هل من يفكر منذ الآن في مستقبل هؤلاء، أم يُتركون للتطرف والبرامج التعليمية المتخلفة؟ ثمة وعي أردني لهذا التحدي. ربما كان ذلك السبب الذي دفع عبدالله الثاني ألى توزيع جوائز في البحر الميت على شبان عرب تألقوا في مجالات مختلفة. أنه أستثمار في المستقبل. أنها رسلة أمل بأنتصار ثقافة الحياة، ليس في الأردن وحده بل في المنطقة كلها أيضا... رسالة أمل تنطلق من البحر الميت!