قبل خمس سنوات استشهد سمير قصير في بيروت بعدما امتدت يد الغدر اليه. لم يكن سمير قصير مجرد رمز لثورة الأرز، وجد قاتله من الضروري التخلص منه. كان سمير قصير اكثر من ذلك بكثير. كان التعبير الصادق عن عروبة لبنان وعن المقاومة الحقيقية للعنصرية الأسرائيلية ولأرهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل. ولذلك، هناك من يلاحق سمير قصير حتى اليوم. من قتل سمير قصير، مدّعيا انه عربي وانه يواجه اسرائيل، انما هو في خدمة اسرائيل لا اكثر ولا اقلّ. كان القاتل يستهدف سمير قصير اللبناني والفلسطيني والسوري. ذلك ما كان عليه سمير قصير الذي جسّد كل ما هو حضاري في لبنان وفلسطين وسوريا رافضا قبل كل شيء المتاجرة بالعروبة وأن يكون اللبناني والفلسطيني وقودا في معارك لا علاقة لهما بها نظرا الى انها معارك من اجل تكريس حال العجز في المنطقة خدمة للأحتلال الأسرائيلي.
اكثر ما يغذي الأحتلال التطرف واللعب على الشعارات. ولذلك، لا تتحالف اسرائيل في المنطقة سوى مع رافعي الشعارات المتطرفة. ولذلك تشجع اسرائيل التطرف والمتطرفين عبر ممارسة سياسة ارهاب الدولة كما حصل اخيرا مع quot;اسطول الحريةquot; في المياه الدولية قبالة شواطئ غزة. ربما كانت جريمة سمير قصير انه كشف باكرا المتاجرين بالعروبة، واكتشف في الوقت نفسه من بين العرب يقف فعلا في مواجهة اسرائيل ومن يطلق الشعارات الكبيرة التي لا تصب سوى في خدمتها بطريقة مباشرة او غير مباشرة. هل كان ذلك كافيا لأغتيال سمير قصير؟ الجواب انه ربما كان ذلك كافيا. ولكن ما لا يمكن تجاهله ايضا ان سمير قصير كان في الوقت نفسه عنوانا لصمود بيروت ورفضها الخضوع والخنوع والاذلال.
ليس صدفة ان سمير قصير كان اوّل الذين استشهدوا بعد رفيق الحريري ورفاقه، على راسهم باسل فليحان. اغتيل رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005 واغتيل سمير قصير في الثاني من حزيران ndash; يونيو 2005، قبل خمس سنوات بالتمام. كان مطلوبا في تلك المرحلة تاكيد ان بيروت لا تزال تحت السيطرة وان خروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية نتيجة اغتيال رفيق الحريري لم يغيّر ولن يغيّر شيئا. كان مطلوبا تاكيد ان اغتيال رفيق الحريري كان حدثا عابرا وان على اللبنانيين ان يعودوا الى حياتهم الطبيعية السابقة وكأنّ شيئا لم يكن. تلك كانت الخطة التي رافقت تنفيذ جريمة اغتيال رفيق الحريري. لذلك، كان هناك من سارع الى العبث بمسرح الجريمة وحاول اعادة فتح الطريق امام فندق سان جورج حيث كان الأنفجار الكبير يوم الرابع عشر من شباط- فبراير 2005... داعيا الى انصراف المواطنين الى اعمالهم. لعب سمير قصير وقتذاك دورا محوريا في مجال الحضّ على المقاومة الحقيقية وتعبئة شباب لبنان من كل الفئات والمناطق والمذاهب والطوائف من اجل التمسك بثقافة الحياة والدفاع عن بيروت وعن كل ما هو حضاري فيها. دافع قبل كل شيء عن بيروت العربية، بيروت المنفتحة على كل ما هو حضاري في هذا العالم بعيدا عن الزيف والتزمت والمزايدات الرخيصة. اخطر ما في سمير قصير انه كان يسمي الأشياء باسمائها. كان سمير قصير بمثابة ربيع بيروت الذي لا بدّ ان يزهّر يوما في كل عاصمة عربية لا تزال تعشعش فيها الشعارات التي تستخدم لتغطية الظلم والقهر والجهل في وقت دخل العالم القرن الواحد والعشرين...
بفضل سمير قصير والشهداء الذين سقطوا بعده والشهداء الأحياء الذين سقطوا قبله وبعده وهم مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق، لا تزال بيروت تقاوم على الرغم من كل ما تعرضت له من تفجيرات واعتداءات. ليس سرا ان كل الشخصيات التي اغتيلت في السنوات الخمس الماضية كانت مرتبطة بطريقة او باخرى ببيروت. جبران تويني كان ديك quot;النهارquot;، وهي جزء لا يتجزأ من بيروت. وجورج حاوي كان اللبناني العربي الذي آمن بنهضة بيروت وعودتها قاعدة للفكر التحرري في المنطقة العربية بعيدا عن ثقافة البؤس. وبيار امين الجميل لم يكن الرجل الذي حرر حزب الكتائب من الوصاية واعاده حزبا حرا سيدا مستقلا فحسب، بل دفع ايضا غاليا ثمن العلاقات التي اقامها مع الآخر، فتحول الى رمز من رموز بيروت التي لا تحلق سوى بجناحيها المسلم والمسيحي. وليد عيدو كان نائب بيروت وقد اغتيل لأنه تجرأ على قول ما يقوله اهل بيروت. انطوان غانم كان نائبا كتائبيا يجسد صيغة العيش المشترك التي من دونها لا وجود لبيروت. لذلك قتلوه.
لم تتعرض مدينة لما تعرضت له بيروت في السنوات الخمس الأخيرة. ومع ذلك بقيت صامدة صمود ارادة سمير قصير الذي آمن بها ووضع كتابا عنها. سمير قصير لم يمت. هناك من لا يزال يقاوم وهناك جيزيل خوري التي تحمل رسالته، رسالة الفرح والأنفتاح والثقافة الحقيقية والعروبة الصادقة التي جعلت منه لبنانيا وفلسطينيا وسوريا في آن. سمير قصير كشف الزيف والمزيفين وقاومهم. لذلك قتلوه قبل ان يكتب مقاله الأخير. في كل يوم يمرّ على اغتيال سمير قصير، يتبين ان القاتل ليس سوى جبان يخاف ثقافة الحياة والفرح والحرية لا اكثر!