قبل عشر سنوات، في ايار- مايو من العام 2000، انسحب الإسرائيليون من جنوب لبنان تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1978. احتاج الاحتلال الى اثنين وعشرين عاما كي ينفذ القرار وكي يعترف مجلس الأمن بذلك، اي بعودة اسرائيل الى ما يسمى quot;الخط الأزرقquot; وهو خط الهدنة بينها وبين لبنان الذي هو عمليا خط الحدود بين لبنان وفلسطين تحت الأنتداب البريطاني. الإستثناء الذي يمكن الحديث عنه في هذا المجال هو مزارع شبعا التي تمركز فيها السوريون في العام 1956 لأسباب عسكرية. وقد احتلت اسرائيل المزارع في العام 1967 وهي خاضعة بالتالي للقرار 242، اللهم ألا اذا بعثت الحكومة السورية برسالة الى الأمم المتحدة تؤكد فيها ان المزارع ارض لبنانية!
انسحب الإسرائيلي من جنوب لبنان تحت ضغط المقاومة المسلحة التي تحولت في مرحلة معينة الى quot;مقاومة اسلاميةquot; يتولاها quot;حزب اللهquot;. وهذا لا يمكن ان يحول، في اي شكل، دون الانحناء امام التضحيات التي قدمها جميع اللبنانيين في مواجهة الاحتلال الذي دنس ارض الجنوب طويلا وحال، مع آخرين متواطئين معه، بطريقة او بأخرى، دون ان تكون ارض لبنانية تحت سيطرة الجيش اللبناني منذ فترة طويلة.
بعد عشر سنوات، الاّ بضعة ايام، على الأنسحاب الأسرائيلي، هل يمكن القول ان لبنان استفاد من الأنسحاب وعرف كيف يوظّف الخطوة التراجعية لأسرائيل في مصلحة الجنوب واهل الجنوب بشكل خاص؟ الجواب بكل بساطة ان هناك من لا يزال يحلم بأبقاء لبنان ورقة مساومة في البازارات الأقليمية، كأنه لا يحق لأهل الجنوب العيش بسلام وامان بعدما امّن لبنان الأنسحاب الأسرائيلي بفضل الدماء التي بذلها ابناؤه وبفضل بطولات رجال المقاومة الذيم كانوا ينتمون يوما الى احزاب مختلفة ذات عقائد ومشارب متنوعة.
بعيدا عن المزايدات التي لا تقدم ولا تؤخر، بل تؤخر، لا مفر في نهاية المطاف من مواجهة الواقع. انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان في ايار ndash; مايو من العام 2000 بعدما تبين لها ان لا فائدة من البقاء في جنوب لبنان وان هناك تصميما لدى quot;حزب اللهquot; على الحاق خسائر بجيش الأحتلال بشكل يومي. لا شك ان الحسابات الداخلية فرضت الأنسحاب الذي وعد به ايهود باراك الناخبين. وبالفعل، نفّذ باراك ما تعهد به، بعدما صار رئيسا للوزراء، وغادر الجيش الأسرائيلي جنوب لبنان وما لبث مجلس الأمن ان اعلن اسرائيل نفّذت القرار 425. هل عرف لبنان كيف يجعل الجنوب منطقة مزدهرة بدل ان تكون منطقة محرومة كما كانت عليه الحال منذ الأستقلال في العام 1943علما ان هذا الحرمان زاد بعد توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 بما كرس جزءا من الأرض اللبنانية الى منطقة خارج سلطة الشرعية وسيادتها. كان ذلك الأتفاق الذي فرضه العرب، على رأسهم جمال عبد الناصر، جريمة في حق لبنان واهله لا اكثر. كان اكبر خدمة يمكن تقديمها الى اسرائيل التي ارادت دائما ان تكون جبهة الجنوب اللبناني مفتوحة. الدليل على ذلك، رفضها في العام 1976، لدى حصول اتفاق اميركي- سوري على دخول القوات السورية الأراضي اللبنانية، وصول السوريين الى الجنوب. كانت حجة الأسرائيليين وقتذاك ان هناك حاجة لديهم الى quot;الأشتباك بالفلسطينيين بين حين وآخرquot;. ولذلك، فرضت اسرائيل ما يسمّى quot;الخطوط الحمرquot; التي رسمت حدود الأنتشار العسكري السوري في الأراضي اللبنانية. وقد ظلّ العمل بهذه الخطوط حتى العام 2005 عندما اضطر السوريون الى الأنسحاب، عسكريا، من لبنان نتيجة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
من يبقي الجنوب في الوقت الراهن جبهة مفتوحة انما يرغب في استنزاف لبنان لا اكثر... لأسباب لا علاقة لها بلبنان بمقدار ما انها مرتبطة بأستخدامه ورقة مساومة في صفقة يمكن ان تحصل يوما على حسابه يوما.
بعد عشر سنوات على الأنسحاب الأسرائيلي من لبنان لا يزال ينقص صوت قوي يقف ويقول ان كفى تعني كفى وان الوقت حان لوقف المتاجرة بالجنوب والجنوبيين ولبنان واللبنانيين. على من لا يحب هذا الكلام ان يطرح على نفسه سلسلة من الأسئلة. في مقدم الأسئلة لماذا كان ارسال الجيش اللبناني الى الجنوب لملء الفراغ الناجم عن الأنسحاب الأسرائيلي في العام 2000 بمثابة جريمة؟ لماذا صار ارسال الجيش عملا وطنيا بعد حرب صيف العام 2006 التي اسفرت عن تدمير الأسرائيليين قرى وبلدات بكاملها في الجنوب؟ لماذا لا يستفيد لبنان من بنود القرار 1701 الذي عزز القوة الدولية المنتشرة في جنوب لبنان بدل الحديث عن quot;المقاومةquot; ودور quot;المقاومةquot; التي تحولت جزءا من المعادلة السياسية اللبنانية وصار سلاحها المذهبي موجها الى صدور اللبنانيين العزل؟ لماذا لا يقف مسؤول لبناني كبير ويقول ان على من يقبل القرار 1701 ان يرفض في الوقت ذاته تدفق السلاح على الأراضي اللبنانية وان السلاح الوحيد في لبنان يجب ان يكون سلاح الشرعية، اي سلاح الجيش اللبناني؟ هل لبنان مع القرار 1701 او ضده؟ هل يمكن للبنان مع القرار 1701 وضده في الوقت ذاته...كما حال رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري الذي يعرف قبل غيره اخطار السلاح غير الشرعي على لبنان عموما والجنوب خصوصا؟
بعد عشر سنوات على الأنسحاب الأسرائيلي من جنوب لبنان، آن اوان طرح الأسئلة المنطقية. هل لبنان مع مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت في العام 2002 ام هو ضدها؟ هل يجوز ان يبقى الجنوب الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة؟ ما الفائدة من فتح مثل هذه الجبهة ألاّ اذا كان المطلوب استنزاف لبنان ومنعه من الوقوف على رجليه؟
المشكلة ليست لبنانية فقط. المشكلة عربية ايضا. لم يتعلم العرب شيئا من التجارب التي مروا بها منذ العام 1969. ليس بينهم شجاع واحد يقف ويقول ان من المعيب ان تستمر المتاجرة بلبنان واللبنانيين واهل الجنوب على وجه التحديد في غياب القدرة على اتخاذ موقف من الحرب والسلام. تكمن مشكلة العرب منذ العام 1969 في انهم ارتضوا محاربة اسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان. من قال ان اسرائيل لا ترحب بهذه الفكرة ولا تؤيدها؟