كان طبيعيا ان يزور الرئيس سعد الحريري الدوحة لإجراء محادثات مع امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ومع رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. ما لا مفرّ من الإعتراف به ان قطر دولة مهمة في المنطقة نظرا الى انها قادرة على ممارسة ديبلوماسية من دون عقد. من هذا المنطلق، جاءت زيارة رئيس مجلس الوزراء اللبناني للدوحة في سياق التحرك الذي يقوم به والذي حمله منذ تشكيل حكومته قبل نحو ثلاثة اشهر على زيارة عواصم مهمة عدة في العالم العربي واوروبا.
لماذا لزيارة الحريري للدوحة اهمية خاصة؟ لا يعود ذلك الى ان هناك واقعا اسمه التميز القطري فحسب، بل لأن هناك ايضا قدرة قطرية عجيبة على التعاطي مع مشاكل تبدو مستعصية والسعي الى التوصل الى حلول لها في حين لا يتجرأ كثيرون من العرب على مجرد التفكير في الأقتراب من مثل هذا النوع من المشاكل.
لم تقطع قطر يوما مع احد ولا تنوي ان تقطع مع احد. قبل ايام كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في الدوحة. وقبل ايام كان امير قطر في السعودية. وليس سرّا ان العلاقة بين الدوحة وكل من طهران ودمشق اكثر من جيدة. وما يفترض ان يعرفه كثيرون ان هناك علاقة خاصة هذه الأيام بين الدوحة وانقرة. اكثر من ذلك، استطاعت قطر لعب ادوار في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط وافريقيا بما في ذلك السودان حيث استطاعت التوفيق بين الرئيس عمر حسن البشير وحركة العدل المساواة. انها خطوة اولى على طريق تسوية مشكلة تبدو مستعصية اسمها دارفور تفتح كل الأبواب امام تفتيت السودان. قد تنجح قطر حيث فشل كثيرون وربما يساعد نجاحها في دارفور في المحافظة على وحدة السودان، علما بأن ذلك ليس مضمونا في ضوء نتائج الاستفتاء الذي سيتقرر بموجبه مصير البلد ومستقبله السنة المقبلة.
بالنسبة الى لبنان، لا يمكن تجاهل ان لقطر علاقة بكل الأطراف. مكنها ذلك من التوصل الى اتفاق الدوحة الذي جمّد غزوة بيروت والجبل بواسطة الميليشيا المذهبية التي تولت تنفيذها، بأوامر خارجية. فتحت الوساطة القطرية الطريق امام انتخاب رئيس للجمهورية بعدما اغلق رئيس مجلس النواب مبنى البرلمان ما يزيد على سنة للحؤول دون ذلك. ايا يكن الرأي في اتفاق الدوحة، من المفيد دائما التذكير بأن رئيس الوزراء القطري قال في بيروت لدى عرضه الخطوط العريضة للأتفاق انه سيكون quot;تحت سقف اتفاق الطائفquot;.
قبل التوصل الى اتفاق الدوحة كان لقطر دور سياسي بالغ الأهمية في التوصل الى القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن في آب - اغسطس من العام 2006. اوقف القرار العدوان الأسرائيلي على لبنان. وهذا انجاز في حد ذاته. وقد شاركت قطر عبر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر في صياغة القرار نظرا الى انها كانت تمثل وقتذاك المجموعة العربية في مجلس الأمن. والمعروف انه كانت لها مساهمة في التخفيف من حدة النص الأصلي للقرار والحؤول دون صدور ال1701 تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
هناك ما يجمع بين قطر ولبنان. بين السياسة القطرية عموما وتوجه رئيس مجلس الوزراء اللبناني وفريق عمله تحديدا بما يمثله على الصعيدين الوطني والعربي. الطرفان يسعيان الى تفادي اي توتر في المنطقة. تعرف قطر قبل غيرها ان اي ضربة تستهدف ايران بسبب برنامجها النووي ستكون كارثة على المنطقة وعلى دول الخليج تحديدا. كذلك، تعرف ما يعرفه اللبنانيون، على رأسهم سعد الحريري، ان التوتر بين لبنان واسرائيل يمكن ان يجرّ الى حرب لا تقتصر رقعتها على الأرض اللبنانية. التحدي امام الجانبين واضح كل الوضوح انه يتمثل في حماية المنطقة عموما ولبنان تحديدا. وذلك ممكن عن طريق الابتعاد عن الأوهام والبناء على انتصارات ليست في الواقع انتصارات. لو كان صحيحا ان quot;حزب اللهquot; انتصر في الحرب على اسرائيل صيف العام 2006، لما كان صدر القرار 1701 ولما كانت قطر سعت في حينه الى التخفيف من حدّة الصيغة الأصلية للقرار بما يخدم لبنان عموما...
تبدو العودة الى حد ادنى من المنطق والواقعية لدى التعاطي مع ما يدور في الشرق الأوسط قاسما مشتركا بين لبنان وقطر. تبدأ العودة الى المنطق عن طريق الأبتعاد عن كل ما من شأنه بقاء لبنان quot;ساحةquot;. ليس منطقيا، على سبيل المثال وليس الحصر، الأستمرار في استخدام لبنان ورقة في اطار التجاذبات الأقليمية او ممارسة الضغوط على هذا الطرف العربي او ذاك او على الولايات المتحدة بغية التقرب منها وعقد صفقات معها على حساب لبنان. ان مثل هذا الأستخدام للبنان يعتبر سلاحا ذا حدين نظرا الى ان ذلك يمكن ان يسهل على اسرائيل ممارسة سياسة الهروب الى امام والحديث عن تهديدات تتعرض لها انطلاقا من الأراضي اللبنانية بدل التركيز على السلام الشامل واعادة الحقوق الى اصحابها.
كانت زيارة سعد الحريري لقطر خطوة في الاتجاه الصحيح. وكان اعلانه من الدوحة انه ينوي زيارة طهران قريبا بمثابة ضربة معلّم. مثلما ان الديبلوماسية القطرية تتعاطى مع قضايا المنطقة من دون عقد، فأن لبنان ايضا يرفض العقد وان يكون اسيرا لها. الأهم من ذلك، ان لبنان، مثل قطر، يؤمن بالأنفتاح على الجميع. لو لم يكن يؤمن بالأنفتاح، لما كان سعد الحريري زار دمشق بصفته الرسمية ساعيا الى فتح صفحة جديدة في العلاقة بين البلدين تقوم على الندية والتعاطي بين دولتين مستقلتين. لا شك ان قطر التي ليست بعيدة، منذ فترة لا بأس بها، عن سوريا وطريقة تفكير اهل النظام فيها، تدرك طبيعة الهواجس اللبنانية وتدرك قبل اي شيء آخر ان ضبط الأوضاع في لبنان مصلحة سورية ولبنانية في الوقت ذاته... وان رفع الشعارات الفارغة من نوع لا صوت يعلو فوق صوت المعركة لم يجلب على العرب سوى الكوارث. من يعتقد حاليا ان في امكانه خوض حروب مع اسرائيل وقودها لبنان والشعب اللبناني يرتكب خطأ جسيما. هل تتدارك قطر هذا الخطأ قبل حصوله فتتدخل حيث يجب ان تتدخل من اجل حماية مصالح سوريا ولبنان والاستقرار الإقليمي الذي يعتبر مصلحة عربية قبل اي شيء آخر؟