ما يكشفه اعتراض الحكومة السورية بشكل مسبق على تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في شان تنفيذ القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الامن مثير للاهتمام. يظهر الاعتراض السوري الذي تضمنته رسالتان متطابقتان، من ناحية النص، الى الامين العام للامم المتحدة والى رئيسة مجلس الامن لهذا الشهر مندوبة نيجيريا جوي اوغوو ان لا تغيير في السياسة السورية تجاه لبنان وان دمشق تعتبر نفسها وصيا على البلد وحكما بين الاطراف فيه رافضة اخذ العلم بان قواتها انسحبت منه وان الاساليب القديمة المتبعة منذ ما يزيد على اربعة عقود عادت بالكوارث على البلدين والشعبين.
هناك، بكل بساطة، رفض سوري لاخذ العلم بان شيئا ما تغيّر على صعيد العلاقة بين بيروت ودمشق. لو لم يحصل تغيير لما قبلت دمشق فتح سفارة في بيروت. الاهم من ذلك كله، ان النفوذ السوري في لبنان، صار في المرحلة الراهنة مرتهنا لسلاح quot;حزب اللهquot; الموجه الى صدور اللبنانيين العزل الذين قاوموا وما زالوا يقاومون ثقافة الموت. لماذا تقبل سوريا البقاء اسيرة السلاح غير الشرعي في لبنان؟ هل يمكن بناء علاقة بين دولتين على مثل هذه النظرية؟
بات يمكن القول ان كل شيء على حاله في دمشق وان النظام فيها لا يستطيع وضع سياسة جديدة تجاه لبنان، او على الاصح ان يحيد عن سياسة تصدير السلاح الى لبنان لضرب الاستقرار فيه. المؤسف ان الرسالتين الموجهتين الى الامين العام للامم المتحدة والى رئيسة مجلس الامن توحيان بذلك. وتوحيان خصوصا بان السلاح الموجه الى صدور اللبنانيين يشكل عاملا كافيا لقلب الحقائق راسا على عقب ورفض الاعتراف بالواقع الجديد القائم بين البلدين الشقيقين ولكن المستقل كل منهما عن الآخر.
يكفي التوقف عند مقطع من بين مقاطع عدة تضمنها التقرير الذي يتوقع صدوره عن بان كي مون والتمعن في الاعتراض السوري عليه للتاكد من حال العقم التي تعاني منها السياسة السورية تجاه لبنان من جهة ورفض دمشق ان تاخذ في الاعتبار التغييرات التي طرات على الوضع الداخلي في الوطن الصغير من جهة اخرى. اكثر من ذلك، انها ترفض اخذ العلم بان لبنان تغيّر وان اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق نزلوا يوم الرابع عشر من آذار 2005 الى الشارع ليقولوا لا للوجود العسكري السوري في لبنان ونعم لعلاقات ندية بين البلدين. قال اللبنانيون باكثريتهم الساحقة ان لا عداء لبنانيا لسوريا او للاخوة السوريين. العداء لسياسة معينة تريد لبنان تابعا وquot;ساحةquot; لا اكثر وتتعاطى معه من هذا المنطلق.
ركزت رسالتا الاعتراض على ان الامم المتحدة تتدخل في الشؤون اللبنانية - السورية. يبدو واضحا ان الجانب السوري لم يقرأ نص القرار 1701، او انه لا يريد الاعتراف بوجود مثل هذا القرار الذي صدر في آب ndash; اغسطس من العام 2006 واوقف quot;العمليات العدائيةquot; بين اسرائيل وquot;حزب اللهquot; ودعا الى وقف تهريب الاسلحة الى لبنان وضبط الحدود السورية- اللبنانية والعمل على ترسيمها.
ربما كان الجانب السوري على حق في اعتراضه على دعوة المجتمع الدولي الى وقف تهريب الاسلحة الى لبنان وتفكيك القواعد العسكرية الفلسطينية التابعة له والموجودة داخل الاراضي اللبنانية. اعتبر مطالبة الامين العام سوريا بتفكيك هذه القواعد امرا quot;غير مفهومquot;... علما با لا شيء مفهوما اكثر من هذا الطلب، خصوصا ان اللبنانيين اتفقوا في جلسات الحوار الوطني التي سبقت حرب صيف العام 2006 على وجوب الانتهاء من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الذي لا يخدم سوى اسرائيل والسياسة المبنية على استخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معارك لا علاقة له بها من قريب او بعيد.
ربما كان الاعتراض السوري على القرار 1701 برمته نظرا الى انه ينسف السياسة القائمة على تهريب السلاح الى لبنان بهدف واحد وحيد هو ضرب مؤسسات الدولة اللبنانية. في الواقع ان الاعتراض هو على فكرة ان على المؤسسات الرسمية السورية التعاطي مع المؤسسات اللبنانية بدل السعي الى الهيمنة عليها. لم يخدم السلاح سوى فكرة فرض الوصاية على لبنان عن طريق تصويره انه دولة هشة وان الصيغة اللنانية غير قابلة للحياة.
ثبت مع مرور الوقت ان هذه الصيغة اقوى من اي صيغة اخرى في المنطقة، خصوصا اذا استعرضنا قدرة اللبنانيين على المقاومة منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 والذي الغاه مجلس النواب اللبناني في العام 1987.لا عودة الى خلف في لبنان. الوطن الصغير لا يزال يقاوم. قاوم السلاح الفلسطيني الآتي من سوريا ولا يزال يقاوم سلاح quot;حزب اللهquot; الذي ايقظ الغرائز المذهبية. لبنان صار اكثر مناعة على الرغم من الهجمة المستمرة عليه.
من هذا المنطلق، يبدو الرهان السوري على السلاح في غير محله. يفترض بالرهان السوري ان يكون على السعي الى الاستفادة من تجارب الماضي القريب والاستفادة في الوقت ذاته من التقرير المرتقب للامين العام للامم المتحدة كي تحسن دمشق علاقاتها بالمجتمع الدولي وبمؤسسات الدولة اللبنانية. مرة اخرى السلاح خطر على لبنان وسوريا في آن. هذه لعبة من الماضي. مرة اخرى ان الانتصار على لبنان ليس بديلا من الانتصار على اسرائيل...