ان يحتفل اللبنانيون بمرور خمس سنوات على يوم الرابع عشر من آذار دليل على ان الذكرى باتت راسخة في العقول والقلوب والضمائر وان ما بدأ في ذلك اليوم من العام 2005 عبارة عن مسيرة طويلة لا يوقفها شيء. انها مسيرة الأستقلال الثاني الذي جسدته quot;ثورة الأرزquot; بكل ما تعنيه من تضحيات ورفض لأي نوع من الوصاية والأنصياع للخارج.
في الرابع عشر من آذار، من العام 2005، نزل معظم اللبنانيين الى الشارع لتأكيد تعلقهم بلبنان. كان الذين نزلوا من كل الطوائف والمذاهب والمناطق ومن كل الطبقات الأجتماعية. نزل هؤلاء في تظاهرة ملوّنة ردا على تظاهرة quot;حزب اللهquot; التي سارت في شوارع بيروت يوم الثامن من آذار- مارس تحت شعار quot;شكرا لسورياquot; بغية تأمين غطاء لبقاء الوجود السوري المسلح في لبنان على الرغم من اغتيال رفيق الحريري. الى الآن لا يزال السؤال لماذا ينظم quot;حزب اللهquot; والتابعون له تظاهرة تحت شعار quot;شكرا لسورياquot; بعد ثلاثة اسابيع من اغتيال رفيق الحريري ورفاقه؟ لماذا كان مطلوبا شكر سوريا. والمعني بسوريا هنا، النظام السوري وليس سوريا كسوريا او الشعب السوري الشقيق الذي لم تكن له لديه مشكلة مع لبنان واللبنانيين في يوم من الأيام.
تكمن مشكلة الذين يتصرفون حاليا وكأن الرابع عشر من آذار لم يحصل وان السنوات الخمس الأخيرة كانت كفيلة بمحو هذا التاريخ من الذاكرتين اللبنانية والعربية في انهم يرفضون الأعتراف بهذا الحدث التاريخي وابعاده. من كان يتصور، على سبيل المثال وليس الحصر، ان القوات السورية ستخرج يوما من الأراضي اللبنانية؟
كان الرابع عشر من آذار مفاجأة حقيقية نظرا الى انه كشف للعالم ان هناك شعبا لبنانيا يمتلك باكثريته الساحقة طموحات موحدة ورؤية واضحة للبلد ودوره. اكثر من ذلك، كشف يوم الرابع عشر من آذار 2005 ان لبنان بلد موجود وانه ليس صنيعة الأستعمار كما يدعي المتشدقون بالعروبة. اذا كان لبنان صنيعة الأستعمار، ما الذي يمكن قوله عن الدول الأخرى في المنطقة، بما في ذلك سوريا؟ من رسم حدود كل هذه الدول؟
لو كان لبنان بلدا مصطنعا والوضع فيه هشا حقيقة، كيف يمكن تفسير صموده كل هذه السنوات في وجه ما يتعرض له من تدفق سلاح ومسلحين الى اراضيه بغرض واحد هو ضرب الصيغة اللبنانية وتدمير مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى. لن نعود الى اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 الذي الغاه مجلس النواب اللبناني قبل ربع قرن والذي لا يزال النظام السوري متمسكا به من منطلق انه يؤمن له غطاء لأغراق لبنان بالسلاح والمسلحين. يمكن الأكتفاء بما شهدته السنوات الخمس الأخيرة لأعطاء فكرة عن اهمية يوم الرابع عشر من آذار 2005 من جهة وقدرة اللبنانيين على الصمود ومتابعة المقاومة بصدورهم العارية من جهة اخرى.
في السنوات الخمس التي تلت اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، شهد لبنان سلسلة من التفجيرات والأغتيالات استهدف الشرفاء في لبنان من رموز الرابع عشر من آذار و quot;ثورة الأرزquot;. تعرض لبنان لحرب اسرائيلية صيف العام 2006. كان معروفا من افتعل تلك الحرب ولماذا كان افتعالها.استهدفت تلك الحرب تدمير جزء من البنية التحتية للبلد واعادته ثلاثين عاما لى خلف. وقد استكمل quot;حزب اللهquot; وقتذاك بأدواته المعروفة، على رأسها النائب ميشال عون، عملية تدمير الأقتصاد اللبناني عن طريق الأعتصام في وسط بيروت بغية القضاء على الحياة في المدينة ونشر ثقافة الموت في كل انحاء لبنان. صمد لبنان ولا يزال يقاوم. قاوم العصابة الأرهابية التي ارسلت من الأراضي السورية الى مخيم نهر البارد الفلسطيني. قاوم غزوة السابع من ايار- مايو 2008 التي استهدفت اهل بيروت والجبل وقاوم السلاح المذهبي الذي تتحكم به ايران والموجه الى صدور كل حرّ في الوطن الصغير.
على الرغم من كل الأخطار التي تهدد اللبنانيين، لا يزال هناك من يرفض العودة الى نظام الوصاية. لا يزال سعد الدين رفيق الحريري يتحدث بلغة اللبناني العربي الحر الذي يؤكد مع حلفائه الذين صمدوا في وجه كل انواع الحملات ان لبنان يتعاطى مع الآخرين من منطلق الندّية. تلك رسالة الرابع عشر من آذار. هذه الرسالة لن تموت مهما بلغت درجة التهديدات وحملات الترهيب... لبنان لن يموت. لبنان يلوي ولا ينكسر. بين الرابع عشر من آذار 2005 والرابع عشر من آذار 2010، لا يزال لبنان يقاوم. كان الحدث الذي شهدته بيروت نقطة تحول على الصعيد الوطني والأقليمي. المؤسف ان هناك من لا يريد أخذ العلم بذلك نظرا الى انه غير قادر على استيعاب ان رفيق الحريري لم يقض في حادث سير ولم يمت في فراشه جراء سكتة قلبية!