كلام كثير يثقال هذه الايام عن quot;ثورةquot; في اليمن وعن رغبة شعبية في التغيير. الكلام عن quot;ثورةquot; اقرب الى مبالغات من اي شيء آخر. اما الرغبة في التغيير فتبدو وصفا دقيقا الى حد كبير لواقع اليمن. نعم، لا بدّ من تغيير في اليمن ولا مفرّ من ذلك. السؤال كيف تنفيذ عملية التغيير من جهة والى ماذا ستفضي اليه هذه العملية من جهة اخرى، خصوصا ان لا وجود لشيء اسمه التغيير من اجل التغيير، خصوصا ان اليمن ليس تونس وليس مصر، بل يختلف عنهما لاسباب عدة في مقدّمها طبيعة مجتمعه؟
عمليا، هناك خياران لا ثالث لهما. امّا يكون التغيير سلميا وامّا عن طريق استخدام العنف. ما دام التغيير بالطرق الدستورية التي تحترم الشرعية ممكنا وواردا، لمَ اللجوء الى العنف... ام ان المطلوب في واقع الامر تصفية حسابات شخصية مع الرئيس علي عبدالله صالح والمحيطين به بشكل مباشر؟ اذا كان المطلوب تصفية حسابات ما مع الرئيس اليمني، فانّ اقلّ ما يمكن قوله ان هذه هي الطريق الاقصر لجعل الاوضاع تزداد سوءا وصولا الى مرحلة يتفجر فيها البلد من داخل فيتحول الى اربع او خمس دول او اكثر. ولا شكّ ان الرئيس اليمني على حقّ عندما يحذّر من هذا الاحتمال، خصوصا انه كان الى ما قبل فترة قصيرة اكثر يمني يعرف اليمن واليمنيين.
قبل كل شيء، لا بدّ من الاشارة الى ان للمعارضة ممثلة باحزاب quot;اللقاء المشتركquot; مطالب مشروعة وبعض المآخذ المحقة، حتى على شخص الرئيس. لكن هذه المطالب والمآخذ يمكن، بغض النظر عن طبيعتها، الآنتظار شهرين او ثلاثة اشهر، وهي فترة كافية للدخول في حوار وطني يؤدي الى اتفاق على كيفية انتقال السلطة عن طريق انتخابات عامة في كل المحافظات اليمنية. ما العيب في الانتخابات بديلا من الانقلابات؟
يمكن الاستعانة بالمبادرة التي قدمتها دول مجلس التعاون للوصول الى مخرج يحفظ ماء الوجه للجميع ويوفر على البلد الويلات... والحروب التي معروف كيف تبدأ وليس معروفا لا كيف ستنتهي ولا اين يمكن ان تنتهي في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
لا تزال هناك فسحة من الوقت يمكن استغلالها من اجل تفادي الانفجار الكبير الذي لا يمكن ان يستفيد منه احد، لا في اليمن وفي المنطقة، خصوصا ان الرئيس اليمني اعلن بالفم الملآن انه لا ينوي ترشيح نفسه للانتخابات المقبلة ولا ان يورث نجله. في كل الاحوال، ان الظروف لم تعد تسمح بذلك في اي شكل، ولكن من دون ان يعني ذلك انه لم تعد لديه اوراق يلعبها. انها الاوراق التي سمحت له بانزال تظاهرات مؤيدة له معظم الذين شاركوا فيها من المواطنين العاديين الذين لا يزالوا يؤيدونه. يضاف الى هؤلاء آلاف الموظفين المرتبطين، في طبيعة الحال، بمصالح معينة تجعلهم في صف مناصري السلطة، اي سلطة. ولكن في نهاية المطاف، لا يمكن تجاهل بان معظم الجيش ما زال مواليا للرئيس. يدل على ذلك فشل التحرك الذي قامت به الفرقة الاولى بقيادة اللواء علي محسن الاحمر. تبين بعد ايام من التحرك ان الفرقة التي كانت في مرحلة معينة اقوى فرق الجيش فشلت في تنفيذ انقلاب عسكري. ولىّ زمن الانقلابات العسكرية في اليمن. من الافضل التفكير في المستقبل بدل البقاء في اسر الماضي. وهذا يعني ان المبادرة الخليجية لا تزال حية ترزق، على الرغم من تعليقها من جهة وان الانتقال السلمي للسلطة لا يزال الطريق الاسلم الذي يحول دون سفك مزيد من الدماء.
هناك مشاكل كبيرة يعاني منها اليمن. هناك بكل تاكيد فاسدون حول الرئيس ولكن ماذا عن الفاسدين الذين يطالبون بالتغيير باسم quot;الثورةquot;؟ المشكلة ان الكلّ يعرف الكلّ في اليمن. لا اسرار في اليمن. هناك مرحلة انتهت. هذا صحيح. لماذا لا يكون هناك انتقال الى مرحلة جديدة يكون فيها تناوب على السلطة بين الموالاة والمعارضة، مرحلة يُحافظ فيها على الايجابيات التي تحققت منذ قيام الوحدة في العام 1990. من بين هذه الانجازات التعددية الحزبية والانتخابات العامة التي سمحت للمواطن اليمني بالتعبير عن رايه وقيام صحف بعضها جيد وبعضها الآخر رديء، لكنها تعبر عن كل الآراء في البلد.
في امكان الاحداث التي يشهدها اليمن تشكيل نقطة تحوّل نحو الافضل في حال تامين ظروف يكون فيها انتقال للسلطة بشكل هادئ. في الامكان ايضا ان تشكل هذه الاحداث نقطة انطلاق نحو مزيد من التدهور في بلد قابل للاشتعال لاسباب عدة بينها الوضع في شمال الشمال وفي المناطق الوسطى وفي الجنوب حيث النزعة الى الانفصال. تضاف الى ذلك كله الحالة الاقتصادية التي جعلت معظم اليمنيين، الذين يزداد عددهم بشكل مخيف من دون اي ضوابط، تحت خط الفقر في وقت ليس ما يحول دون مزيد من التطرف الديني والارهاب سوى الطبيعة القبلية للمجتمع.
من الآن، يمكن الاقرار بان تغييرا حصل في اليمن. هل سيكون نحو الافضل ام لا؟ الجواب بكل بساطة ان كل شيء يعتمد على ما اذا كان اليمنيون الطامحون الى التغيير، وبين هؤلاء شبان صادقون يؤمنون فعلا بالديموقراطية والعدالة والحرية والتقدم، سيعملون من اجل تامين هبوط هادئ للطائرة التي اسمها اليمن... ام يشرعون الابواب امام كل انواع الاحقاد وتصفية الحسابات؟ في آخر المطاف، ان الاحقاد لا يمكن ان تؤسس لسياسة بمقدار ما انها تولد مزيدا من الاحقاد، خصوصا عندما تكون هناك احزاب عقائدية تلعب دورا رئيسيا في تحريك الشارع واثارة الغرائز!
- آخر تحديث :
التعليقات