يشير كلام السيد علي خامنئي quot;مرشد الجمهورية الاسلاميةquot; في ايران عن المحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي سبقتها وتلتها، الى ان الرجل نصّب نفسه بالقوة مرجعا لكل لبنان وكل اللبنانيين. وضع نفسه فوق الدولة اللبنانية ومؤسساتها، هي التي طلبت المحكمة الدولية وسعت اليها بهدف وضع حدّ لثقافة الموت والسياسة القائمة على الاغتيالات في الوطن الصغير. حرص quot;المرشد الاعلىquot;، لدى استقباله امير دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حديثا على تاكيد ان اي قرار يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يعتبر quot;لاغيا وباطلاquot;. وضع خامنئي نفسه ايضا فوق المحكمة الدولية التي اقراها مجلس الامن التابع للامم المتحدة تحت الفصل السابع من شرعة المنظمة الدولية، وذلك بعدما اعتبر المجلس اغتيال رفيق الحريري عملا quot;ارهابياquot;!
لا يختلف اثنان على ان من حق quot;المرشدquot; ان يعتبر نفسه المرجعية الاولى والاخيرة في كل شيء لدى قسم من اللبنانيين. ليس سرّا ان quot;حزب اللهquot; يؤمن بولاية الفقيه ويرى في خامنئي مرجعيته. وقد اعلن ذلك غير مرة الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الذي اكد من دون مواربة انتماءه الى المدرسة التي تؤمن بنظرية ولاية الفقيه. كذلك، ليس سرا ان الادوات التابعة لـquot;حزب اللهquot; وتوابع هذه الادوات، مثل النائب المسيحي ميشال عون وامثاله، تأتمر بما يصدر عن الحزب ومرجعيته. ولذلك سارعت هذه الادوات منذ فترة لا بأس بها الى مهاجمة المحكمة الدولية واعتبارها ساقطة. هناك من يرى حتى ان المحكمة الدولية قضية منتهية طويت صفحتها. لماذا اذا كل هذا الرعب من المحكمة ومن القرار الاتهامي الذي يمكن ان يصدر عنها قريبا، ما دام لا قيمة تذكر لها ولكلّ ما يمكن ان يصدر عنها او عن الاجهزة والهيئات التابعة لها؟
تكمن اهمية كلام خامنئي، وهو اعلى سلطة في ايران ولدى كل من يؤمن بنظرية ولاية الفقيه، ان طهران تثبت انها معنية بالتحقيق باغتيال رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي استهدفت اللبنانيين الشرفاء حقا الذين يؤمنون بالعروبة الحضارية وليس بالمتاجرين بها. من الواضح ان هناك بعدا اقليميا لهذه الجرائم. جاء كلام quot;المرشد الاعلىquot; لدى استقباله امير دولة قطر ليؤكد هذا البعد وليؤكد ان ايران معنية مباشرة بالمحكمة وانها تعتبر معركة المحكمة معركتها.
ماذا يعني ذلك؟ انه يعني ان الوضع في لبنان في غاية الخطورة وانه قابل للانفجار في اي لحظة وان على اللبنانيين الرضوخ للارادة الايرانية ولمن يمثل هذه الارادة ويعبّر عنها... والاّ تحلّ بهم وببلدهم المصائب والويلات. كل ما في الامر، ان النظام في ايران يرى انه يمتلك ما يكفي من الوسائل والادوات، على راسها السلاح الموجه الى صدور المواطنين العزل، لفرض ارادته على لبنان واللبنانيين الذين عليهم الافتراض ان رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما قضوا في حادث سير وان كل الشهداء الآخرين، من سمير قصير الى النقيب سامر حنّا مرورا بجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد والشهداء الاحياء مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق، كانوا ضحية خلاف عائلي! يستطيع اللبنانيون، في احسن الاحوال، اتهام اسرائيل بانها وراء كل هذه الجرائم او الاستشهاد بمشعوذ فرنسي يروج لرواية تقول ان موكب رفيق الحريري تعرض لهجوم من الجو بواسطة صاروخ الماني!...
ما الذي يجعل ايران تسمح لنفسها بالتصرف بالطريقة التي تتصرف بها حيال لبنان؟ قبل كل شيء، لا وجود لموقف عربي موحد يؤكد الوقوف مع المحكمة الدولية من منطلق انها الوسيلة الوحيدة لوضع حد لثقافة القتل في لبنان وغير لبنان. لذلك، يتصرف النظام الايراني وكان ارض لبنان مشاع له. الوطن الصغير ليس سوى quot;ساحةquot;. ولو استطاع تحويل كل دولة عربية اخرى الى quot;ساحةquot;، لما تردد في ذلك لحظة واحدة. الاهم من ذلك كلّه، ان ايران تمتلك السلاح في لبنان. انها تمتلك ميليشيا مذهبية خاصة بها عناصرها لبنانية اقامت دويلة اقوى من الدولة اللبنانية وكل مؤسساتها. ولذلك، كان الكلام الذي صدر قبل عن الرئيس امين الجميّل في العيد الخامس والسبعين للكتائب في غاية الاهمية. تحدث امين الجميّل انطلاقا من تجربة معينة لحزب لبناني عريق سبق له ان حمل السلاح في ظروف معينة وحلّ مكان الدولة ومؤسساتها على جزء من الاراضي اللبنانية. شدّد على ان quot;اعادة احياء زمن الدويلات وزمن المشاريع الخاصة بكل طائفة او حزب يفتح شهيات كثيرة في وقت يتفتت العراق ويقسّم السودان ويعاني اكثر من بلد عربي نزعات انفصاليةquot;...
لم يأت كلام الجميّل من فراغ. جرّب حزبه السلاح الذي يمثل علّة العلل في لبنان. وتوصل الى نتيجة quot;ان هذا البلد لا يبنى من دون كل الفئات اللبنانية ومن بينها حزب الله، لكن لبنان لا يبنى مع دولة حزب اللهquot;. لماذا لا يريد السيّد خامنئي الاستفادة من تجارب الآخرين على ارض لبنان، بما في ذلك تجربة الاحزاب اللبنانية المختلفة والدول العربية المتنوعة التي اعتقدت في مرحلة ما ان السلاح والميليشيات هي الطريق الاقرب للحلول مكان الدولة اللبنانية؟
المخيف في الموضوع ان ايران تمتلك فائضا من القوة في لبنان. تستطيع من دون شك توظيف هذا الفائض في الاطار الداخلي. تستطيع، بفضل السلاح وحملة السلاح، ان تدمر الكثير وان تثير كل انواع الغرائز، على راسها الغرائز المذهبية البغيضة والفتن الطائفية. ولكن هل تستطيع في نهاية المطاف اخضاع اللبنانيين وتخييرهم بين السلم الاهلي والمحكمة الدولية... ام ان كل ما هو مطلوب من التصعيد الذي لجأ اليه quot;المرشدquot; توجيه رسالة الى واشنطن فحواها ان طهران مستعدة، انطلاقا من المحكمة الدولية، للدخول في مفاوضات مع الادارة الاميركية في شأن مستقبل لبنان على غرار ما حصل في العراق؟