اين مشكلة العرب والافارقة الذين التقوا في مدينة سرت الليبية للبحث في التعاون بين الجانبين وفي مواجهة الارهاب. الجواب بكل بساطة ان الشعارات التي يرفعها الطرفان كبيرة وجميلة ولكن لا علاقة لها بالواقع لا من قريب او بعيد. ولذلك لا قيمة لاي قمة تعقد اكانت عربية صرفة او عربية- افريقية. من يريد بالفعل مواجهة الارهاب بالفعل يبحث عن صيغ عملية تؤمن الانتقال من حال التنظير الى الممارسة على الارض. العرب انفسهم ليسوا قادرين على قول كلمة حق في شأن ما يجري في هذا البلد او ذاك بسبب التدخلات الخارجية فيه. اما الافارقة فليس لديهم ما يقولونه في شأن التحولات الكبيرة التي تشهدها القارة السمراء التي يعاد رسم خريطة بعض الدول فيها، كالسودان، فيما تبدو دول اخرى وكانها من النوع غير القابل للحياة، كالصومال مثلا.
لا يستطيع العربي او الافريقي ان يكون مع الشيء وان يفعل عكسه. قبل عقد القمم والخروج بكلام كبير عن خطورة ما يحدث في السودان، لا بدّ من التوقف عند ممارسات معينة وادانتها نظرا الى انها تكشف حقيقة ما تضمره دولة معينة لجيرانها. الاهم من ذلك، يفترض في العرب والافارقة امتلاك ما يكفي من الشجاعة لتسمية الاشياء باسمائها من دون خوف او وجل. على سبيل المثال وليس الحصر، كيف يمكن للقمة العربية او للقمة العربية- الافريقية الوقوف موقفا موحدا من وحدة السودان من جهة وعدم ادانة الحرب التي التي تشنها الجزائر على المغرب عن طريق اداة اسمها جبهةquot;بوليساريوquot; من جهة اخرى. لا همّ للجزائر التي تعاني من الارهاب سوى العمل على استنزاف المغرب حتى لو كان المستفيد الاول من جهودها هو الارهاب نفسه والمنظمات الارهابية التي تسرح وتمرح في المناطق الصحراوية المحاذية لحدودها ولمالي والنيجر وموريتانيا ولدول اخرى في المنطقة.
لو كانت هناك جدية عربية وافريقية، لكانت القمتان اللتان عقدتا في سرت بحثتا في التطور الايجابي الذي طرأ حديثا على قضية الصحراء من اجل وقف المتاجرة بالصحراويين واستخدامهم وقودا في الحرب الجزائرية على المغرب التي تعود بالضرر على البلدين العربيين وعلى المنطقة كلها وعلى كل الصحراويين. اكثر من ذلك، ان هذه الحرب التي تشن بالواسطة على المغرب تشكل افضل خدمة للارهاب والارهابيين وللمنادين بضرب الاستقرار في كل انحاء القارة السمراء.
يتمثل التطور الايجابي الذي طرأ على قضية الصحراء في اقتناع مزيد من الصحراويين الذين يقيمون في مخيمات تندوف داخل الجزائر نفسها بان الحل الوحيد الذي يضمن لهم مستقبلهم ومستقبل اولادهم هو مبادرة الحكم الذاتي في الاقاليم الجنوبية للمغرب. هناك رأي عام واسع في صفوف سكان المخيمات القائمة في تندوف يطالب بكسر الحصار الذي يعاني منه الصحراويون والسماح لهم بالانضمام الى اخوتهم واهلهم المقيمين في الاقاليم الجنوبية للملكة المغربية. من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى حالة اسمها مصطفى سلمى ولد سيدي مولود.
في ايلول- سبتمبر الماضي عاد مصطفى سلمى ولد سيدى مولود الى مدينة السمارة في الصحراء المغربية. جاء الى السمارة من تندوف بصفة كونه المفتش العام لما يسمى شرطة quot;بوليساريوquot;. وفي ندوة صحافية حضرها ممثلو الاعلام ادلى بشجاعة وجرأة برأيه في مبادرة الحكم الذاتي الموسع الغربية بصفة كونها quot;الحل الوحيدquot; القابل للحياة لقضية الصحراء. لدى عودته الى تندوف، اعتقلته السلطات الجزائرية وسلمته الى quot;بوليساريوquot;. الى الآن، لا يزال مصير الرجل مجهولا على الرغم من الانباء التي تحدثت عن استعادته حريته وهي انباء في حاجة الى من يؤكدها بالملموس...
في النهاية، ان القمتين اللتين عقدتا في سرت لا فائدة تذكر منهما في غياب الرغبة في التعاطي مع الواقع ومع معطيات جديدة تساهم في انفراجات على الصعيدين العربي والافريقي وفي مواجهة الارهاب... هذا اذا كان هناك بالفعل من يريد مواجهة الارهاب. ما نفع قمة، اي قمة في حال كانت هناك رغبة متعمدة في التغاضي عن وجود مجموعة من الصحراويين المغاربة محجور عليها في مخيمات البؤس الجزائرية التي لا يمكن ان تنتج سوى ارهابيين ومتطرفين؟ لماذا هذا الظلم الذي يفرض على الصحراويين في حين ان في استطاعة هؤلاء العيش بكرامة كمواطنين مغاربة مرفوعي الرأس في بلداتهم وقراهم ومدنهم؟
يمكن الانطلاق من قضية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود الذي خضع لكل انواع الضغوط بعد عودته الى الجزائر للتأكد من ان هناك جديدا طرأ على قضية الصحراء وان الكذبة التي اسمها حق تقرير المصير للصحراويين ليست سوى وسيلة تستخدم لاستعبادهم. المؤسف ان العرب والافارقة يكتفون بالشعارات والمزايدات والخطب الرنانة للهرب من الحقيقة ومن واقعهم الاليم ومن قول كلمة حق من نوع : كفى المتاجرة بقضية الصحراء والصحراويين. لو كانت الجزائر حريصة بالفعل على اقامة دولة صحراوية لماذا لا تشجع على ان تكون تلك الدولة في اراضيها؟ اوليس هناك انتشار للصحراوييين من موريتانيا والنيجر ومالي والسنغال والجزائر وصولا الى جنوب السودان، مرورا بتشاد؟ هل هي قضية متعلقة بالصحراء والصحراويين ام باستنزاف المغرب حتى لو كانت حرب الاستنزاف هذه تعطل التعاون الاقليمي في مجال المواجهة مع الارهاب والتطرف؟ هل من يريد اخذ العلم بالتطور الذي طرأ ام المطلوب اليوم اكثر من اي وقت الهرب من الواقع والغرق مجددا في الاوهام؟