اكد الحادث الذي وقع حديثا في منطقة برج ابو حيدر في بيروت ان السلاح الذي تمتلكه اي فئة لبنانية في اي بقعة من الارض اللبنانية، خارج اطار الجيش وقوى الامن، هو سلاح فتنة لا اكثر ولا اقلّ. انها فتنة تصب في خدمة المشروع الاسرائيلي الهادف الى اثارة النعرات والغرائز المذهبية في اي بلد عربي بدءا بالعراق ووصولا الى لبنان. من اجل توضيح الصورة اكثر، فان ما حدث في برج ابو حيدر كان مواجهة بالاسلحة المتوسطة والخفيفة بين ميليشيا quot;حزب اللهquot;، وهي لواء في quot;الحرس الثوري الايرانيquot; عناصره لبنانية، من جهة ومجموعة مسلحة من quot;الاحباشquot; من جهة اخرى. وما يسمى بـquot;الاحباشquot; تنظيم سنّي معروف جيدا من ارتكبه ومعروفة الجهة التي تدعمه. ليس سرّا ان الاجهزة السورية اوجدت quot;الاحباشquot;. هؤلاء ليسوا سوى احدى ادواتها وذلك منذ ما قبل اضطرار القوات السورية الى الانسحاب من الاراضي اللبنانية نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ما يكشفه، بوضوح ليس بعده وضوح، وجود quot;الاحباشquot; بسلاحهم في بعض شوارع بيروت ومساجدها ان السوريين انسحبوا عسكريا من لبنان، لكنهم ما زالوا موجودين فيه امنيا... مع فارق اساسي يتمثل في ان نفوذهم لم يعد هو الاقوى، بل صار يعتمد على سلاح quot;حزب اللهquot;. وهذا يفسر الى حد كبير تمسك المسؤولين السوريين بـquot;المقاومةquot;، شرط ان تكون محصورة بلبنان وعلى حساب اللبنانيين، خصوصا اهل الجنوب، ومستقبل ابنائهم وبلدهم.
من المبكر الحديث عن صدام ايراني- سوري، من اي نوع كان، بين مجموعتين مسلحتين الاولى تابعة لطهران والاخرى لدمشق. الى اشعر آخر، ليس ما يدل على وجود خلاف في العمق بين النظامين في سوريا وايران على الرغم من التضايق الواضح الذي تبديه طهران من سير التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي ارتكبت في لبنان في مرحلة معينة، خصوصا بعد تفجير موكب الحريري. لم تتردد بعض الابواق المحسوبة على quot;حزب اللهquot; في الدعوة الى الغاء المحكمة الدولية، علما ان ليس هناك بين اللبنانيين من يعرف شيئا عن حقيقة ما سيتضمنه القرار الاتهامي المتوقع صدوره عن المدعي العام للمحكمة الدولية. حتى موعد صدور القرار لا يزال لغزا. لكن الثابت ان دمشق تتصرف، اقلّه ظاهرا، بطريقة مختلفة عن طهران في شأن كل ما له علاقة بالمحكمة من دون ان يعني ذلك انها لا تسعى الى نسفها بطريقة او باخرى... وانما على طريقتها طبعا.
تكمن اهمية ما حصل في برج ابو حيدر في ان المواجهة كشفت وجود تعبئة ذات طابع مذهبي في الشارع البيروتي. طغى الانتماء المذهبي للاسف الشديد على كل ما عداه. لم يأخذ مقاتلو quot;حزب اللهquot; وquot;الاحباشquot; علما بانهم ينتمون الى جهة سياسية واحدة عملت منذ اليوم الاول على تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي تلتها اما عن طريق التظاهر او افتعال الحروب او النزول الى الشارع من اجل تعطيل الحياة في بيروت والمناطق اللبنانية الاخرى...
اظهرت مواجهات برج ابو حيدر التي امتدت سريعا الى مناطق اخرى، قبل تطويقها، ان هناك احقادا عميقة خلفتها غزوة بيروت التي شنها quot;حزب اللهquot; على اهل المدينة في السابع من ايار- مايو 2008. ما قد يكون اخطر من ذلك انها كشفت ان ما كان يسمّى quot;سلاح المقاومةquot; صار موجها الى صدور اللبنانيين. كل ما عدا ذلك يدخل في خانة البحث عن وظيفة وهمية لهذا السلاح لا وجود لها على الارض اللبنانية، خصوصا منذ صدور القرار 1701. هناك بكل بساطة من يرفض قراءة نص القرار وحيثياته وكأن حرب صيف 2006 لم تنته بالطريقة التي انتهت بها. كل ما في الامر ان السلاح يستخدم لفرض سياسة معينة على لبنان واللبنانيين ولاجبارهم على الرضوخ لامر واقع يتمثل في ان بلدهم quot;ساحةquot; لا اكثر.
من يدافع عن السلاح في بيروت وغير بيروت، انما يدافع عن الفتنة الطائفية. هل هناك من فعل مشين اكثر من احراق مسجد في برج ابو حيدر لمجرد ان quot;الاحباشquot; يسيطرون عليه؟ هل من فعل مشين اكثر من التهجم على رئيس مجلس الوزراء سعدالدين رفيق الحريري لمجرد انه تجرأ على تفقد اثار العدوان على المسجد؟ هل من فعل مشين اكثر من رفض التعلم من تجارب الماضي القريب وكيف غرقت المقاومة الفلسطينية في لبنان ومعها كل الميليشيات المسيحية وغير المسيحية، بفضل فوضى السلاح اوّلا، في مستنقع شوارع بيروت والمدن اللبنانية الاخرى وازقتها؟
نعم، من حق quot;حزب اللهquot; البحث عن وظيفة لسلاحه. ولكن من حق اللبنانيين سؤاله لماذا استخدام السلاح لاثارة الفتنة المذهبية ولمصلحة من هذه الفتنة؟ هل هناك من يستفيد من فتنة من هذا النوع غير اسرائيل التي تسعى يوميا الى الحصول على اعتراف عربي ودولي وفلسطيني بانها quot;دولة يهوديةquot;؟
في النهاية، قد لا يكون امام quot;حزب اللهquot;، وهو الوحيد الذي يعرف لماذا عليه الخوف من المحكمة الدولية، سوى خيارين لا ثالث لهما.
يتمثل الخيار الاول في التفاهم مع اللبنانيين الآخرين المتمسّكين بثقافة الحياة والحرية في شأن كيفية جعل سلاحه في امرة الجيش اللبناني في ظل استراتيجية دفاعية تحظى بموافقة الاكثرية الساحقة من الوطنيين في البلد الصغير. وكلمة الاكثرية الساحقة لا تعني باي شكل الادوات وادوات الادوات مثل النائب ميشال عون قائد الجيش السابق الذي يستطيع، من دون ان يرفّ له جفن، تبرير اغتيال الضابط الطيار سامر حنا لمجرد انه حلّق بطائرة هليكوبتر تابعة لسلاح الجو اللبناني في الاجواء اللبنانية !
اما الخيار الآخر فيتمثل في التمسك بالسلاح... اي التمسك باشعال الفتنة المذهبية التي يمكن ان تقضي على لبنان كله وليس على بيروت وحدها.
في النهاية هل يمتلك الحزب حرية قراره كي يقدم على خطوة تصب في مصلحة لبنان وتقطع الطريق على الفتنة؟ هل الفتنة كفيلة بالغاء المحكمة الدولية او منع صدور القرار الاتهامي؟