مرّة اخرى، يبدو الانتصار على لبنان واللبنانيين بديلا من الانتصار على اسرائيل. فما قاله السيد حسن نصرالله الامين العام لـquot;حزب اللهquot; في مؤتمره الصحافي الاخير مساء الاثنين الماضي لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة الى التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي ارتكبت في لبنان. على العكس من ذلك، جاء كلامه ليصبّ قي عملية لا هدف لها سوى تقويض الاستقرار في الوطن الصغير. لم يأت نصرالله باي جديد بالنسبة الى التحقيق الا اذا كان المطلوب استغباء اللبنانيين والعرب والعالم عن طريق برنامج quot;غوغل ارثquot; الذي يسمح لاي انسان يمتلك جهاز كمبيوتر بمشاهدة ما تنقله الاقمار الاصطناعية من صور عن هذا المنزل في هذا الشارع او ذاك او هذه المنطقة او تلك في اي دولة من دول العالم. هل اكتشف الامين العام لـquot;حزب اللهquot; برنامج quot;غوغل ارثquot; حديثا ام انه يعتقد ان لا احد غيره في لبنان على علم به وبما يقدمه للمستخدم العادي لجهاز الكمبيوتر؟
قبل كل شيء، ان اللبنانيين ليسوا بالغباء الذي يتصوره السيد نصرالله. على العكس من ذلك انهم يعرفون ان لدى الامين العام لـquot;حزب اللهquot; هما واحدا هذه الايام يتمثل في الانتهاء من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي شكلها مجلس الامن التابع للامم المتحدة بعد اغتيال رفيق الحريري.
لا يختلف شخصان على ان اسرائيل معنية باثارة القلاقل في المنطقة كلها وانها ليست بعيدة عن اثارة النعرات المذهبية نظرا الى ان ذلك يبرر وجودها كدولة عنصرية تسعى الى الحصول على اعتراف عالمي وعربي وفلسطيني بها كـquot;دولة يهوديةquot;. هذا شيء والجرائم التي ارتكبت في لبنان شيء آخر بما في ذلك جريمة السابع من ايار- مايو 2008 عندما اجتاح مقاتلو quot;حزب اللهquot; بيروت واذلوا اهلها ثم اتجهوا صوب الجبل الدرزي من اجل اخضاعه. هنا لا يعود السؤال عن دور اسرائيل في اثارة الغرائز المذهبية التي يشكو منها السيد نصرالله بمقدار ما ان السؤال يصبح مرتبطا بالدور الذي يلعبه الحزب على صعيد الاستمرار في الانقلاب الهادف الى الحاق لبنان بالمحور الايراني- السوري وتكريسه quot;ساحةquot; لهذا المحور لا اكثر ولا اقلّ... حتى لو تطلب ذلك اثارة كل انواع الغرائز المذهبية والطائفية والمناطقية.
تشكل المداخلات الاخيرة للسيد نصرالله، وهي مداخلات تركز على المحكمة الدولية، حلقة في المسلسل الذي بدأ في ايلول- سبتمبر 2004 بالتمديد لاميل لحّود. مطلوب بكل بساطة ان يعلن لبنان استسلامه امام القضاء والقدر وان تتوقف المحكمة الدولية عن البحث عن الحقيقة انطلاقا من الجهود التي تبذلها لجنة التحقيق التي باشرت نشاطها بعد اسابيع قليلة من وقوع جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه.
الى الآن، لم يتوقف عمل لجنة التحقيق برئاسة المدعي العام الكندي بلمار. كذلك، تتابع المحكمة المهمات المنوطة بها وهي برئاسة القاضي الايطالي كاسيزي الذي تصدى للمافيا في بلاده واستطاع مواجهتها على الرغم من ان حياته كانت مهدة يوميا. والملفت ان السيد نصرالله خرج بكل انواع الاستنتاجات واستبق التحقيق والقرار الظني في غياب اي دليل على طبيعة الاتجاه الذي يسير فيه التحقيق. انها محاولة اخرى لالغاء لبنان والقضاء على صمود اللبنانيين في وجه الحملة الشرسة التي يتعرضون لها منذ ما يزيد على اربعة عقود، اي منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 وهو الاتفاق الذي كرس تخلي الدولة اللبنانية عن جزء من سيادتها على اراضيها. ما يحدث اليوم استكمال لعملية اخضاع الدولة اللبنانية عن طريق طرد العدالة الدولية من لبنان. هناك بكل بساطة ميليشيا مسلحة تعمل على الارض اللبنانية وتقيم quot;مربعات امنيةquot; وتعتبر نفسها فوق القانون اللبناني وفوق قرارات مجلس الامن بما في ذلك تلك التي صدرت تحت البند السابع وبينها قرار انشاء المحكمة الدولية.
من اجل تبسيط الامور اكثر وربما بشكل افضل، يبدو مطلوبا حاليا الغاء المحكمة الدولية، كون هذه المحكمة فاجأت بمجرد قيامها اولئك الذين لعبوا دورا في تنفيذ جريمة اغتيال رفيق الحريري والجرائم الاخرى التي تلتها. في الواقع، فشلت كل الجرائم في تغطية جريمة الرابع عشر من شباط- فبراير 2005. فشلت حرب صيف العام 2006 في ذلك، كذلك الاعتصام وسط بيروت الذي استهدف تعطيل الحياة في العاصمة وفي لبنان كله ومنع انتخاب رئيس للجمهورية. وفشلت جريمة خلق فتنة لبنانية- فلسطينية عن طريق افتعال احداث مخيم نهر البارد. وفشلت ايضا غزوة بيروت والجبل في تحقيق كل اهدافها، علما ان قسما من الاهداف تحقق خصوصا الجانب المتعلق باستيعاب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ونقله من ضفة الى اخرى.
حصل كل ما حصل على ارض لبنان من اجل ان تتوقف المحكمة. كان مطلوبا بكل بساطة تنظيف مسرح الجريمة وانصراف المواطنين الى اعمالهم بعد ايام من اغتيال رفيق الحريري. استمرت المحكمة التي يحاول كثيرون التشكيك بها ومن بين هؤلاء الاداة المعروفة التي اسمها الجنرال ميشال عون الذي يتأكد يوميا انه ليس اكثر من نكتة سمجة...
السؤال الآن ما الذي سيفعله quot;حزب اللهquot; بعدما تبين ان المطالعات القانونية لامينه العام لم تأت بالنتائج المرجوة على الرغم من استعانته بـquot;غوغل ارثquot; وبشهادات لعملاء من الدرجة العاشرة خانوا وطنهم وتنكروا لاهله؟ الجواب المرجح ان الحملة ستشتد على حكومة سعد الحريري من اجل اسقاطها في حال لم تنضم الى الحملة على المحكمة الدولية. يحدث كل ذلك على الرغم ان المحكمة لم تنبس حتى الآن ببنت شفة وان لجنة التحقيق تتابع مهماتها من دون ضجيج. هل مطلوب الوصول الى مرحلة يقول فيها quot;حزب اللهquot; ان الانقلاب اكتمل وان مصير لبنان مرتبط باستمرار المحكمة الدولية وان على العالم الاعتراف بانه الدولة اللبنانية والناطق الوحيد باسمها؟ لم يكن ينقص المؤتمر الصحافي للامين العام لـquot;حزب اللهquot; سوى اعلانه : انا الدولة والدولة انا... انا المحكمة والمحكمة انا!