كانت نتائج الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان، حيث لا تزال هناك اكثرية مسيحية، دليلا قاطعا على رفض اللبنانيين، باكثريتهم، ذلك التحالف المصطنع بين ما يسمىquot;التيار الوطني الحرquot; الذي يتزعمه النائب ميشال عون وquot;حزب اللهquot;. تبين ان التحالف بين الجانبين ليس سوى quot;زواج متعةquot; على حد تعبير السياسي اللبناني روجيه اده، ابن بلدة اده التي على مرمى حجر من جبيل. كان روجيه اده اول من اطلق هذا الوصف على الحلف المخالف للطبيعة بين الجانبين خلال زيارة للبطريرك صفير في بكركي. ولكن يبدو ان الحلف مستمر، الى اشعار آخر، نظرا الى ان هناك من يتمتع بوجوده وانه لا تزال هناك حاجة الى ميشال عون بين وقت آخر، اي متى تدعو الحاجة الى ذلك. هناك حاجة الآن الى تغطية السلاح غير الشرعي لا اكثر وقد فهم المواطن العادي ذلك جيدا، فرد بالوسائل الديموقراطية!
كانت ام المعارك في مدينة جبيل الساحلية التي عمرها سبعة آلاف سنة. انتصرت لائحة اللبنانيين الأحرار على اللائحة التي يدعمها ميشال عون، بما اكد مرة اخرى تراجع شعبيته. كان على رأس اللائحة العونية شخص محترم ويمتلك كفاءة هو الوزير السابق جان لوي قرداحي. ولا شك ان وجوده على رأس البلدية كان يمكن ان يخدم جبيل ومستقبلها ومشاريع التنمية في المدينة. ولكن ما العمل عندما يقبل شخص يمتلك حدا ادنى من الأحترام لنفسه ولذكائه وخبرته وعلمه ان يكون حليفا لقائد سابق للجيش يبرر وجود سلاح غير شرعي على الأراضي اللبنانية في يد ميليشيا تنتمي الى حزب مذهبي يمثل كل ما يتناقض وصيغة العيش المشترك في لبنان؟ المسيحيون اللبنانيون في معظمهم، اغبياء وسذج سياسيا، ولا علاقة لهم بالقضايا الكبيرة ذات البعد الأقليمي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بما يتجاوز حدود القرية او البلدة التي يقيمون فيها. ولكن مع ذلك، كان عليهم في النهاية الأنتفاض كونهم لا يستطيعون تحمل الشواذ الى ما لا نهاية. اراد المسيحيون عبر انتخابات جبيل توجيه رسالة الى كل من يهمه الأمر. فحوى الرسالة ان افضل النكات هي النكات القصيرة وان النكتة السمجة التي اسمها quot;الجنرالquot; طالت اكثر مما يجب وان لا بدّ من وضع نهاية لها. بداية النهاية كانت في جبيل وفي مدن وبلدات اخرى في جبل لبنان، بينها دير القمر في الشوف وسن الفيل القريبة من بيروت وبعبدات وغيرها في المتن، حيث كان الصوت المسيحي هو المؤثر وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة على صعيد حسم من بين المسيحيين يريد التبعية ومن يصر على رفضها...
كان على اللبنانيين الأنغماس في الانتخابات البلدية وتفاصيلها بعيد مغادرة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري بيروت اثر زيارة استمرت ثلاثة ايام. اقلّ ما يمكن قوله، ان الزيارة كانت في غاية الأهمية نظرا الى انها حملت رسالة واضحة الى اللبنانيين واعادت تذكيرهم بأن دولة قطر تريد تريد منعهم من الأنتحار. قال quot;ابو جبرquot; في بيروت كلاما من نوع quot;ان قطر تسعى دائما الى احلال السلام وليس كما يقال الى البحث عن دور. نحن دولة تعرف حجمها وامكاناتها وتعتقد ان العالم العربي يحتاج الى اكثر من قطر(...) هناك تهديدات كثيرة حولنا وحول لبنان خصوصا، وهذه التهديدات لا تواجهونها بالسلاح بل بوحدتكم الوطنية، وهذا ما نتمناهquot;. يعتبر هذا الكلام كافيا كي يتبين ان هناك بين العرب من يمتلك فهما في العمق لما يدور في لبنان والمنطقة والعالم.
