عشية الذكرى الرابعة لأستشهاد الرئيس رفيق الحريري، لم يفاجئ ميشال عون ألاّ الذين لا يعرفون تاريخ ميشال عون، أي أولئك الذين كانت ولا تزال لديهم بعض الأوهام بالنسبة إلى الجنرال الذي أخذ على عاتقه تهجير أكبر عدد من اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم من أرضهم ومن بلدهم . لذلك يفرح القائد السابق للجيش والنائب الحالي بأي جريمة تقع في لبنان ويحتفل بالدمار والبؤس، كونه لم يعرف في حياته سوى الهزائم. هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها للانتقام من النجاح والناجحين. أنها أيضا الوسيلة الوحيدة التي في متناوله لإظهار أنه لا يزال يمثل شيئا في لبنان. مساكين أولئك الذين يعتقدون أن ميشال عون لا يزال يمثل شيئا بأستثناء أنه أداة لدى الأدوات ليس ألا. مسكين كل من لا يزال يؤمن برجل لا يجد لنفسه مهمة أو أختصاصا سوى تغطية الجرائم التي كان لبنان مسرحا لها في مقدمها جريمة أغتيال رفيق الحريري وصولا إلى أغتيال الضابط الطيار سامر حنا... بسبب تحليقه بهليكوبتر تابعة للجيش اللبناني فوق الأراضي اللبنانية!
الموضوع، في النهاية، ليس موضوع رفيق الحريري وحده، رفيق الحريري الذي لا يستطيع الذين أستأجروا الجنرال ولا الجنرال النيل منه. في النهاية، الفارق شاسع بين النجاح والفشل بين الحليم والحاقد بين من أعاد اللبنانيين إلى لبنان ومن هجرهم منه. هناك بحر يفصل بين الشجاع الذي صمد على أرض لبنان وحاول أعادة بناء البلد حجرا حجرا وبين ميشال عون الذي فرّ إلى منزل السفير الفرنسي في بعبدا متخلّيا عن أفراد عائلته وعن جنوده وضباطه الذين تركهم يُذبحون على يد القوات السورية التي هاجمت قصر الرئاسة في الثالث عشر من تشرين الأول- أكتوبر من العام 1990. هناك محيط يفصل بين الوفاء للبنان والقيم اللبنانية وبين عسكري فاشل أمتهن الحقد والطعن في الظهر والتنكر للحق.
الموضوع الأساسي موضوع بيروت. بيروت وفية لكل الشهداء ولمن عمرّها وأعاد الحياة أليها، أي لرفيق الحريري الذي عرف كيف يعيد لبنان إلى خريطة المنطقة والعالم أنطلاقا من العاصمة التي كان أمثال ميشال عون ومعلموه القدامى والجدد، وهم أنفسهم، يريدون تحويلها إلى مزبلة. ولكن ما العمل لدى تكالب الحقد والجهل على الشهداء، بمن فيهم الشهداء الأحياء؟
لم ينس ميشال عون الزميلة مي شدياق الشهيدة- الحية. تهجم عليها أيضا بوقاحته المعهودة في الوقت الذي كان يحتج فيه على أحياء لبنان للذكرى الرابعة لأستشهاد رفيق الحريري. هل يريد ميشال عون من اللبنانيين التنكر لدم رفيق الحريري الذي أخرج القوات السورية من لبنان بما سمح له بالعودة من المنفى؟ هل يريد منهم أن ينسوا أن رفيق الحريري أعاد بناء بيروت وأنه لولاه، لكانت الكلاب الشاردة تسرح وتمرح في وسط المدينة إلى ما شاءالله، فتندثر بيروت وتتحول مدينة منسية كما كان يرغب في ذلك أولئك الذين أغتالوا رفيق الحريري... أولئك الذين حرصوا في العامين1975 و 1976 على تدمير كل فندق من الفنادق المهمة في بيروت بواسطة منظمة فلسطينية معروفة تتلقى أوامرها من الأجهزة السورية؟ هل يريد ميشال عون أن ينسى اللبنانيون أن رفيق الحريري أعاد إلى الوطن عشرات آلاف اللبنانيين كانوا هاجروا بفضل الحروب التي خاضها الجنرال البرتقالي حين كان في قصر بعبدا؟ هل يريد من اللبنانيين أن ينسوا أن الجنرال أراد محاربة quot;القوات اللبنانيةquot; معتمدا على العملاء السوريين الذين كانوا يزودونه بالذخيرة والوقود من أجل أن ينقل المعارك إلى داخل المنطقة المسيحية، إلى محيط قصر بعبدا والضبية والكرنتينا وجبيل والقليعات في قلب كسروان؟
ما ذنب الزميلة ميّ شدياق كي يتهجم عليها رجل يجمع بين الحقد والجهل أسمه ميشال عون. رجل لا يعرف شيئا عن الأعلام ويخلط بينه وبين الأعلان. لا تفسير لهجوم عون على ميّ سوى أنها لبنانية أكثر من اللزوم. لبنانية صادقة مع نفسها تمتلك حدا أدنى من الأحترام لنفسها. ولكن الأهم من ذلك أن ميّ شدياق وفية لمبادئها وتدافع عنها بجرأة وشجاعة، أي أنها نقيض لميشال عون الذي لا وفاء له سوى لدور الأداة. أنه الأداة السورية المفضلة منذ كان في قصر بعبدا في الأعوام 1988 و1989و1990وحتى قبل ذلك بكثير. تكفل ميشال عون بتوفير كل التبريرات التي يمكن تصورها كي يدخل الجيش السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة للمرة الأولى منذ أستقل لبنان في العام 1943، أي قبل أن تستقل سوريا. هل من أنجاز عسكري آخر حققه الجنرال منذ دخل إلى المدرسة الحربية بفضل وساطة للنائب الراحل أدوار حنين، رفيق ريمون أده، رحمه الله، في الكتلة الوطنية ...
لا يمكن تفسير تصرفات ميشال عون سوى بأنها نتيجة ألتقاء بين الجهل والحقد. جعله الجهل يوما لا يدرك من هو الشهيد سمير قصير. راح الذين حوله يفسرون له معنى أغتيال أحد أبرز الصحافيين اللبنانيين وأكثرهم معرفة في سوريا والعالم العربي وصاحب كتاب quot;تاريخ بيروتquot; وهو أفضل ما كتب عن العاصمة اللبنانية. وعندما أغتيل بيار أمين الجميّل وقبله جبران تويني راح يبرر الجريمتين. لم يكتف بذلك، حرص على الأستفادة من أغتيال نائب المتن، حفيد الشيخ بيار الجميل، عن طريق ترشيح quot;جلبوط ثقيل الدمquot; كي يحتل مقعده النيابي. لم يجد عيبا في الأستفادة من جريمة ذهب ضحيتها شاب كان يمثل الأمل بمستقبل أفضل لمئات الآلاف من الشبان اللبنانيين بمن فيهم أحفاد عون. من يفعل ذلك، في تاريخ لم يمر عليه الزمن، هل يمكن لومه اليوم على رفضه أحياء ذكرى رفيق الحريري أو على مهاجمته أمرأة صادقة وشجاعة مثل مي شدياق ما زالت تدفع ثمن دفاعها عن لبنان وعن الشرفاء في الوطن الصغير؟
ولكن ما العمل عندما يلتقي الجهل بالحقد؟ ما الذي يمكن توقعه من لقاء من هذا النوع؟ الحقد يجعل الأنسان أعمى والجهل يجعله يظنّ أنه أكثر الناس على وجه الأرض فهما في كل المواضيع، بما في ذلك الأعتقاد أن في الأمكان تحويل لبنان إلى دولة علمانية بالأتكال على حزب مذهبي يمتلك ميليشيا مسلحة تتلقى أوامرها من طهران.
عش دهرا ترى عجبا!