مع اقتراب السنة 2010 من نهايتها، تكون مرت خمس واربعون سنة على انطلاق حركة quot;فتحquot;. تمثّل quot;فتحquot; المشروع الوطني الفلسطيني المتجدد الذي سمح لياسر عرفات الزعيم التاريخي بان يدفن في ارض فلسطين. لم يعد ياسر عرفات بعيدا عن القدس. انه يقرع ابواب المدينة كل يوم منذ حيث هو في رام الله على بعد خطوات من المقاطعة، مقرّ الرئاسة الفلسطينية.
استطاع quot;ابو عمّارquot;، على الرغم من مرور ست سنوات على رحيله، ان يؤكد ما سبق واكده في العام 1965 لدى انطلاق quot;فتحquot;. اراد ان يثبت منذ البداية ان لدى الفلسطينيين مشروعا وطنيا قابلا للحياة وللتطوير لا يمكن الاّ ان يقود الى قيام دولة مستقلة. في استطاعة ياسر عرفات ان يؤكد ذلك مجددا الآن، بغض النظر عما اصاب القضية الفلسطينية من تراجع في السنوات الاخيرة، خصوصا منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر- ايلول 2001 واعلان الادارة الاميركية ما يسمّى quot;الحرب على الارهابquot;، ثم انتقالها الى الحرب على العراق. ادت حرب العراق الى خلل كبير على الصعيد الاقليمي، مكّنت النظام في ايران من مصادرة القضية الفلسطينية والمتاجرة بها وبالشعب الفلسطيني من جهة وانفلات الغرائز المذهبية، بابشع انواعها، من جهة اخرى. جعل انفلات الغرائز المنطقة كلها مهددة بالتفتيت. ولم يعد الخطر محصورا بالعراق بمقدار ما انه بات يهدد المنطقة العربية كلها...
مرة اخرى، تظهر اهمية quot;فتحquot; كحاجة وطنية ومشروع وطني قادر على ممارسة المرونة السياسية الى ابعد حدود من دون التخلي عن الثوابت التي يفرضها الواقع الاقليمي والدولي الذي ليس في الامكان تجاوزه او التحايل عليه الى ما لا نهاية. على رأس هذه الثوابت خيار الدولتين على ارض فلسطين. وهو الخيار الذي ترفضه اسرائيل باسم الاحتلال وتعمل على تقويضه.
ثمة حاجة اليوم الى quot;فتحquot; اكثر من أي وقت كي لا تضيع القضية الفلسطينية في متاهات الوضع الاقليمي وتعقيداته وكي لا تذهب ضحية المتاجرين بالشعب الفلسطيني تحت شعار quot;المقاومةquot;. ربما كان افضل اختصار لهذا الشعار الصواريخ quot;العبثيةquot; التي راحت quot;حماسquot; تطلقها من قطاع غزة على الرغم من الانسحاب الاسرائيلي منه صيف العام 2005. حتى الامس القريب، كانت هذه الصواريخ، في رأي بعض الاميين في السياسة والعلوم العسكرية، قوة quot;رادعةquot;. اليوم صار اطلاق الصواريخ، بقدرة قادر، quot;خيانة وطنيةquot;. صار على quot;حماسquot; ملاحقة مطلقي الصواريخ من قوى اكثر تطرفا منها ولدت في كنفها، كي تحكم قبضتها بطريقة افضل على قطاع غزة وتغيّر طبيعة الحياة فيه. تغعل ذلك كي لا يقال ان الاخوان المسلمين فاشلون في تولي السلطة وان لا علاقة لهم بادارة الدول وشؤون الناس. بالنسبة الى quot;حماسquot;، ان المشروع الوحيد الذي تؤمن به هو مشروع السلطة، حتى لو كان ذلك يخدم السياسة الاسرائيلية القائمة على تكريس الاحتلال ولا شيء غير ذلك...
تكمن اهمية quot;فتحquot; في اواخر السنة 2010 ومطلع السنة 2011 في انها لا تزال حاجة وطنية فلسطينية وذلك لسببين على الاقلّ. السبب الاول ان لا بديل من مشروعها الوطني، الذي اصبح البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في المواجهة مع الاحتلال. اما السبب الآخر، فهو ان quot;فتحquot; لا تزال قادرة، على الرغم من ترهل بعض قيادييها، من التصدي للمشاريع العبثية التي تلتقي بصورة او باخرى مع المشروع الاسرائيلي. هل من خدمة تقدّم لاسرائيل افضل من المشاريع القائمة على الشعارات الطنانة التي يرفضها المجتمع الدولي والتي تجعل هذا المجتمع بقف موقف المتفرج حين تمارس اسرائيل ارهاب الدولة بكل اشكاله وانواعه ودرجاته في غزة وغير غزة؟
نعم، مرت خمس واربعون سنة، ولا تزال quot;فتحquot; حاجة فلسطينية، quot;فتحquot; quot;ابو جهادquot; وquot;ابو ايادquot; وابو الوليدquot; وآلاف الشهداء الآخرين. وصل الفلسطينيون الى طرح قضيتهم في العالم بفضل quot;فتحquot; التي ناضلت عسكريا وسياسيا واوصلت فلسطين الى الامم المتحدة. لا يمكن بالطبع تجاهل الاخطاء الضخمة التي ارتكبها ياسر عرفات في الاردن ولبنان او موقفه المعيب من الاحتلال العراقي للكويت في العام 1990. كذلك، لا يمكن تجاهل تردده في اتخاذ قرارات حاسمة على الصعيد الداخلي الفلسطيني عندما كانت هناك حاجة الى مثل هذه القرارات. ولا يمكن ايضا تجاهل محاولة تذاكيه في احيان كثيرة على الاميركيين والاسرائيليين، وحتى الاوروبيين، في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق اوسلو في ظروف لا فائدة فيها للتذاكي. ولكن يبقى ان quot;فتحquot; هي الضمانة لاستمرار المشروع الوطني الفلسطيني وحمايته وتطويره وجعله، بالتالي، يتكيف مع المعطيات الاقليمية والدولية.
بعد خمس واربعين سنة من الانطلاقة في 1-1 1965، لا تزال القضية الفلسطينية على قيد الحياة بفضل quot;فتحquot;. لم تتحول الى العوبة في يد ايران وغير ايران. لا تزال quot;فتحquot;، على الرغم من الخلافات الداخلية القابلة للاحتواء، من نوع ذلك الخلاف القائم بين رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس من جهة والسيد محمد دحلان مسؤول الاعلام في الحركة، قادرة على حماية القرار الفلسطيني المستقل الذي تحول هذه الايام ضرورة اكثر من اي وقت. تلك هي quot;فتحquot; التي ستظل ترفع راية فلسطين الى ان تقوم الدولة الفلسطينية. كانت هناك في مرحلة معينة حاجة الى الكفاح المسلح. كانت الظروف الدولية والاقليمية تسمح بذلك. هناك في مرحلة اخرى حاجة الى الديبلوماسية والسلاح في آن. الآن، هناك حاجة الى متابعة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. هذا ما تفعله quot;فتحquot; عبر دعمها الحكومة الفلسطينية، حكومة الدكتور سلام فيّاض، من جهة ومنع تحويل الضفة الغربية الى ارض طاردة لاهلها من جهة اخرى. انها تفعل ذلك، عبر حماية امن المواطن في الضفة الغربية والتي تصب في حماية للمشروع الوطني الفلسطيني اوّلا واخيرا. انه المشروع الوحيد القابل للحياة الى اشعار آخر!