عشية جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب وجبهة quot;بوليساريوquot; في شان الصحراء الغربية، او المغربية لا فارق، يفترض في كل طرف من الاطراف المعنية بالمسألة مراجعة مواقفه وحساباته. والاطراف المعنية بالمراجعة هي بالطبع مجموعة من الدول في منطقة المغرب العربي، على راسها الجزائر التي لا وجود لشيء اسمه quot;بوليساريوquot; من دونها. فالجزائر تشن منذ فترة طويلة حرب استنزاف على المغرب من منطلق توهمها انها قوة اقليمية لا يمكن الا تكون مطلة على المحيط الاطلسي، وانها لا تستطيع الاكتفاء بوضع الدولة المطلة على البحر المتوسط.
في النهاية، انّ جبهة quot;بوليساريوquot; ليست سوى اداة تستخدم لضمان الوصول الجزائري الى الاطلسي عبر الصحراء من جهة، واضعاف المغرب عبر جعل قواته المسلحة في حال تأهب شبه دائمة من جهة اخرى. وهذا يكلف المغرب من دون شك مبالغ مالية كبيرة كان في الامكان صرفها على مشاريع التنمية. تظلّ quot;بوليساريوquot; استثمارا جيدا وغير مكلف، نسبيا، بالنسبة الى نظام جزائري يحاول في استمرار الهروب من مشاكله الداخلية الى الخارج باحثا عن دور ما تحت شعار الدفاع عن حقوق الشعوب كما لو ان الشعب الجزائري نفسه ليس بين الشعوب المقهورة!
مع مرور الوقت، يتبين ان المغرب راجع مواقفه وحساباته بعدما واجه في الاسابيع القليلة الماضية حربا حقيقية شاركت فيها غير جهة استهدفت وحدة التراب الوطني للمملكة. استغلّ الذين شاركوا في تلك الحرب السعي المغربي الى استيعاب كل صحراوي يعود الى ارض الوطن من اجل تمكين عناصر مدربة على حرب العصابات من التسلل الى العيون، كبرى مدن الصحراء. استطاعت هذه العناصر افتعال مشاكل مخيم كديم ازيك في تشرين الثاني- نوفمبر الماضي في الوقت الذي كانت تدور فيه جولة اخرى من المفاوضات بين المغرب وquot;بوليساريوquot;. اثبتت quot;بوليساريوquot; من خلال ارسال عناصرها الى العيون انها قادرة على خدمة الجزائر الى اقصى حدود. لكنها كشفت في الوقت ذاته ان لا مشروع سياسيا لديها تواجه به طرح المغرب الحكم الذاتي الموسع للصحراء. كشفت في الواقع انها حشرت نفسها في الزاوية وحشرت معها الجزائر ولذلك باتت مضطرة للجوء الى العنف ولا شيء آخر غير العنف. ربما تجاهلت الجبهة ومعها الجزائر ان حرب الصحراء انتهت عمليا منذ العام 1985 وان لا مفرّ من الاعتراف بانتصار عسكري مغربي وان ليس في الامكان اعادة عقارب الساعة الى خلف. ما فشلت الجزائر في تحقيقه ايام الحرب الباردة عن طريق حرب العصابات التي شنتها على القوات المسلحة المغربية، لن تنجح فيه في السنة 2010 عن طريق عصابات استفادت من حسن النية التي اظهرتها السلطات المغربية للتسلل الى العيون وغير العيون بغية خلق كل انواع المشاكل للادارة المحلية.
