من يستمع هذه الايام الى الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله، الذي تحدث مرتين في اقل من اسبوع عن المحكمة الدولية، يكتشف ان الرجل واضح في ما يريد، خصوصا انه يعتبر ان القرار الظني في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري صدر... قبل ان يصدر. فحوى القرار، من وجهة نظر الامين العام للحزب، ان لا علاقة للنظام السوري بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وان الاتجاه الى توجيه اتهامات الى عناصر من quot;حزب اللهquot;. وهذا امر لا يمكن القبول به. من قال ان لا علاقة من بعيد او قريب لعناصر سورية ما بالجريمة؟ لماذا هذا الاستباق لنتائج التحقيق والسعي في الوقت ذاته، عبر سؤال غير بريء، الى تمرير رسالة تتضمن دعوة الى التعاطي مع quot;حزب اللهquot; بالطريقة نفسها التي جرى التعاطي بها مع النظام في سوريا، اي ان ما ينطبق على النظام السوري يجب ان ينطبق ايضا على quot;حزب اللهquot;؟
قبل الانتقال الى تحديد ما يريده نصرالله، لا بدّ من الاشارة الى ان مداخلتيه الأخيرتين حفلتا بالتهديدات المبطنة الى اللبنانيين مشيدا بالتحول الذي قام به الزعيم الدرزي السيد وليد جنبلاط الذي خرج من صفوف الرابع عشر من آذار واستسلم لـquot;حزب اللهquot; ولسوريا. يبدو مطلوبا من اللبنانيين الآخرين ان يحذوا حذو جنبلاط الذي يمكن تفهم مواقفه، من دون فهم طريقة تصرفه التي تتسم بمقدار كبير من العشوائية والاستخفاف بالآخر، وذلك في ضوء ما تعرضت له طائفته الصغيرة على يد ميليشيا quot;حزب اللهquot; في مطلع ايار- مايو من العام 2008. بالنسبة الى الزعيم الدرزي، الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة زعيما وطنيا، الاولوية هي لحماية الطائفة مهما بلغ الثمن السياسي والمعنوي. لا هاجس لدى وليد جنبلاط سوى ان لا يكتب التاريخ يوما ان الدروز هُجروا من جبل لبنان في ايام وليد كمال جنبلاط.
بالنسبة الى حسن نصرالله، يمثل وليد جنبلاط المثل الاعلى الذي يفترض بالطوائف اللبنانية الاخرى السير على خطاه. ربما على السيّد نصرالله ان يعيد حساباته في هذا المجال لسبب واحد على الاقل. في اساس هذا السبب ان السنّة في لبنان ليسوا طائفة صغيرة خائفة على مستقبلها مثل الدروز. وذلك ليس عائدا الى ان عدد ابناء الطائفة يتساوى مع عدد ابناء الطائفة الشيعية، وربما يزيد عنه، فحسب. بل انه عائد ايضا الى الانتشار السني في لبنان، خصوصا في المدن الكبرى واقليم الخروب في الشوف وعكّار في الشمال.
كذلك، يفترض في الامين العام لـquot;حزب اللهquot; ان يأخذ في الاعتبار ايضا ان المسيحيين في لبنان ليسوا على شاكلة النائب ميشال عون الذي ليس في نهاية المطاف سوى اداة لا تريد ان تتعلم من دروس الماضي القريب. اهم هذه الدروس ان كل سلاح خارج سلاح سلطة الشرعية اللبنانية، اكان فلسطينيا او ايرانيا او سوريا... او لبنانيا، ليس سوى سلاح في خدمة اسرائيل. لا لشيء سوى لأنّ مثل هذا السلاح يصب في خدمة ضرب مؤسسات الدولة اللبنانية التي يمكن ان تسهل عملية بناء سياسة واقعية وعاقلة في الاطار العربي، تحظى باجماع كل الطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية، سياسة تحافظ على مصالح لبنان واللبنانيين ومستقبل ابنائهم في وجه اي اطماع ايا يكن مصدرها.
هذا ما يفسر اشادة حسن نصرالله بميشال عون الذي هجّر، عندما كان في قصر بعبدا بين العامين 1988 و1990 اكبر عدد ممكن من اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم، من لبنان. كل ما يفعله ميشال عون حاليا، هو متابعة التحريض على مؤسسات الدولة اللبنانية تعبيرا عن احقاد قديمة لضابط احترف الفشل لم ينتصر في اي معركة في حياته باستثناء تلك المعركة التي يشنها على مؤسسات الدولة اللبنانية بهدف اضعافها.
ولكن ما الذي يريده الامين العام لـquot;حزب اللهquot; في نهاية المطاف؟ من يتمعن في مداخلتيه الاخيرتين يكتشف ان همه الاول يتمثل في اجبار الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها على التبرؤ من المحكمة الدولية واتهام اسرائيل بجريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وبالجرائم الاخرى التي تلتها والتي لم يأت السيد حسن على اي ذكر لها، علما انها استهدفت اشرف اللبنانيين العرب.
من يدعو شعب الرابع عشر من آذار الى الانقلاب على قياداته انما لا يعرف ان المواطن اللبناني من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب افضل من قياداته وهو متقدم عليها من ناحية استيعاب الخطورة التي يشكلها سلاح quot;حزب اللهquot; على مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى ثقافة الحياة في لبنان. وهذا الامر لا يقتصر على المسيحيين والسنة فقط، بل يشمل الدروز والشيعة الذين اظهروا في مناسبة الانتخابات البلدية الاخيرة انهم على راس المتعلقين بثقافة الحياة والرافضين لما يمثله quot;حزب اللهquot; وتوابعه المعروفين وغير المعروفين.
كل ما في الامر، في حال المطلوب اختصار المشهد اللبناني، ان الذين اغتالوا رفيق الحريري اخطأوا في حساباتهم. كانوا يعتقدون ان الجريمة ستمر مثل غيرها من الجرائم التي بدأت باغتيال كمال جنبلاط وصولا الى تفجير الرئيس رينيه معوّض. ظن هؤلاء انه يكفي تنظيف مسرح الجميلة، وهذا ما طلبه اميل لحود في مجلس الوزراء بحجة ان الناس يجب ان تنصرف الى اعمالها، كي ينسى اللبنانيون ما حصل. هنا كانت بداية الخطأ في الحسابات. لم تنفع كل المحاولات التي بذلت منذ العام 2005 في تغطية الجريمة. مطلوب الآن من لبنان كله، بدءا بحكومة سعد الدين رفيق الحريري، المشاركة في هذه التغطية... والاّ تعود الحرب الاهلية. مرة اخرى انها حسابات خاطئة، تماما مثل حسابات تظاهرة الثامن من آذار 2005 التي كان هدفها اخافة اللبنانيين وارهابهم. كان الرد في الرابع عشر من آذار وبسلسلة من المواقف وصولا الى الانتخابات النيابية الاخيرة قبل ثلاثة عشر شهرا.
مهما قيل ويقال، وعلى الرغم من كل الضغوط المتنوعة التي يتعرض لها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لن يستسلم اللبنانيون امام الحسابات الخاطئة... صمدوا في الماضي. لماذا لا يصمدون ويتابعون مقاومتهم الآن؟