يصعب تصوّر ان لا علاقة للوضع الليبي بالوضع السوري. كان هناك دائما حلف سوري- ليبي غير معلن لديه امتداداته الايرانية. كلّ ما في الامر ان هذا الحلف كان يشهد مدا وجزرا احيانا بسبب مزاج العقيد القذّافي من جهة وادراكه انه يُستغل احيانا، بل يخضع لابتزاز مالي وغير مالي، من جهة اخرى.
كان هناك دائما تشابه كبير ما بين تركيبة النظام السوري وتركيبة النظام الليبي.
كان هناك دائما تشابه في الاساليب المعتمدة في التعاطي مع المعارضة. في معظم الاحيان، كان الالغاء هو الحلّ. كان هناك باستمرار وهم الدور الاقليمي الذي اخذ معمّر القذافي الى تشاد وحتى الى لبنان وفلسطين واليمن واثيوبيا، فيما كان النظام السوري يعتقد دائما انه دخل بقواته العسكرية الى لبنان كي يضمه الى الابد ويحوله الى محافظة سورية اخرى!
لعلّ اكثر ما يدلّ على عمق العلاقة السورية- الليبية انه لم يصدر في يوم من الايام موقف ادانة عن دمشق في شأن قضية الامام موسى الصدر رئيس المجلس الاسلامي الشيعي في لبنان خلال زيارة لليبيا في العام 1978، اي قبل ثلاثة وثلاثين عاما بالتمام والكمال. امتنع النظام السوري عن اتخاذ موقف، ولو شكلي، من القضية على الرغم من ان اثر الامام الصدر ورفيقيه فقد في ليبيا مباشرة بعد لقاء مع القذافي في اواخر شهر آب- اغسطس من تلك السنة!
اختلف النظامان في العام 2003 ، ودخلت ايران على خطّ الخلاف ،عندما بدأت ليبيا تتخلص عمليا من العقوبات الدولية المفروضة عليها وتستعيد موقعها في المجتمع الدولي. توصلت، ما كان يسمّى بـquot;الجماهيريةquot;، الى تسوية في شان كارثة لوكربي وتفجير طائرة quot;يو.تي ايquot; الفرنسية واستتبعت ذلك بالتخلص من اسلحة الدمار الشامل ابتداء من السنة 2004. اثار هذا الامر حفيظة دمشق وطهران فاثارتا للمرة الاولى عن طريق ادواتهما المشتركة في لبنان قضية الامام الصدر وقضايا اخرى مرتبطة بالدور الليبي، ودور القذّافي شخصيا، في عمليات ارهابية معينة، مثل عملية خطف وزراء quot;اوبيكquot; ( منظمة البلدان المصدرة للنفط) في فيينا في السبعينات من القرن الماضي.
كان هناك خوف من ذهاب ليبيا بعيدا في عملية اعادة تأهيل نفسها ومن احتمال انضمامها الى العالم الحضاري الذي يتعاطى مع مشاكله الحقيقية، اي تلك التي تهمّ المواطن العادي من جهة والابتعاد عن القمع وممارسة الارهاب والابتزاز من جهة اخرى.
كان القذّافي عند حسن ظن النظامين السوري والايراني. لم تمض اشهر حتى تبيّن انه لم يستطع التخلص من عاداته القديمة. بقي وفيا لهذه العادات على الرغم من كل الجهود التي بذلت من اجل اعادة تاهيله. كان القذّافي عاجزا حتى عن فهم اهمية الاصلاحات التي كان نجله سيف الاسلام، بحسناته وسيئاته، يسعى الى تحقيقها بدءا بانشاء اعلام شبه حر وانتهاء بالاستعانة بليبيين يمتلكون مؤهلات حقيقية يقيمون في الخارج هربا من النظام.
انتهى سيف في حضن ابيه. راح ضحية معمّر وطريقته في ممارسة السلطة القائمة على افقار الليبيين والقضاء على مؤسسات الدولة. لم يكن في استطاعة القذّافي الاب القيام باصلاحات من اي نوع كان بما في ذلك الاستعانة باي ليبي قادر على التعاطي مع العالم الخارجي او ان يكون موضع احترام مواطنيه. هنا ايضا لا يمكن الاّ المقارنة بين النظامين الليبي والسوري. لم يستوعب النظام السوري يوما اهمية المواطن السوري ولم يتمكن في اي لحظة من الاستفادة من الطاقات السورية، اي من رجال الاعمال والمال والعلماء والاطباء والمهندسين الموجودين في الخارج. فوجئ هؤلاء بان كل المطلوب منهم دفع خوّات لاشخاص معينين يوفرون لهم حماية في بلدهم الاصلي.
لا شيء يختلف بين ليبيا القذّافي وسوريا آل الاسد بالنسبة الى طريقة معاملة المواطن العادي. النظامان في واد والشعب في واد آخر. كان مطلوبا في كل لحظة ان يشعر هذا المواطن السوري والليبي بانه يعيش في جمهورية الخوف او جماهيريته لا فارق. كان البؤس ولا يزال هو الطريقة الافضل للسيطرة على المواطن.
ولكن يبقى ان اهم من ذلك كله، ان الحاكم في سوريا مثل الحاكم في ليبيا لم يفهم اهمية ما يجري على الارض. هناك ثورة حقيقية في ليبيا. وهناك ثورة اكثر من حقيقية في سوريا تغطي كل انحاء البلد. انها امّ الثورات العربية. مع ذلك، ليس لدى الرئيس السوري ما يدفعه الى التعاطي مع الواقع المتمثل في ان الشعب السوري شعب حيّ لم تعد تنطلي عليه شعارات المقاومة والممانعة وما شابه ذلك وانه ليس ساذجا الى الدرجة التي يظنها. لم تعد تنطلي عليه، مثلا، لعبة دعم حزب مذهبي في لبنان تابع لايران يستخدم سلاحه في عملية ارهاب مكشوفة للبنانيين بينما، بينما يعلن هو انه ضد الطائفية والمذهبية في سوريا!
ليس صدفة ان الثورة في ليبيا قضت على quot;قائد الثورةquot; وليس صدفة في سوريا ان الثورة ستتخلص عاجلا ام آجلا من quot;ثورة البعثquot; التي تبين انها ليست سوى وسيلة لنهب ثروة البلد وافقار مواطنيه وتيئيسهم واقامة نظام حكم عائلي، تماما كما كانت الحال في جماهيرية القذّافي.
يبدو السيناريو الليبي مرشحا لان يتكرّر في سوريا. من لديه ادنى شك في ذلك، يستطيع ان يقارن بين رد فعل القذّافي على الدعوات الى التنحي التي صدرت عن زعماء العالم وبين رد فعل الرئيس السوري على موقف الرئيس باراك اوباما الاخير منه. كان رد الفعل الليبي والسوري واحد. هناك رفض للاعتراف بانّ العالم تغيّر وبان الشعوب لا يمكن ان تصبر الى الابد. يكفي كسر حاجز الخوف مرة كي لا يعود مفرّ من التغيير الجذري حتى لو استغرق الامر اسبوعا او شهرا او سنة...