كان لا بدّ من الأنتظار ولو لبعض الوقت قبل التعليق على الأنتصار التاريخي الذي حققه اللبنانيون على دعاة تحويل لبنان مجرد قاعدة صواريخ إيرانية على البحر المتوسط. ما حققه اللبنانيون كان أنتصارا كبيرا، بل كبيرا جدا. كان يمكن أن يحققوا المزيد لو عرف الأستقلاليون المنتمون إلى حركة الرابع عشر من آذار أدارة المعركة الانتخابية بطريقة أفضل. بكلام أوضح، كان على الأستقلاليين ترك هامش أكبر لمهندس الأنتصار النائب سعد الدين رفيق الحريري زعيم الأكثرية النيابية. لو تُرك الأمر للذين يتعاملون مع لغة العقل، لكان في الأمكان تحقيق نتائج أفضل في كسروان والمتن وزغرتا وحتى في قضاء بعبدا حيث بدت واضحة قلة الحماسة الدرزية حيال الأقبال على صناديق الأقتراع. حصل ذلك بسبب المواقف المترددة التي أتخذها الزعيم الوطني وليد جنبلاط حيال التصرفات التي أقدم عليها مسلحو quot;حزب اللهquot; في العام الماضي، خصوصا بعد غزوة بيروت في السابع من مايو- أيار 2008 ومحاولات الأعتداء على أهل الجبل في الوقت ذاته. وحده التاريخ سيحكم على وليد جنبلاط وعلى ما أذا كانت مواقفه المتذبذبة تنمّ عن حكمة ما غيرمتوافرة سوى لأنصاف الآلهة الذين لديهم آلاف المؤيدين المستعدين للتضحية بأرواحهم بأشارة صغيرة من quot;الزعيم الأوحد للطائفةquot; الأقرب إلى أن تكون عشيرة أكثر من أي شيء آخر.
يبقى وليد جنبلاط زعيما حقيقيا من نوع مختلف على علاقة عميقة بما يدور في العالم وما هو حضاري فيه وبثقافة الحياة أولا واخيرا. أنها الثقافة الوحيدة التي يستطيع اللبناني الحقيقي الانتماء إليها.
كان الأنتصار الذي تحقق في الأنتخابات النيابية يوم السابع من يونيو- حزيران 2009 أنتصارا للتنوع اللبناني وللصيغة اللبنانية. حمى التنوع لبنان. حماه من السقوط في الظلام والظلامية. لبنان ليس غزة كما تصورت إيران ومعها النظام السوري. والمسيحيون ليسوا ساذجين إلى حد تصديق الخطاب السياسي لشخص في مستوى النائب ميشال عون تحول بين ليلة وضحاها إلى مدافع عن سلاح quot;حزب اللهquot; بعدما كان إلى ما قبل فترة قصيرة من أشد المدافعين مؤسسات الدولة اللبنانية، في طليعتها مؤسسة الجيش الذي يفترض أن يكون السلاح محصورا به.
تذكر اللبنانيون في مناسبة الأنتخابات المثل الفرنسي القائل أن quot;أفضل النكات أقصرهاquot;. تأكد لهم أن النكتة السمجة التي أسمها الجنرال طالت أكثر مما يجب فأبتعدوا عنه وخذلوه. أيدت نسبة ثمانية وخمسين في المئة من المسيحيين لوائح الرابع عشر من آذار. ولولا الصوتين الشيعي والأرمني المحكومين بالأعتبارات الإيرانية والسورية قبل أي شيء آخر، لكان الأستقلاليون الذين ينادون بلبنان أوّلا حققوا أنتصارا ساحقا في دوائر حصلوا فيها بوضوح ليس بعده وضوح على أكثرية الأصوات المسيحية.
مؤسف أنه سيغيب عن المجلس الجديد عدد لا بأس به من اللبنانيين الشرفاء حقا الذين دافعوا عن التراث اللبناني وعن كل ما هو حضاري في الوطن الصغير كما دافعوا عن الصيغة اللبنانية التي في جوهرها العيش المشترك. من بين هؤلاء الرئيس حسين الحسيني، الذي لن تستقيم الحياة النيابية من دون عودته يوما إلى رئاسة المجلس، والوزير نسيب لحود والنواب السابقون والحاليون الذين سيعودون إلى المجلس يوما. من بين هؤلاء سمير فرنجية ومصباح ألأحدب ومصطفى علوش وفارس سعيد إلى جانب شاب واعد أسمه ميشال رينيه معوض كان وجوده سيشرّف المجلس النيابي وسيعيد الثقة بأن لبنان لا يمكن أن يكون تابعا لما يسميه بعضهم محور الأقليات في المنطقة. كذلك، كان وجود كارلوس أده في المجلس سيضفي بعض الصدقية عليه كما كان سيشكل أشارة إلى أن المسيحيين في لبنان بخير، بل بألف خير!
جاءت الأنتخابات بوجوه جديدة تطغى على حضور البائسين التابعين للأدوات وأدوات الأدوات مثل نواب المتن أو جبيل. أذا استثنينا من هؤلاء الشيخ سامي أمين الجميل والنائب ميشال المرّ، سيكون علينا الترحم على التفاهة. في النهاية ما الذي يمكن توقعه من أزلام تافه يقبض حاليا ثمن فاتورة أدخاله السوريين إلى قصر بعبدا في أكتوبر- تشرين الأول من العام 1990 بعدما فضل الفرار إلى مقر السفارة الفرنسية تاركا ضباطه وجنوده يواجهون أبشع أنواع القتل والتعذيب!
لبنان المستقبل لا يمكن تصوره خارج المشهد الذي يطمح أليه نواب مثل الرئيس فؤاد السنيورة والسيدة بهية الحريري والصديق نهاد المشنوق والوزير تمام صائب سلام ونايله جبران تويني ونديم بشير الجميل وآخرين بينهم الشهيد الحي مروان حماده. لبنان المستقبل هو لبنان العربي الصامد في وجه المزايدات والمزايدين مثل ذلك المسؤول السوري الذي يقول أن موقف دمشق من الحكومة الجديدة يعتمد على موقفها من المقاومة. لماذا لا يطالب هذا المسؤول السوري بفتح الجبهة السورية ما دام يمتلك كل هذا الحرص على المقاومة. هل نسي أن الأرض السورية محتلة منذ العام 1967 ؟ أم انه يريد أن يقاوم حتى آخر لبناني وآخر فلسطيني وآخر حجر في لبنان وفلسطين؟
كانت الأنتخابات اللبنانية نقطة تحول على الصعيد العربي. كل ما في الأمر أن لبنان العربي أنتصر على أولئك الذين كانوا يريدون الحاقه بالمحور الإيراني- السوري وتحويله إلى مجرد رأس حربة لهذا المحور. لبنان يقاوم. أنه يقاوم فعلا أولئك الذين يريدون أستخدامه لتقديم خدمات إلى إسرائيل لعل وعسى يتمكن هؤلاء من عقد صفقات معها على حسابه وعلى كل ما هو عربي فيه.
- آخر تحديث :
التعليقات