الاكيد ان المغرب ليس مسؤولا عن مأزق quot;بوليساريوquot; المضطرة للاستعانة بالعنف لاظهار انها لا تزال حية ترزق. تعامل المغرب مع ظاهرة الارهاب، التي نقلتها quot;بوليساريوquot; الى مخيم كديم ازيك الذي سمحت به السلطات المحلية كي يعبر السكان عن شكواهم من اوضاع معيشية معينة، باسلوب ينمّ عن مقدار كبير من الشفافية. كانت حصيلة المواجهات مع المعتصمين، الذين استغلت بعضهم عناصر تسللت حديثا الى العيون، احدى عشر ضحية من بين رجال الامن. هل كان طبيعيا ان يسقط هذا العدد من الضحايا في صفوف رجال الامن، بينهم من ذبح ذبحا بالطريقة التي يمارسها المتطرفون في الجزائر، لو كانت هناك نية حقيقية في ممارسة القمع؟ كانت هناك في الواقع رغبة في التعاطي مع ظاهرة مخيم كديم ازيك من منطلق انها تفرض معالجة المشاكل التي يعاني منها المواطنون في الاقاليم الصحراوية بطريقة علمية تاخذ في الاعتبار الاوضاع الاجتماعية وظاهرة البطالة خصوصا...
لم تكشف احداث المخيمّ وجود حرب جزائرية على المغرب تُشنّ بواسطة عناصر من quot;بوليساريوquot; فقط. ولم تكشف الاحداث تحول quot;بوليساريوquot; الى العنف لاثبات انها لا تزال على قيد الحياة فقط. ولم تكشف الاحداث الدور الاسباني على صعيد بث الاخبار الخاطئة والصور المزيفة من نوع صورة لاطفال فلسطينيين قتلتهم اسرائيل وصفوا بانهم ضحايا سقطت في العيون فقط. كشفت الاحداث ايضا ان ثمة من لا يزال يراهن على سلسلة من الاوهام. يتمثل الوهم الاول في ان طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي الموسع في الاقاليم الصحراوية كان من منطلق الضعف. الواقع ان المغرب طرح مبادرته لانه يريد حلا، كما يريد ايجاد صيغة للتعاون الاقليمي في مواجهة ظاهرة الارهاب والتطرف والتعاون في مجال الحرب على الفقر. من يراهن على متابعة الحرب على المغرب عن طريق ما يسمّى quot;بوليساريوquot; انما يسعى الى تشجيع الارهاب في المنطقة. فما يلفت النظر في الاشهر الاخيرة ان نشاط quot;القاعدةquot; زاد في كل انحاء المنطقة الصحراوية خارج الاراضي المغربية. وشمل هذا النشاط خطف اجانب واحتجازهم رهائن. الاهم من ذلك، يتبين يوميا ان هناك عناصر في quot;بوليساريوquot; على ارتباط بالارهاب الدولي وتجارة المخدرات. من يتجاهل ان مبادرة الحكم الذاتي المغربية يمكن ان تشكل منطلقا لحل يحفظ ماء الوجه للجميع، انما يرفض دخول البيوت من ابوابها. بكلام اوضح، لا فائدة من الاستعانة بالجانب الاميركي من اجل خوض حرب على الارهاب في غياب التعاون الاقليمي والتنسيق بين دول المنطقة. لا يمكن لدولة مثل الجزائر ان تكون مع الارهاب وضده في الوقت ذاته. لا يمكن ان توفر مراكز قيادة وغرف عمليات للاميركيين والعمل معهم ضد quot;القاعدةquot; وان لا تدين قتل رجال امن مغاربة في العيون. هل هناك ارهاب مقبول وظريف ومفيد وارهاب آخر مرفوض ومدان يجب التصدي له بكل قوة وحزم؟
ما يمكن قوله ان المغرب قام بمراجعة خاصة به عشية جولة المفوضات الجديدة. هل حصلت مراجعة لدى الآخرين؟ هل اعادوا النظر في حساباتهم؟ هل هناك وعي لاستحالة اعدة عقارب الساعة الى خلف وان قضية الصحراء قضية وطنية في المغرب تحظى باجماع شعبي، بغض النظر عن التجاذبات الحاصلة حاليا بين الاحزاب. انها قضية وطنية قبل اي شيء آخر نظرا الى انها مرتبطة باستعادة ارض كانت تحت الاستعمار الاسباني لا اكثر ولا اقلّ؟