بعد ايام قليلة، في الثاني عشر من كانون الاوّل- ديسمبر الجاري، تمر الذكرى الخامسة لاغتيال نائب بيروت الزميل جبران تويني. جاء اغتيال جبران بعد عشرة اشهر من تفجير موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعد ستة اشهر تقريبا من استشهاد الزميل سمير قصير. هل كان جبران تويني بهذه الخطورة كي يجري التخلص منه بالطريقة البشعة التي لجأ اليها المجرمون؟ الجواب بكل بساطة ان مسلسل الاغتيالات الذي شهده لبنان كان يتطلب التخلص من شخص مثل جبران تويني نظرا الى انه كان مطلوبا ايجاد فراغ في البلد الذي اسمه لبنان ومنعه من المقاومة، مقاومة ثقافة الموت والسلاح الميليشيوي والوصاية، وذلك بكل الوسائل المتاحة، سياسيا وشعبيا واعلاميا...
جاء اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005 لانه كان رمزا للزعيم الوطني الذي يستطيع ان يجمع حوله اللبنانيين والعرب الحقيقيين الرافضين للمتاجرة بالقضية الفلسطينية والمؤمنين بكل ما هو حضاري في هذا العالم. جريمة رفيق الحريري انه استطاع اعادة الحياة الى بيروت وحولها من مزبلة الى احدى اجمل المدن المطلة على البحر المتوسط. كان لا بدّ من مكافأة رفيق الحريري على ما انجزه كونه كان مهووسا بلبنان وبيروت بالذات وبثقافة الحياة. كان quot;ابو بهاءquot; يحلم بربيع دائم لبيروت وبحدائق خضراء مليئة بالورود بديلا من خطوط التماس التي كانت تفصل بين المسلم والمسيحي. لذلك قتلوه. قتله اولئك الذين لا يؤمنون سوى بالبؤس وبثقافة الموت والدمار. ولذلك نجد الآن ادوات الادوات، من امثال النائب المسيحي ميشال عون، تسعى الى تغطية الجريمة. هؤلاء الاشخاص - الادوات لا يستطيعون لعب دور آخر غير الدور الذي ولدوا اصلا من اجله وذلك لسبب واحد على الاقل اسمه الحسد. الحسد سبب كاف لمحاولة النيل من رفيق الحريري ومن كل شهداء quot;ثورة الارزquot;. هؤلاء الحساد يعرفون انهم غير قادرين الا ان يكونوا فاشلين وان عليهم مهاجمة النجاح والناجحين بحثا عن دور ما ولو كان ذلك على حساب لبنان واللبنانيين والمسيحيين خصوصا. عليهم ان يفعلوا ذلك، نظرا الى ان ليس في استطاعتهم مقارنة نفسهم بقامات كبيرة استطاعت ان تبني المؤسسات التعليمية وتدعمها وان تعيد لبنان العربي المتعافي الى خريطة الشرق الاوسط والعالم...
كلما مرّ يوم، يتبيّن ان اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وبعده سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني، كان حاجة لدى اولئك الذين لا هدف لهم سوى تدمير لبنان ومؤسساته وتكريس بيروت مدينة منقسمة على نفسها. هل صدفة ان ياتي الاعتصام وسط بيروت مباشرة بعد العدوان الاسرائيلي صيف العام 2006؟ هل كان من هدف آخر للاعتصام سوى تعطيل مؤسسات الدولة، على راسها مجلس النواب، وتعطيل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان انطلاقا من وسط العاصمة، عاصمة جميع اللبنانيين، بيروت؟
لا شيء يحصل بالصدفة في لبنان. اغتيل رفيق الحريري لاسباب كثيرة في مقدمها انه صار زعيما وطنيا ذا اطلالة عربية انطلاقا من بيروت التي اعاد الحياة اليها, واغتيل سمير قصير لانه كان رمزا لبيروت التي وضع عنها كتابا. كان رمزا لبيروت بصفة كونه لبنانيا وسوريا وفلسطينيا وعربيا متحررا ومثقفا حقيقيا في الوقت نفسه. واغتيل جورج حاوي لانه رفض الظلم والرضوخ للمتاجرين بالعروبة وباللبنانيين والفلسطينيين. واغتيل جبران تويني لانه كان رمزا من رموز المقاومة الحقيقية التي ترفض المقاومة المزيفة. كان جبران تويني وفيا لبيروت التي رفضت الميليشيات بكل انواعها. كان باختصار صاحب موقف عبر عنه عبر quot;النهارquot; التي فقدت عمليا ديكها.
لماذا قتلوه؟ الجواب لان quot;النهارquot; التي تمثل بيروت وكل لبنان كانت مستهدفة. لم يكن جبران ليستشهد لو ارتضى ان تكون جريدته من دون موقف. هذا كل ما في الامر. كان على بيروت ان ترضخ وان لا يعود فيها مكان سوى للصحف الصفراء التي هي اقرب الى تنظيم ميليشيوي مذهبي من اي شيء آخر. كان جبران من بين آخر المقاومين لهذه الظاهرة. كان لا بدّ من ازاحته لهذا السبب ولغيره من الاسباب بينها جرأته.
بعد خمس سنوات على غياب جبران تويني، لا تزال بيروت صامدة لكنها لا تزال مستهدفة. في كل يوم تؤكد بيروت انها لا تزال وفية للذين دافعوا عنه. رفيق الحريري اعاد الحياة الى المدينة. سمير قصير كان روحها. كان يعرف كل شارع من شوارعها وكل معلم من معالمها. جورج حاوي كان المناضل العربي الذي يعبر عن انتماء المدينة ودورها. اما جبران تويني فكان صوتها الذي يصدح يوميا، صوت المقاومة الحقيقية الرافضة لثقافة الموت...
بعد خمس سنوات على غياب جبران تويني، لا تزال بيروت تقاوم. دم الشهداء لم يذهب هدرا. لم يعد بعيدا اليوم الذي سنعرف فيه من قتل رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ثم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد والنقيب سامر حنا. سنعرف ايضا من حاول قتل مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق وسمير شحاده.
لا يمكن لبيروت ان تصمت. لن يرهبها السلاح ولا ادوات الادوات التي تستقوي بهذا السلاح خدمة لثقافة الموت والشعارات المزيفة. من كان يصدّق يوما ان المدينة المقسمة ستعود موحدة اكثر من اي وقت؟ من كان يصدّق انه سياتي يوم سيسمى فيه القاتل ولن يعود من واجب الضحية الاعتذار من المجرم؟
لن يردّ لنا احد الشهداء. لكن عزاء الذين عرفوهم ان قاتل جبران سيصير معروفا ولن يعود قادرا على تغطية جريمته بواحدة اكبر منها او عن طريق الادوات المعروفة مهما حاضرت هذه الادوات الوسخة بالعفاف والعفة والطهارة!