من المفيد في هذه الايام التذكير بان مجلس التعاون لدول الخليج العربية نشأ في ايار- مايو من العام 1981 في ابو ظبي بعد اقل من سنة من بدء الحرب العراقية- الايرانية في ايلول- سبتمبر من العام 1980. لعب وقتذاك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، رئيس دولة الامارات العربية المتحدة دورا اساسيا من اجل قيام مظلة خليجية تحمي الدول الست من النتائج المترتبة على تلك الحرب المجنونة وشظاياها. نجح مجلس التعاون في ابقاء الدول الست التي يضمها خارج الحرب واوجد حدا ادنى من التضامن في ما بينها. وساعد بعد ذلك في ايجاد موقف خليجي موحد ومتماسك، خصوصا في مرحلة ما بعد الاحتلال العراقي للكويت والتطورات اللاحقة الناجمة عن المغامرة المجنونة لصدّام حسين.
عمر مجلس التعاون الآن ثلاثين عاما. حقق الكثير في رأي كثيرين ولم يحقق سوى القليل بالنسبة الى البعض. كان هذا البعض يتطلع الى ان يكون هناك نوع من الوحدة او الفيديرالية او الكونفيديرالية بين دول مجلس التعاون نظرا الى تشابه الانظمة فيها والطبيعة الواحدة للمجتمعات في الدول الست. لكن شيئا من ذلك لم يحصل. كلّ ما يمكن قوله الآن ان تجربة مجلس التعاون كانت مفيدة وضرورية، بل لم يكن من غنى عنها في الايام العصيبة. الاهمّ من ذلك كله ان الحاجة الى مجلس التعاون تزداد يوما بعد يوم، خصوصا في ضوء التهديد الذي تشكله ايران الطامحة الى ايجاد خلافات بين دول المجلس من جهة والغرائز المذهبية التي اثارتها، خصوصا منذ وضعت يدها على جزء من العراق، من جهة اخرى.
لم يعد سرّا ان ايران سعت الى لعب دور في اثارة خلافات لا اساس حقيقيا لها اصلا بين دولة الامارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. من حسن الحظ ان سلطنة عُمان سارعت الى اصلاح الخطأ واعادت الامور الى مجاريها بين البلدين. وقد لعب الشيخ صُباح الاحمد امير دولة الكويت وحكيم الحكماء العرب دورا اساسيا في راب الصدع بين بلدين يفترض ان يكون هناك تكامل بينهما من دون ان يعني ذلك تجاهل للوضع الخاص لعُمان. انه الوضع الذي يفرض عليها الابقاء على علاقة معينة ذات طبيعة خاصة مع ايران، بغض النظر عن النظام فيها، لاسباب مرتبطة بالجغرافيا اوّلا والدور الذي لعبته ايران، في عهد الشاه، في انهاء التمرد في محافظة ظفار بين العامين 1970 و1975 من القرن الماضي.
لم يعد سرّا ايضا ان على مجلس التعاون الخليجي ايجاد وضع طبيعي في البحرين في ظل حال من انعدام التوازن تعاني منها المنطقة بسبب الفراغ الذي تعاني منه دولة كبيرة. هناك تحد اسمه البحرين وهناك محاولة ايرانية مكشوفة لجس نبض السعودية وامتحان ردود فعلها من خلال البحرين. ما كان للوضع في البحرين ان يتدهور الى هذا الحدّ لو كان هناك وعي لاهمية ايجاد نوع من العدالة الاجتماعية في البلد. عدالة، تقطع الطريق على التدخل الايراني والمساعي الهادفة الى ايجاد شرخ بين السنة والشيعة في البلد يتجاوز حدود الجزيرة الصغيرة. لا مفرّ من الاعتراف بان هناك تقصيرا مصدره الحكم في البحرين. هذا التقصير حال دون اي محاولة جدّية للمباشرة باكرا باصلاحات حقيقية يشرف عليها ولي العهد الامير سلمان بن حمد الذي اصطدم باكرا بالحرس القديم الذي يمثله رئيس للوزراء قدم ما يستطيع تقديمه للبلد ولكن آن اوان تقاعده.
الى اي حد يمكن ان ينجح مجلس التعاون في احتواء الوضع في البحرين؟ انه سؤال كبير، خصوصا ان البحرين تمثل الدفرسوار الذي يمكن لايران ان تستخدمه لتغيير طبيعة المنطقة وخلق توازنات مختلفة في الخليج تنهي كل ما هو عربي فيه فيه مستفيدة بالطبع من الفراغ القائم في مكان معين والذي يسمح لها بالتسلل من خلال المذهبية لاثارة القلاقل بكل اشكالها. من حسن الحظ ان هناك وعيا خليجيا لخطورة ما تتعرض له البحرين ولانّ ما على المحكّ يتجاوز مطالب اجتماعية، تبدو محقة ظاهرا، لفئة من المجتمع على استعداد للتظاهر يوميا من اجل تحقيق اهداف سياسية تتغيّر يوميا وتتصاعد بشكل مدروس وصولا الى المطالبة في نهاية المطاف بتغيير طبيعة الحكم في البلد، بل تغيير طبيعة البلد نفسه...
لا شكّ ان طرح quot;مشروع مارشالquot; لسلطنة عُمان والبحرين فكرة جيّدة. لكن مثل هذا المشروع ليس كافيا اذا لم يشمل اليمن. ثمة حاجة الى معالجة الوضع في البحرين وعُمان في اسرع ما يمكن. ولكن، ثمة حاجة الى التركيز في الوقت ذاته على اليمن. ان اي تطور للاحداث في اليمن ستكون له من دون شك انعكاسات سلبية على دول مجلس التعاون ككل. ليس طبيعيا ان يكون هناك تجاهل لليمن بكل ما يشكله من ثقل سكاني وموقع استراتيجي في منطقة الخليج، خصوصا انه يتبين يوميا ان ليس في الامكان تجاهل التدخل الايراني في شمال البلد من منطلق مذهبي قبل اي شيء آخر بهدف ايجاد موطئ قدم لطهران في منطقة محاذية للمملكة العربية السعودية...
بعد ثلاثين عاما على قيام مجلس التعاون الخليجي، يتاكد ان هذا التجمع الاقليمي صار حاجة الى كل دولة من الدول الاعضاء فيه. اكثر من اي وقت، يواجه الخليج حاليا تحديات من نوع جديد في البحرين وسلطنة عمان واليمن. ولكن يبدو ان المجلس مستعد لاتخاذ مواقف شجاعة في مناطق اخرى. الدليل على ذلك الموقف الصريح الذي صدر عن الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الاماراتي الداعي الى حماية الشعب الليبي الذي يتعرض حاليا لعملية ابادة تستهدف اخضاعه وتدجينه وابقاءه تحت رحمة حاكم ظالم لا همّ له سوى الاحتفاظ بالسلطة...
لا يزال مجلس التعاون لدول الخليج العربية حاجة اقليمية. انه المظلة التي تحفظ كل دولة من دوله الست. امن هذه الدول واحد. الخطر معروف. التحديات جديدة، لكن مصدرها قديم. منذ العام 1980 تاريخ اندلاع حرب الخليج الاولى، لا يزال التحدي نفسه. لا يزال الخلاف قائما في شأن تسمية الخليج ولا تزال الجزر الاماراتية الثلاث محتلة منذ ما قبل ذلك، منذ العام 1971 عندما كانت ايران لا تزال تحت حكم الشاه وليس quot;الجمهورية الاسلاميةquot;!