اي ايران نصدّق؟ هل ايران التي استقبلت بحفاوة سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء اللبناني، ام ايران التي تتحدث عبر الامين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله الذي يعتبر ان زيارة الرئيس الحريري لطهران تستهدف تقطيع الوقت؟ هل نصدّق ان النظام في ايران يسعى الى اقامة علاقات مع الدولة اللبنانية وهل له مصلحة في قيام الدولة، بمؤسساتها الشرعية المعروفة في لبنان... ام ان كل يسعى اليه عمليا يتمثل في تاكيد انه صار يمتلك موقعا على شاطئ البحر المتوسط عن طريق ميليشيا مذهبية تابعة له استطاعت ان تجعل من النائب المسيحي ميشال اداة من ادواتها بغية تغطية الطابع الحقيقي لهذه الميليشيا التي تهدد اللبنانيين بسلاحها في كل لحظة وكل ساعة وكل يوم من ايام الاسبوع السبعة؟
الاكيد ان ايران غير قادرة، اقلّه في المدى المنظور، على الاجابة عن مثل هذا النوع من الاسئلة، خصوصا انها في غير وارد استيعاب انها عاجزة عن ملء الفراغ الناجم عن انهيار القوة العظمى الاخرى في العالم وكان اسمها الاتحاد السوفياتي. كيف لايران ان تستوعب انها ليست قوة مهيمنة على الصعيد الاقليمي، في حين تعتبر نفسها حاليا المنتصر الاول من انتهاء الحرب الباردة قبل عقدين وانها باتت تمتلك مواقع مهمة تسيطر عليها في انحاء مختلفة من الشرق الاوسط، خصوصا بعدما قدمت لها الولايات المتحدة الاميركية العراق على صحن من فضة.
يصعب جدّا على ايران استيعاب انها ليست قوة اقليمية قادرة على فرض شروطها على المجتمع الدولي، او الدخول في صفقات معه، ما دامت عاجزة عن الاقرار بان نسبة لا بأس بها من شعبها تعيش تحت خط الفقر وما دامت عاجزة ايضا عن فهم معنى انها لا تمتلك ما يكفي من الامكانات للاستغناء عن استيراد النفط المكرر مثلا. نعم، هناك بلد مصدر للنفط لا يستطيع سدّ حاجة السوق المحلية الى المحروقات!
ما قد يكون اصعب من ذلك، استيعاب ايران ان المتاجرة ببعض العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين والبحرانيين وحتى السعوديين والكويتيين لا يمكن ان يؤسس لسياسة وان عليها التصرف كدولة عادية من دول المنطقة تهتم اول ما تهتم بتحسين اوضاع شعبها والعلاقات مع جيرانها بدل ممارسة عملية هروب مستمرة الى امام. صحيح ان ايران هي المستفيد الاول من الحرب الاميركية على العراق وانها كانت شريكا في هذه الحرب، لكن الصحيح ايضا انها لن تستطيع يوما الهيمنة على العراق حتى لو لجأت الى كل الاسلحة التي توفرها لها الانقسامات المذهبية فيه. يمكن لايران، في احسن الاحوال بالنسبة اليها، ولنقل في اسوأها بالنسبة الى العرب عموما، تقسيم العراق والحاق جزء منه بها بطريقة او باخرى. ولكن لن يمكنها في اي يوم من الايام ابتلاع العراق كله. حتى الجزء الذي يمكن ان تعتبره يوما محافظة من محافظاتها سيتمرد، خصوصا ان شيعة العراق اظهروا دائما انهم عرب قبل اي شيء آخر.
