ليس سرّا ان لبنان يمر حاليا في مرحلة دقيقة تشكل تهديدا للسلم الاهلي في البلد. في اساس ما يهدد السلم الاهلي الفتنة المذهبية التي يلعب السلاح الميليشيوي دوره اليومي في ايقاظاها. وليس سرا ان هناك محاولة واضحة لنسف المحكمة الدولية تستند الى لعبة تقوم على المساومة بين استمرار الاستقرار في الوطن الصغير من جهة وبين متابعة المحكمة لمهمتها من جهة اخرى. مطلوب بكل بساطة ان لا تكون هناك محكمة وان تعتبر السلطات اللبنانية، على رأسها مجلس الوزراء، اغتيال رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي تلت الاغتيال مجرد حوادث سير او عمليات انتحار...
من لديه ادنى شك في ذلك، يستطيع العودة الى وقائع الجلسة الاولى لمجلس الوزراء بعد اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما. سارع اميل لحود رئيس الجمهورية وقتذاك الى المطالبة، في اثناء الجلسة، باعادة فتح الطريق امام فندق سان جورج حيث مسرح الجريمة. كانت حجته ان على المواطنين quot;العودة الى اشغالهمquot; باسرع ما يمكن. عمليا، كان تصرفه ينطلق من رغبة في طي صفحة رفيق الحريري في اسرع ما يمكن من منطلق ان ما حصل في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005 يمكن تصنيفه في خانة الحدث العابر الذي لن يكون له تأثير يذكر باستثناء انه سيثبت ان نظام الوصاية على لبنان - الساحة، بكل مكوناته اللبنانية والسورية والايرانية، وجد ليبقى وان لا مكان لاي زعامة لبنانية تتجاوز الطوائف والمناطق وحتى الحدود.
اكثر من ذلك، كانت الرسالة واضحة في اتجاه تاكيد نظام الوصاية يستطيع تحمل معارضة من نوع لقاء قرنة شهوان شرط ان يبقى طابع هذه المعارضة مسيحيا محضا لا علاقة للمسلمين به لا من قريب ولا من بعيد.
ما نشهده اليوم في ضوء الحملة على الرئيس سعد الدين رفيق الحريري التي يتولاها quot;حزب اللهquot; اساسا، محاولة للعودة الى المنطق الذي ساد في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري. انه المنطق الذي قضت عليه المحكمة الدولية والذي يحاول الآن اللواء جميل السيّد المدير السابق للامن العام العودة اليه مع آخرين يتقنون الصراخ واطلاق التهديدات. اذا كان من معنى للمؤتمر الصحافي الذي عقده اللواء السيّد قبل ايام بعيد عودته من دمشق ولقاء الرئيس بشار الاسد، فهو الكلام الذي تناول فيه المحكمة الدولية التي باتت تخيف كثيرين. طالب المدير العام السابق للامن العام بشكل مباشر وصريح بالغاء المحكمة. اما الشتائم والتهديدات التي تضمنها المؤتمر الصحافي فهي تعبير عن حال من الهلع ليس الاّ. انها شتائم وتهديدات لا تليق بضابط لبناني كبير يمتلك حدا ادنى من الذكاء والقدرة على التحليل وان في حدود ضيقة جدا... اللهم الا اذا كان يعتقد ان اتيانه على ذكر السيّد حسين الحسيني، وهو سيّد حقيقي ورجل دولة بالفعل، في سياق حملته على الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سيساعده في جعل كلامه يكتسب صدقية ما يبدو انه في حاجة ماسة اليها. لا يكفي الاتيان على ذكر الكبار كي يصبح المرء كبيرا. ولا يكفي الاستشهاد بمناقب رجال الدولة من امثال الرئيس حسين الحسيني ونظافة كفه حتى تصبح رجل دولة او تقترب من ذلك !
بعد خمس سنوات وسبعة اشهر على اغتيال رفيق الحريري، يثبت اللبنانيون انهم قادرون على مواجهة المحاولات البائسة التي تستهدف النيل من المحكمة. تقوم قدرة اللبنانيين على الصمود على وجود شعور عارم في الاوساط الشعبية في كل المناطق ولدى كل الطوائف بان الامل في مستقبل افضل مبني على التمسك بالمحكمة وتفادي السقوط في لعبة مبتذلة لا طائل منها اسمها quot;شهود الزورquot;. هذه لعبة قائمة على اسس واهية. من يتحدث عن شهود الزور يهرب من الواقع، لا وجود لشيء اسمه شهود الزور في غياب موقف من المحكمة المختصة في هذا الشأن. لا وجود لمثل هؤلاء الشهود الا في مخيلة الخائفين من المحكمة والهاربين منها. ربما هناك ايضا وجود لهؤلاء الشهود في مخيلة شخص مريض مثل النائب ميشال عون لا همّ له سوى تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية واجهزتها وتهجير اكبر عدد ممكن من اللبنانيين، خصوصا المسيحيين، من لبنان. هذه هي قضية شهود الزور باختصار شديد. وهذا هو الغرض الذي تستخدم من اجله في هذه الايام بالذات.
لا تهديد السلم الاجتماعي، كما حصل اخيرا في برج ابي حيدر، ولا الكلام عن شهود الزور يمكن ان ينسف المحكمة او يرهب اللبنانيين. فالمحكمة خشبة الخلاص للبنان. انها مجرد خطوة اولى على طريق تاكيد ان الوطن الصغير يعرف تماما ان لا مستقبل له ما دام هناك فريق مسلح لا هاجس لديه سوى اثبات قدرته على فرض قانون الغاب على البلد...
في النهاية ما يختصر قضية المحكمة الدولية الخاصة في لبنان سؤال في غاية البساطة : هل هناك من اغتال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ثم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والمقدم وسام عيد والنقيب سامر حنا، ام ان هؤلاء قضوا في حوادث سير؟ هل تكمن مشكلة الشهداء الاحياء مروان حماده ومي شدياق والياس المر وسمير شحاده في انهم فشلوا في الانتحار... وفي استطاعة شهود الزور اثبات ذلك بالملموس بفضل القدرة على الاقناع التي يتمتع بها السلاح الفئوي ؟