من المفيد دائما طرح سؤال مختصر عندما تقع أحداث من نوع تلك التي شهدها الجنوب اللبناني أخيرا. يقع السؤال في كلمتين وهو الآتي : من المستفيد؟ بكلام آخر، من الذي يستفيد من الأساءة إلى القوة الدولية المعززة في جنوب لبنان ومن الدور القيم الذي أدّته في مجال توفير ثلاث سنوات من الهدوء في المنطقة؟ لدى محاولة الأجابة عن هذا السؤال يتبيّن أن هناك طرفا واحدا لا يستفيد من الأحداث الأخيرة التي بدأت بانفجار غامض، يقال أنه لمخزن للذخيرة تابع لquot;حزب اللهquot; في بلدة خربة سلم. هذا الطرف غير المستفيد هو لبنان عموما بمسيحييه ومسلميه وأهل الجنوب تحديدا الذين عانوا الأمرّين منذ أواخر الستينات من القرن الماضي، خصوصا بعد فرض أتفاق القاهرة المشؤوم على لبنان عام 1969.
أما المستفيد الحقيقي من التوتر في جنوب لبنان فهو إسرائيل أوّلا ثم quot;حزب اللهquot; ومن يقفون خلفه في إيران خصوصا. تبدو الرسالة الإيرانية واضحة كل الوضوح وتتلخص بأن طهرن والميليشيا اللبنانية التابعة لها عثرتا على ثغرة في نص القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في آب- أغسطس من العام 2006. تتمثل الثغرة في أن القوة الدولية المعززة التي قامت بموجب القرار 1701 لا تستطيع الأقدام على أي مبادرة من أي نوع كان من دون غطاء أسمه الجيش اللبناني. هذا على الأقل ما نصّ عليه القرار نظريا، علما بأنه تضمن فقرة تحمل الرقم 12 يسمح للقوة الدولية بأتخاذ كل الأجراءات التي تؤمن لها حماية منطقة عملياتها وأبقاءها خالية من أي سلاح غير سلاح الشرعية اللبنانية. ونظرا إلى أن على الجيش اللبناني أن يأخذ في الأعتبار الوضع الداخلي وحساسياته، لن تكون هناك أي مبادرة من أي نوع كان في أمكانه أتخاذها. وهذا يعني أن في أستطاعة quot;حزب للهquot; تكديس السلاح في الجنوب وداخل منطقة عمليات القوة الدولية إلى يوم القيامة من دون أن يكون هناك من يستطيع القول أنه خرق القرار 1701. يستطيع أن يفعل ذلك وأن يفرّغ القرار من أي مضمون له بما في ذلك أن تكون منطقة جنوب نهر الليطاني خالية من أي سلاح بأستثناء سلاح الشرعية اللبنانية ممثلة بالجيش الوطني والقوى الأمنية التابعة لمؤسسات الدولة اللبنانية وليس إلى quot;الحرس الثوريquot; الأيراني.
يبدو واضحا أن quot;حزب اللهquot; راغب بالعودة الى الوضع الذي كان سائدا في جنوب لبنان قبل حرب صيف العام 2006. أنه يعتبر نفسه منتصرا بعد تلك الحرب التي أدت ألى تدمير آلاف المنزل وتهجير عشرات الآلاف فضلا عن سقوط نحو 1300 شهيد في صفوف اللبنانيين وخسائر بمليارات الدولارات طاولت البنية التحتية للوطن الصغير. ولكن ما العمل حين يكون هناك طرف مسلح موجود على الأراضي اللبنانية يعتبر أنتصاره على لبنان واللبنانيين انتصارا على إسرائيل؟
نعم، أن الأحداث الأخيرة في جنوب لبنان في غاية الخطورة. لبنان quot;على كف عفريتquot; على حد تعبير الرئيس أمين الجميّل. الدليل على ذلك، مسارعة إسرائيل الى المطالبة بتعديل نص القرار 1701. وقد تنبه ألى ذلك رئيس الوزراء المكلف النائب سعد الحريري الذي قطع على الفور الطريق على الفتنة التي تحاول إسرائيل أفتعالها فأكد أن الأمر غير وارد. الأمر غير وارد لسبب في غاية البساطة عائد ألى الهدف الإسرائيلي من المطالبة بتعديل نص القرار 1701 أيجاد مزيد من الشروخ والخلافات بين اللبنانيين. هذا ليس وقت الفتن بمقدار ما أنه وقت العمل على تأكيد لبنان التزامه القرار 1701 بحذافيره وروحه بعيدا عن السعي إلى أستغلال ثغرة من هنا وأخرى من هناك في محاولة واضحة لتجاوز القرار والهدف الحقيقي من صدوره. من يقرأ نص القرار مرة تلو الأخرى يدرك أن الهدف من صدوره تأمين حماية أهل الجنوب واللبنانيين عموما عن طريق بسط سلطة الدولة اللبنانية على كل الأرض اللبنانية. من يسعى إلى تخزين السلاح في الجنوب يلتقي من حيث يدري أو لا يدري مع إسرائيل.
هناك بكل بساطة أستراتيجية إسرائيلية واضحة المعالم في ما يخص جنوب لبنان. تقوم هذه الأستراتيجية على أن يكون الجنوب اللبناني خارج سيطرة الجيش اللبناني. وهذا ما يفسر ألى حد كبير التفاهم السوري- الإيراني- الإسرائيلي غير المعلن على بقاء التوتر سائدا في الجنوب. ما يفترض ألا يغيب عن البال في أي لحظة أن إسرائيل وضعت quot;الخطوط الحمرquot; للسوريين عندما دخلوا عسكريا إلى لبنان بضوء أخضر أميركي أعطاهم أياه هنري كيسينجر وزير الخارجية وقتذاك. كان ذلك في العام 1976. وكان الهدف من quot;الخطوط الحمرquot; عدم تجاوز الجيش السوري جسر نهر الأولي في جنوب لبنان، علما أن الخطة الأصلية التي وضعها كيسينجر كانت تقضي بوصول السوريين ألى خط الهدنة مع إسرائيل وهو quot;الخط الأزرقquot; الذي يدعو القرار 1701 ألى أحترامه. لماذا أعترضت إسرائيل على وصول السوريين ألى خط الهدنة؟ الأكيد أن ذلك ليس عائدا ألى مخاوف من هجوم عسكري سوري عليها، خصوصا أن جبهة الجولان هادئة منذ العام 1974 وأن طيرا لا يعبر الأجواء في تلك المنطقة. كانت الحجة الإسرائيلية، على حد تعبير ديبلوماسي أميركي كان مطلعا على تفاصيل المفاوضات المتعددة الطرف التي درات في تلك المرحلة، أن ثمة حاجة لبقاء المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان. قال المسؤولون الإسرائيليون وقتذاك quot;أننا نريد أن تكون هناك مناوشات مع الفلسطينيين بين حين وآخرquot;...
لم يتغيّر شيء في الأستراتيجية الإسرائيلية. لا مصلحة لإسرائيل بعودة الجيش ألى الجنوب بعد غياب دام ثلاثين عاما. لذلك هناك خطر حقيقي على لبنان وعلى الجنوب بشكل خاص. ولذلك أيضا أن المقاومة الحقيقية تعني الدفاع عن القرار 1701 والسعي ألى المحافظة عليه وحمايته بدل إيجاد المبررات لإسرائيل كي تطالب بتعديله والقضاء على روحه!