يفرض مثل هذا الكلام الجوهري على اللبنانيين الأنتقال الى مرحلة البحث الجدّي في المخاطر التي تواجه الوطن الصغير. لا شك ان الانتخابات البلدية محطة مهمة، خصوصا ان المطلوب احترام اي استحقاق انتخابي والتزام المواعيد المرتبطة بالعملية الديموقراطية. ولكن ما يمكن ان يكون اهم من الانتخابات البلدية الأقتناع بأن المطلوب حماية لبنان عن طريق لملمة الوضع الداخلي بعيدا من التحديات والمزايدات. الوحدة الوطنية اهم من السلاح. والسلاح لا معنى له متى كان موضع خلاف بين اللبنانيين ومتى كان تابعا للخارج وبأمرته.
بكلام شديد الوضوح، تبدو المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة. لا يحمي لبنان سوى الوحدة الوطنية والأبتعاد عن الحساسيات ذات الطابع المذهبي والطائفي. للأسف الشديد، ان سلاح quot;حزب اللهquot; يثير هذا النوع من الحساسيات، اضافة الى ان اسرائيل تستخدمه للتعمية على رفضها السلام المستند الى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض في مقابل السلام. ليس مطلوبا بالطبع الدخول في مواجهة مع الحزب المسلح. مثل هذه المغامرة لا تخدم لبنان. كما لا بدّ من الأعتراف بأن لا وجود لطرف لبناني يريد ذلك او يستطيعه. لكن لا شيء يمنع من التأكيد يوميا في كل لحظة ان السلاح موجه الى الداخل اللبناني وان لا معنى لأي كلام عن التمسك به، اقله لسببين. السبب الأول ان القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صيف العام 2006 واضح في هذا الشأن وان لا مصلحة للبنان واللبنانيين، خصوصا اهل الجنوب، في خرق القرار. اما السبب الثاني فهو عائد الى ان اسرائيل تستخدم السلاح والكلام عن ادخال صواريخ quot;سكودquot; الى الأراضي اللبنانية لممارسة عملية هروب الى امام لا اكثر...
تكمن اهمية قطر في انها تدرك تماما المعطيات الأقليمية. لذلك لم يقتصر كلام امير الدولة، لدى زيارته بيروت في العام 2006 وتفقده آثار العدوان الأسرائيلي، على ادانة البربرية الأسرائيلية والمساهمة في اعادة الأعمار. تحدث الشيخ حمد بن خليفة، عندما اقدم على خطوته الشجاعة التي شملت زيارة الضاحية الجنوبية، عن اهمية السلام الشامل في المنطقة بصفة كونه مخرجا للجميع من الوضع الراهن. انه وضع ينقل الشرق الأوسط من ازمة الى اخرى في انتظار الأنفجار الكبير الذي يمكن ان يتسبب به حادث صغير.
تبدو المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية في لبنان مثيرة للأهتمام، خصوصا ان نتائجها كرست الأصطفاف السياسي بدل ان تلغيه وكشفت في الوقت ذاته مدى عمق الأنقسام بسبب السلاح غير الشرعي... ومدى تدهور شعبية ميشال عون في الأوساط المسيحية. لكن على اللبنانيين تفادي الغرق في وحول الانتخابات والنظر دائما الى الصورة الأكبر. من هذه الزاوية لا بدّ من شكر قطر على تنبيهها الى ان المهم التمييز بين المهم والأهم، بين الانتخابات من جهة وتكريس البلد quot;ساحةquot; للتجاذبات الأقليمية من جهة اخرى. عندئذ سيتوجب على لبنان دفع ثمن غال في حال سقط ضحية التجاذبات. هذه التجاذبات لا يحميه منها سوى درع الوحدة الوطنية وليس السلاح، ايا تكن الشعارات التي ترفع لتبرير وجوده على الأرض اللبنانية بأمرة غير لبنانية!