كانت زيارة سعد الحريري لطهران فرصة كي تتخذ ايران موقفا واضحا. وذلك كي تكون صادقة مع ما تدعيه اوّلا في شان الرغبة في لعب دور بناء على الصعيد الاقليمي وكي يصدّق جيرانها ما تقوله ثانيا. هل تنظر الى لبنان كـquot;ساحةquot; ام ترى الآن ان من مصلحتها التخلي عن الاوهام والتعاطي معه كدولة من دول المنطقة. هل تصدق طهران كلاما من نوع ذلك الذي صدر عن quot;حزب اللهquot; في بيروت وضعها في مصاف دولة مثل اليابان في حين انها ليست اكثر دولة من دول العالم الثالث عليها استيراد تكنولوجيا الصواريخ وما شابهها من كوريا الشمالية؟
يفترض في ايران ان تعي ان كل المناورات التي تقوم بها في المنطقة لا تنطلي على احد، بما في ذلك السعي الى استخدام لبنان ودول اخرى للالتفاف على العقوبات الدولية التي بدأت مفاعليها في الظهور.
ما ورد على لسان قادة عرب في شأن خطورة السياسة الايرانية اكثر من صحيح. نعم هناك وعي عربي عميق من المحيط الى الخليج لما يمكن ان يترتب على متابعة ايران لممارسة سياسة الهرب الى امام. الدول العربية ترى في الطموحات الايرانية خطرا عليها وعلى اوضاعها الداخلية وحتى على مجتمعاتها، خصوصا ان السياسة الايرانية تصب بطريقة او باخرى في خدمة السياسة الاسرائيلية القائمة على تفتيت المنطقة عن طريق اثارة الغرائز المذهبية. هل من عاقل يستطيع تجاهل الدور الايراني في تشجيع المذهبية في العراق؟ هل يمكن تجاهل الفتنة الشيعية- السنية في لبنان التي تغذيها ايران يوميا عن طريق السلاح الذي ترسله الى فئة معينة، وهو سلاح بات موجها الى صدور اللبنانيين ولا هدف له سوى فرض املاءات وشروط محددة على مؤسسات الدولة اللبنانية، بما في ذلك تعطيل عمل الحكومة واجبارها على اعلان رفضها للمحكمة الدولية حتى قبل ظهور القرار الاتهامي؟
اي ايران نصدق؟ ايران التي تتظاهر باحترام مؤسسات الدولة اللبنانية ام ايران التي تتابع عملية تدمير المؤسسات ومحاولة وضع يدها على الوطن الصغير على غرار ما فعلت مع الطائفة الشيعية الكريمة التي لا تزال تقاوم عبر مثقفيها والواعين فيها ثقافة الموت...
اي ايران علينا ان نصدّق؟ ايران التي لا تزال تحتل الجزر الاماراتية الثلاث منذ العام 1971 او تلك التي تزايد على العرب في دعمها للقضية الفلسطينية بغية احراجهم لا اكثر؟ هل من فارق بين احتلال واحتلال؟
لن تحقق زيارة سعد الحريري لطهران اي نتائج تذكر قبل ان تجيب ايران عن السؤال الحقيقي الآتي: ما هو موقفها من المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الاخرى التي سبقتها وتلتها؟ اي هرب من السؤال، بمثابة هرب من التعاطي مع الوضع اللبناني بشكل طبيعي، مع دولة ذات مؤسسات لا بدّ من احترامها وليس مع quot;لبنان- الساحةquot;. هل لبنان مجرّد quot;ساحةquot; او دولة من دول المنطقة. كل ما تبقى تفاصيل لا معنى لها، بل تفاصيل ذات مغزى عميق فحواها ان هناك من يرفض وجود الجمهورية اللبنانية الحرة السيدة المستقلة ويصر على استخدام لبنان ورقة تستهدف التوصل الى صفقة مع quot;الشيطان الاكبرquot; الاميركي وquot;الشيطان الاصغرquot; الاسرائيلي... على حساب اللبنانيين اوّلا!
مشكلة ايران والنظام فيها، ان اللبنانيين يعرفون ذلك، باكثريتهم الساحقة، وهم على استعداد للدفاع عن وطنهم الصغير وعن صيغة العيش المشترك بعيدا عن السلاح. ويعرفون خصوصا ان استهداف المحكمة الدولية استهداف لمستقبلهم ولاي محاولة لوضع حدّ للجرائم التي استهدفت اشرف اللبنانيين العرب الذين كان يفترض في ايران ان تدافع عنهم في حال كان فيها نظام يؤمن بثقافة الحياة والانفتاح بديلا من المتاجرة بشعوب المنطقة...